الخميس ٢٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩

وحصلت عليك..أخيرا

بقلم: أحمد ولد إسلم

بخطوط متفاوتة أرسم ملامحك على خلفية زجاجية شفافة، تساعدني النسمات المنسابة برفق صباحا، أتفنن في تشكيل قدك، أراعي في توازنه حاجتي الآنية، فطورا أطيل جيدك، أمددك باسترخاء، أنضح عليك رذاذا ناعما..وآخر أرسمك راكعة مستوية الأطراف، تشكلين هلالا ترق حواشيه ويعظم جذعه..

تفاجئني دائما مزامير السيارات المستعجلة قبل أن أرسم التوقيع الختامي، فأضطر إلى مسح التشكيلات بسرعة، مخافة أن يكتشف أحدهم الرموز الأولى فيدفعه الفضول إلى التمهل لمعرفة الحقيقة..

أرمقك عند متلقى الطرق الرابط بين الحلم والأسعار، حيث تلتقي رغبتي الجامحة في لفك بقمصي المرقع، وخشيتي المفرطة من نظرات الأطفال المتسابقين إلى السيارات الملتزمة بالضوء الأحمر على قلتها، وهم يتراقصون على نغمات القطع المعدنية التي تعيق مكعبات السكر ضبط نوتاتها.

أراك بك الزوايا، في كل الوجوه، بين حروف وثائق التأمين، وداخل لوحات الأرقام المزورة.

أتلمسك بين النظرات الشاردة للمسرعين على طريق الأمل، ويزداد وجهك ألقا عند زحمة الغروب..أكاد أقسم أني أعانقك؛ أدفن أصابعي بين أضلاعك، أنهشك بشره..وكلما أيقنت بذلك، يزول الغبش قليلا عن زجاج أحدهم فيضع في يدي قطعة معدنية، يشعرني ملمسها الصلب أن من كنت أرمق ليست أنت،.. وإن كنت أحس أنك على مقربة من المكان، يفصلني عنك حاجز رفيع..

أغير موقعي، تخلو الشوارع تدريجيا، تتغير اتجهات السير، يكثر المهرولون إلى الشواطئ، تنبعث روائح العطور الفرنسية، تمتزج برائحة العرق، مشكلة خليطا أقنع نفسي أنه شبيه بعبقك..وأحيان لا تصدقني.

أتلفع ببقايا قميصي، أتحامل بعزم، أشد خيوط أحذيتي، فتفوح الجوارب، تسقط قطعة القماش البنية على الأرض، تتبعها قنينة التلميع، يحدث وقعها رذاذا خفيفا ممزوجا بطين رمادي اللون، يلامس وجهي فأقتنع أنها ليست الوضعية المثلى لطلبك..

أرتمي بعناء على عتبة البنك المجاور، أستغرق برهة في التفكير، تبتعد عني تدريجيا ضوضاء الشارع، تنساب حروف اسمك فوق شفتي، عذبة..عذبة جدا..أرددها بلا وعي، وأنسى أوجاعي..

تصطدم خيوط القمر الفضية بقنينة الملمع تشع على البلاط، تتمازج مع الضوء المنبعث من الداخل، يرسم ظل القنينة وبريقها، شكلا يشبهك حد التطابق..
يمر الشريط سريعا أمامي، أذكر يوم كانت أمي تعدني أن تكوني مكافأتي حين أنجز عملا صعبا، يوم كنت أردد سورة الإخلاص عشر مرات قبل النوم من أجل أن أحظى برؤيتك في الغداة..

يوم كنت أتمارض لأقنع معلمي الفظ بضرورة الخروج دقائق قبل نهاية الدرس كي ألتقيك على انفراد..

لم أك أدرك أنه كلما تقدمت في العمر أشهرا، تتضائل فرصي في الحصول عليك..
تفزعني القطع المنسكبة من جيبي على البلاط، فأعود إلى الواقع، أجمع النقود المتناثرة، أدققها، أستل ابتسامة باهتة، وأعقد العزم على لقائك.

لن يكون لائقا أخذك إلى مخبئي في الشاحنة المتهالكة التي يرمي فيها المنعمون بقايا طعامهم..ولكنه المكان الأنسب للقاء.

أتقدم بتثاقل..يتحول البرد تدريجيا إلى صقيع، أشد بقوة طرفي قميصي فتعزف الخروق سينفونية هادئة، يتجهز الحراس لإحكام إقفالهم، أصب في كف أحدهم قطعا مبعثرة، فيسمح لي بالتسلل إليك..

وأخيرا أضمك إلى صدري كم أنت ساخنة، ستكونين غطائي، وغذائي أيضا، أيتها الخبزة اللذيذة..غدا سأرسمك على زجاج أول سيارة ألمسها..وسأوقع لوحاتي بالحرف الأول من اسمي..لن أخجل من ذلك بعد الآن..

بقلم: أحمد ولد إسلم

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى