الأربعاء ١١ شباط (فبراير) ٢٠٠٩
بقلم عبد الله المتقي

حوار مع القاصة المغربية عائشة بورجيلة

عائشة بورجيلة: من مواليد 1978 بالجنوب المغربي، ابتليت بالقص في الزمن الصغير، نشرت الكثير من نصوصها القصصية بمنابر رقمية وورقية، وأخيرا صدرت لها عن مجموعة البحث في القصة القصيرة، مجموعة قصصية عنونتها ب(عود الحملة)، في هذه الدردشة اقتراب من عائشة الجنوبية ومن تجربتها الواعدة:

1- من تكون عائشة قريبا من القصة؟
 عائشة الأقرب للقصة هي الفتاة القلقة التي فتحت عينيها على هم أكبر من عمرها..
اشتكت لورقتها وهي لا تعرف لم لم تفعل ذلك مع صديقتها..أدمنت البوح، فاكتشفت إخلاص الورقة وقررت أن تكتب بعيدا عن التجنيس شيئا فيه من الشعر بقدر ما فيه من النثر، ومن المتعة بقدر ما فيه من الألم..

2- هل صادف أن فكرت في القصة ككذبة بلقاء؟
 جميل ودقيق هذا التعبير..بطريقة ما، أجل، لأن القصة لا يمكن أن تكون واقعا بدرجة
مئة في المئة، مثلما لا يمكن أن تكون خيالا فقط، أصلا، لايمكن فصل الواقع عن الخيال في الأدب بالمعنى الحقيقي للفصل..
هي بلقاء فعلا لأنها بريئة حتى ولو اضطررنا لتجميلها بما شاء الله من الأكاذيب..

3- من أين جئت للقصة وما دافعك لكتابتها؟
 ربما من الصمت، أو من غربة الذات..أو من وجع صغير/كبير..أو من ذلك كله
أو ربما من غيره.. لا أعرف..أذكر أنني صادقت القلم منذ طفولة مبكرة..منذ حكم علي حبي للدراسة بمغادرة بيت الأسرة وفرض علي أسرا جديدة، وصداقات جديدة في كل مرة..تنقلي بين قريتي ومدينتي بيوكرى وتارودانت وأنا ابنة العشر سنين أو يزيد قليلا، أنشأ بداخلي إحساسا بالغربة وعدم الاستقرار وعدم الأمان..أذكر أنني كنت أستيقظ ليلا، فأحتاج لحظات قبل أن أتذكر أين أنا..

اجتهدت في كتابة الرسائل للصديقات المفتقدات، وحاولت ملء فراغي النفسي بالقراءات المتنوعة والاستماع إلى الموسيقى..
الموسيقى والكتب كانت ربما عالما بديلا لعالمي الذاتي المنكسر، لذلك لذت به في ال"هنا" وال"هناك"..

4- ماذا تفعلين بعيدا عن القصة والكتابة؟
 تأتي لحظات أشعر فيها بالغبن، أشعر بأني أنفلت من نفسي.. تنفلت مني الكتابة، ولكني أواصل حياتي بشكلها المعتاد، أستمع إلى الندوات التي تجمع بين العلم والدين، أنبش في ذاكرة الأجداد..أستمتع بتلامذتي أو أحترق معهم وبهم، وعندما أفيض احتراقا، أحاول أن أصنع الجمال بطريقة أخرى، فأحاول أن أطرز الأثواب والمكان..

أرافق والدي إلى مملكته الخاصة زاعمة أن بإمكاني أن أساعده في سقي الشجيرات والاعتناء بها والخوض في أسرارها، أجني العنب والرمان والبرتقال..أحيانا أنجح نجاحا غير باهر..

أتنقل بين خيوط الشبكة العنكبوتية، أحاول أن أفهم لم يقتل فينا القتيل القتيل بتعبير محمود درويش رحمه الله..
وأجد لذة لا متناهية في اجتماعات العائلة الكبيرة والتفافنا حول بعضنا..أشعر حينذاك بعيد بداخلي..

5- ما معنى أن تكوني قاصة في الألفية الثالثة؟
 مطلوب من القاص والقاصة والمبدع عموما، نصا يكون مرآة لعصرنا المضطرب والمتحول بسرعة قد تتجاوز السرعة الضوئية..نصا يحاور تجارب الآخر وينهل منها، ويحتفظ في الآن نفسه بأشيائه الخاصة اللذيذة..
المطلوب نصا "عالميا" مادام العالم قد اختصر و ما دامت المسافات قد تقلصت..
المطلوب منا أيضا أن نحاول قدر الإمكان، فرض الكلمة المتميزة..الصادقة..

6- كيف استقبل النقاد"عود الحملة"؟
 سؤال لا استطيع الإجابة عنه بدقة..لكني بالمقابل لا أستطيع أن أخفي سعادتي بردود أفعال قد يبدو بعضها بسيطا، أولها طبعا رد فعل المبدع أحمد بوزفور الذي استطاع إقناعي بالتحول دون أن يدري من عاشقة للكتب تتجول بين دروبها، وتسجل –في أحسن الحالات-ما لا تستطيع أن تحدد إن كان شعرا أو نثرا، أو شيئا آخر عصيا على التجنيس، إلى كاتبة في بداية الطريق، سعدت جدا برسالته لي بعد أن قرأ نصوصي كأول قارئ، وباعتباره إياها تندرج ضمن "الشذرات" الصعبة الكتابة.و أسجل باعتزاز أيضا موقف أعضاء مجموعة البحث في القصة القصيرة المشجع.

أسعدني أيضا الاحتفاء الجميل الذي خصني به السيد عبد المقصود الراشيدي –رئيس جمعية الشعلة للتربية والثقافة- وزوجته الأستاذة فاطمة المدرعي..

أسجل أيضا مواقف الأساتذة الكرام بمنطقتي، خصوصا من جعل لمجموعتي حصصا داخل الفصل، وولا أنسى ورقة الناقد عبد الرحمن التمارة، في قراءة جميلة للمجموعة..

7- متى تكون عائشة في حالة إبداع وعطاء قصصي؟
 عندما تجد نفسها عاجزة عن تحمل ما تتحمله عادة من إزعاجات بسيطة،
عندما تطل عليها الفكرة الأولى فتنتشلها من ذاتها وتفرض عليها أن تفعل شيئا واحدا:أن تلبي النداء،
عندما تعجز عن التفكير بالمنطق المعتاد فلا تجد فرقا بين أن تكتب على الورقة أو الجريدة، أو الغلاف، أو الشاشة..

8- من هو الرجل في قصصك ومن أية زاوية ينظر للمرأة؟
 الرجل هو الرجل، في المجموعة والمجتمع، في القرية والمدينة، هو الطفل الذي كان..، الطفل الذي ما إن تلده المرأة حتى تشرع في تعليمه كيف لا يحترمها بتعبير غادة السمان،، ينظر للمرأة من هذه الزاوية:"نصف قسمة" و"نصف عقل" و"نصف دين"، بالمعنى المجتمعي للكلمات وليس الديني..

9- لماذا هذا الإقبال على الدارجة في قصة تخليطة بدءا بالمفتاح وانتهاء بالقفل؟
 لحظة الكتابة تفرض ذاتها وشروطها، تفرض الزمان والمكان واللغة أو اللهجة، كتبت النص بالدارجة لأنني أحسسته هكذا أصدق، وقبل أن أفكر في النشر، ولم يكن هو النص الوحيد، ولكني اخترته لأسباب فنية..

10- القارئ لمجموعتك يلاحظ حضور المرأة في معظم القصص، كيف تنظرين لهذه الموضوعة النسوية الملازمة لكتابتك؟
 أومن إيمانا كبيرا بأن المرأة أقدر على تفهم هموم/ مشاعر/مواقف المرأة، بل لعلي أزعم أنه لا يفهم المرأة إلا المرأة، بالتالي التعبير بلسان المرأة هو صدق فوق الصدق، مع الإشارة إلى أن وجود المرأة لا ينفي وجود الرجل، بل يستلزمه..

11- تقترب بعض قصصك من الطفولة فما الذي يجذبك في هذا العالم؟
 ربما يكون الأمر كما يلي:أنني أبحث عن طفولة بديلة، أعيشها كطفلة، لا أفكر كما يفكر الكبار، أحمل بداخلي إحساسا أنني كبرت قبل الأوان، كان علي أن أكون "قدوة " لإخوتي الأصغر مني، والداي كانا حريصين على هذه المسألة، ربما لإحساسهما بأن الأمر يتجاوزهما بحكم تنقلي المستمر..

ربما أيضا يرجع الأمر إلى كوني أتعامل مع الأطفال أكثر مما أتعامل مع الكبار، أقضي معظم ساعات أيامي أستمع إلى أطفال أعمارهم بين السادسة والعاشرة،

يجذبني الطفل الذي يمد ذراعيه للجميع لا الطفل الذي يردد كالببغاء التعاليم المفروضة، تجذبني عوالمه الناصعة البياض..

12- أترك لك الخاتمة فما عسى تقولين؟
 تجربة الكتابة والنشر جعلتني أرى العالم بمنظار آخر، بعيدا عن ثنائية الأبيض والأسود، حررتني إلى حد ما من مفاهيمي البسيطة عن الناس والمجتمع..، وجعلتني أومن أكثر من ذي قبل بالغد الأجمل للأدب وبالأدب، للجمال وبالجمال، للمحبة وبالمحبة..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى