الاثنين ٢٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨

في تيار الحياة

بقلم: تغريد أبي الوتار

بدأت الرواية حين كان( مجدي) في السابعة من عمره عندما حمل ابنة خاله (أنهار)على يديه وهوفرح ثم أخذتها منه المربية خوفا عليها،فجرى الى الحديقة حيث كان أبوه وخاله يجلسان مع بعض مدعوان في حفلة أسبوع الصغيرة،ثم قال لهما أنه يريد أن يأخذ الطفلة معه الى بيتهم ليلعب معها،فلما سأله خاله عن الثمن الذي سيدفعه مقابل ذلك أجابه بأنه سيدفع كل ما يملك في حصالته من نقود، لقد أجابه يومها خاله موافقا ووعده بأن يأخذها عندما تستطيع أن تأكل وتعيش بغير رضاع،لقد صار كل ذلك فكاهة للجميع حتى كبر مجدي وأدرك الأمور على حقيقتها واختفت الفكاهة فترة من الزمن لتعود في صورة أخرى عندما أكملت (أنهار) عامها السادس عشر وصارت فتاة جميلة رقيقة ساحرة، لقد تجدد طلبه ولكنه كان في هذه المرة جادا واعيا ولم تقم عقبات في طريقه سوى اصرار أهلها على اكمالها لدراستها ونيل شهادة عالية من أحد المعاهد الفنية التي توافق هوايتها في الرسم .

وصارت له بعد نيل شهادتها، وعين هوفي أحد مراكز الدولة الممتازة .لقد كان سعيدا بجمالها وذكائها ورقتها الى حد جعل أصدقائه يحسدونه ويغبطونه عليها ومضت حياتهما على هذا المنوال عامين، ثم أنتقل الزوجان الى بيت خاله واياها وصار راعيا للعائلة الصغيرة التي كانت تقيم معهم سعاد أخت أنهار الصغرى بعد وفاة والدتها، ورفرف على العائلة هدوء سعيد فالوالد الشيخ يقضي وقته في العناية بالحديقة، وسعاد (شقيقة أنهار) تقضي وقتها في وظيفتها والبعض الاخر في التطريز ورسم اللوحات التي ستزين بها بيتها عندما يتم زفافها بعد عودة خطيبها من الخارج،و(أنهار) تشرف على الخدم.

أما ملك فقد كانت تتردد على البيت كلما سمحت لها زوجة والدها (فقد توفيت والدتها وهي ما تزال في العاشرة وظلت في رعاية خالتها أم أنهار حتى كبرت)،شيئ واحد كان ينغص على (أنهار) معيشتها ألا وهوعدم قدرتها على انجاب الأولاد بالرغم من أن (مجدي) كان يحاول اقناعها دائما بأنه سعيد بها وبأنه لا يريد أطفالا وكان يحاول كل ما في وسعه افهام هذا الأمر لكل من يحاول أن ينغص عليهما سعادتهما بتذكيرهم بالأطفال، وكانت (أنهار) تسمع دائما من نساء العائلة وممن يحسدنها على جمالها ورشاقتها غمزا ولمزا بخصوص هذا الأمر، وكان (مجدي) يسعى جاهدا لكي يمنع تأثرها ويزيل الهم من نفسها الحساسه المرهفة.

هكذا مرت حياتهما على هذه الوتيرة بضع سنوات،حتى كانت تلك الليلة التي غيرت مجرى حياتهما الى الأبد كانت ليلة ساحرة وكانا مدعوين الى عرس ريفي قريب فيه كل وسائل البهجة، وامتلأت الدار الكبيرة وأصبح الجوخانقا فخرجا قليلا الى الهواء الطلق وأخذا كلبهما وعرجا الى بيتهما، ثم سارا في أحد حقول والده القريبة وابتعدت أنغام العازفين شيئا فشيئا، وكان القمر قد ارتفع وأنار الحقول وتخلل فروع الأشجار، سارا وكأنهما يحلمان حلما سعيدا خطواتهما البطيئة... ويداهما المتشابكتان... وكلبهما الذي يسبقهما في خطوات سريعة متعرجة حينا ومستقيمة أحيانا... وصمتهما الشاعري... ان أحدا لم يصدق أن أثني عشر عاما قد مضت على زواجهما،فقد كانت تبدوبثوبها الاحمر الملفوف فوق جسمها الرشيق وشعرها البني الفاتح ووجهها الخمري كانت تبدوكعروس لم تذهب برونقها الايام والسنوات، وكان هويبدوشابا كذلك رغم أنه قد تجاوز الأربعين.

لقد ظلا جالسين بالقرب من قناة المياه التي تمر بالحقل ما يقرب من ساعة من الزمان، يتذكران حوادث الماضي المفرحة والمحزنة على السواء حتى شعرا ببرودة الجوورطوبة الحشائش من تحتهما فنهضا وكرا راجعين، وقد شعرت هي ببرودة أقشعرلها بدنها فأخذت تدثر بشالها الأجزاء المكشوفة من ثوبها الأنيق،وعندما عادا شعرت بشيئ ما أثقل جسمها ما لبث أن تبلور في الصباح فاذا هو(روماتيزم) حاد في الجسم كله أثر الجوالذي سارت فيه ورطوبة الحشائش التي جلست فوقها،وعولجت من مرضها وتماثلت للشفاء، ولم يكن أحد يتصور أنه سيكون بداية لعلل أخرى يصاب به الجسم الذي أنهكته الحمى وأضعفته، فعاودتها الحمى من جديد أشد وأعنف من المرة الأولى ووصل الروماتيزم الى القلب...ثم نجت من الموت ولكن خطر توقف القلب بات دائما بالنسبة لها،فأيقنت أنها راحلة وأن لا أمل في الشفاء.

ومن ثم راحت تسأل (مجدي) عن مدة بقائه أرملا بعد رحيلها،ثم تدعوه في النهاية أن يبني ب ملك ابنة خالتها التي تتناوب تمريضها،نعم! طلبت منه الزواج من ملك التي كانت أنهار تحبها كثيرا لطيب قلبها وسلامة نيتها، فقال (مجدي) لماذا تحاولين ايلامي بهذه الطريقة القاسية؟ ألا يهمك شعوري؟ لن أستطيع الحياة لحظة واحدة من بدونك، فقالت: ماذا تعني؟ هل ستقتل نفسك لويئست من شفائي؟ هل نسيت أن قتل النفس محرم؟ انك مسلم، هل يتحدى مؤمن ارادة الله؟ قال: بل ستشفين وستعيشين ولن يحل مكانك أحد في الدنيا، وبعد صراع طويل مع المرض أنطفأ بريق العينين اللتين طالما أستمد (مجدي) منهما النور الذي كان يدفعه لأقتحام الحياة ومرت الأيام سوداء قاحلة بطيئة ميتة.

وتزوجت ملك بعد موت (أنهار) بمدة قصيرة وأنجبت طفلا ثم توفي زوجها أثر حادث مؤسف، واذا ب(مجدي) يجد ملك تزور بيت خالها مع طفلها الصغير ومرت الأيام وشعر (مجدي) أن وجود ملك في نفس البيت لم يعد يضايقه كما كان يعتقد أخذت ملك تزورهم بين الحين والاخر لتقضي أيام وأسابيع مع سعاد،كان (مجدي) يشعر بالأنزعاج من وجود ملك وكان الأهل يحاولون أقناع (مجدي) بأن يتزوج ملك ويربي طفلها اليتيم ولكنه كان يرفض ويغضب ويؤكد أنه سيبقى أرملا طوال حياته.

لكنه مع الوقت ألف وجود ملك وطفلها اليتيم ومرت الأيام واذا هم جالسين هووخاله وسعاد وزوجها في الحديقة يتناولون شاي المساء، فقال خاله :يا بني ليست الأمور من الصعوبة الى هذا الحد، وأن وجود ملك في هذا المكان بين الحين والاخر لن ينسينا الذكرى ولا الماضي، ونحن نقدر وفائك النادر لذكرى(أنهار) فاقبل هذا الأمر على أنه تضحية منك وعمل صالح لله ستثاب عليه .

فأخذ (مجدي) يفكر ...فتارة يقنع نفسه بأن السنوات الأربع التي مضت منذ رحيل أنهار كافية لأن تجعله يتحلل من قسمه ووعوده...وتارة يحس بأنها لا تعفيه من تلك الوعود وذلك القسم...وأحيانا يقنع نفسه بأنه لوتزوج ب ملك فانما يكون قد وفى لذكرى (أنهار) باستجابته لرغبتها التي كانت ترددها باستمرار قبل موتها، فبات يتحرج ولا يستطيع أن يبدي ما في داخله ومرت أيام وبينما (مجدي) جالس في الحديقة واذا بطفل ملك ذي السنوات الأربع يركض نحوه فحمله( مجدي) ونظر في عينيه وأدرك مدى تعلقه به، فقرر أن يكمل حياته مع ملك وطفلها وبعد بضعة أسابيع تم الزواج وعاش الزوجان بسعادة وهناء.

بقلم تغريد أبي الوتار

بقلم: تغريد أبي الوتار

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى