الأحد ٢١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
بقلم وفاء الحمري

عفاف

لم يكن سؤال علي عن عفاف جزافيا...

كان يسأل عنها بكل ملامح الرجولة التي تتفجر منه....

كانت هناك....في فكره.... بين شغاف فؤاده... ببهائها... بصمتها....بسمتها.... بكل حروف الطهر كانت هناك.

عاد عليلوش مساء ذلك اليوم المشهود الى الشركة بقامته الفارهة التي كاد الفقر أن يأخذ منها...

وهو يضع النظارة السوداء... لا يدري أن كانت تحجب عنه الناس أم تحجب الناس عنه....

دخل بخطى واثقة ورأس مرفوع...

لاول مرة يرى الناس من فوق....

لطالما رآهم من تحت.... وأحايين كثيرة لا يرى منه إلا السوق....وفي أحسن الأحوال الأعناق....

هاهو اليوم يرى عباد الله من علي.... كأنه وحده الواقف والباقي قعود....

جرى نحوه أحد أعضاء الحراسة الرسميين ببذلته الزرقاء وحذائه اللامع
يحاول إراحته بحمل تلك الحقيب اللامعة إلى حد المكتب...

أرخى له عليلوش الحقيبة في حركة تقليد لا شعورية... لكنه ما لبث أن نزعها منه بقوة جعلت الحارس يسقط أرضا....

تركه ساقطا ومضى إلى مكتب مدير المدير....

فغر المدير العام فاه أمام هذا الكشف المفاجئ...

لم يشأ أن يكذب على نفسه ويقول أنه لم يتعرف على عليلوش...

عرفه من شاربه الكث الاشهب الذي يشبه شارب المناضل العمالي الروماني ليش فاليسا ايام العز والنضال....

لم يلقبه بعليلوش إلا لهذا السبب إذ كان يناديه( بعلي –ليش ) ثم قلبها الى عليلوش لسهولة النطق....
حط عليلوش المحفظة على المكتب وجلس باعتدال على الكرسي الفخم المقابل لمكتب المدير العام...
حركات مديرية كبيرة من دون تمرين....

حط النظارة السوداء بكل حرص في الجيب الأيسر لبدلته السوداء الفاخرة....

ونظر نظرة ندية شاخصة إلى الآخر....

بما نبدأ....

بالبضاعة طبعا....

ولم لا بسميحة؟؟؟؟

شخص المدير العام بعينيه واسعا....

حرك شفتيه بكلام خرج من دماغه فكرا ولم يخرج من فمه صوتا...

لأول مرة يراه عصبيا....

مد يده بحركة سريعة وأخرج البخاخ ورش باستعجال داخل فيه الذي فتحه واسعا

وكأنه يستنجد بالكلمات لتخرج....

يفتح لها فاه لتمر....

سميحة لم تكن تريدك....

جحظت عينا الآخر وهو يحرك شفتيه دون أن ينطق حرفا واحدا...

هي التي أخبرتني بذلك....

شهق المدير العام شهقة بعدها انطلقت الكلمات كالصاروخ...
كأنها كانت تنتظر تلك الشهقة العجيبة لتندفع من فوهة المدفع....
(السي علي) لم يدع الفرصة تنفلت من بين يديه وبدا باطلاق الرصاصات تباعا....
خذ البضاعة واترك لي عفاف.....
إلا عفاف...رد عليه المدير العام....
فقام عليلوش من كرسيه كأنه احد كبار زعماء المافيا المفاوضين....

إذن سأخرج بالبضاعة....
ولا البضاعة أيضا....رد المدير العام...

 انظر يا صديقي....قالها بكل ثقة وهو يدور دورة احترافية على مكتب المدير ليطوقه بذراعه الضخمة:

عندما حبسنا في المصعد لم يكن لنا خيار إلا أن نتعانق ونتباكى سويا.... لم يكن لنا خيار آخر...

 خيار ولا بطيخ...ردد المدير العام وهو يرش من البخاخ على فيه المرة بعد الأخرى....

 هات البضاعة وخذ النسبة المئوية التي كان يمدك بها نائبي جواد وارحل بعيدا....
لا أريد أن أراك ثانية.....

 وأنت اطلب من عفاف العودة من واتركها لي وسنرحل....

كاد المدير العام يهجم عليه ويخنقه لولا حالة ضيق التنفس اللعينة التي تشل أعصابة
وتحبط قوته وتتركه كالطائر المذبوح يتخبط....

فكر أخيرا بالتفاوض مع علي كشخص متحضر...وبينه وبين نفسه كان يقول كأي شخص فاقد الحيلة...

-طيب يا علي....نتفاوض....

هي لك...اللعينة العاهرة... هي لا تستحقني...خذها لعلك تجد فيها بعضا من حقارتك....

 إلا عفاف يا رجل.... سأاقتلك أن تكلمت فيها كلاما باطلا....

 وأنت مسموح لك أن تفعل بها فعلا باطلا؟؟؟؟

 هي ضحية...

 يا سلام...ضحية ماذا يا البطل المنقد من الضلال...

 ضحيتك أنت....

 من قال هذا....

 هي بعظمة لسانها ( كان دوما يكرر هذه اللفظة ويخرج بعدها لسانه

ويبعث عن ذاك العظم ليتاكد من صدق هذه المقولة)

لكنه الأن لم يقم بتلك الحركة.... لزوم بروتوكولات الخدمة الإدارية العليا.....

 كانت صبية من مخيم ديرالبلح.... صبية جميلة ورائعة....

أردف المدير مكملا الحديث وكأنه عاد ثلاثين سنة إلى الوراء....

 كنت محاسبا في شركة بريطانية... بل إسرائيلية....

قيل لنا هي بريطانية لكي يأخذوا خيرة المتخرجين من المعهد...

كنا شبابا في قمة الحماس والنضال ولم نكن لنعمل عند الاسرائيلين لولا كذبهم علينا....

 وليكن.... كان بإمكانك المغادرة يوم علمت بالأمر....

 قهقه المدير العام عاليا....وقال.... بإمكاني المغادرة؟؟؟؟ انت تحلم يا رجل....

 أو الهرب...

 ولا الهرب....

 إذا من أجل المال.....

 ولا من أجل المال رد الآخر ساهيا....

 إذن لم بقيت في تلك الشركة.....

 قل لم بقيت في تلك الشبكة....

 شبكة؟؟؟؟

 نعم شبكة الجاسوسية والمخدرات و.....و.... دعارة...

 لفظ الكلمة الأخيرة بصوت يكاد لا يسمع لولا انتباه السي علي لمكاشفة المدير العام....

 وعفاف؟؟؟؟ لا..لا....لا.... لا تظلم عفاف لم تكن تعلم أبدا....

كنت قد عقدت آنذاك عليها.... و.... وخفض بصره نحو الأرض وسكت....

 و ماذا يا صاحبي....؟؟؟؟

 قد كنت أحببتها حبا كبيرا ولم استطع المقاومة....

 تورطها المسكينة....؟؟؟؟

 كان انتحارا ثنائيا ليس إلا....

 إذن كانت تعلم بطبيعة عملك....

 لم تكن تعلم...

 أيها الحقير...ما ذنبها المسكينة....

 كانت تظنني مناضلا... بطلا.... تأتيني بأخبار المقاومين....

وتحركات المناضلين لإمدادهم بالعون والمساعدة...

 يا لك من حقير...

 واهرّب بها كميات كبيرة من الهيروين....

 يا كلب.....

 وأدلل بجمالها مأمورياتي عند الكبار....

 يا بن العا...........

 وأخيرا هددتها برؤوس المقاومة فاستسلمت....

 لك؟؟؟؟

 لا...لهم....

 من؟؟؟؟

 الكبار في الشبكة....

 يعني العرض مقابل الأرض.....

 أليس أفضل من الأرض مقابل العرض...

 ولكنهم أخذوا الأرض والعرض.... علام المساومة؟؟؟؟

 على البقية الباقية....

 مم؟؟؟

 من المقاومين....

 وقبلت هي العرض؟؟؟

 قبلت الأرض...

 كيف؟؟؟؟

 عادت إلى غزة....


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى