السبت ٢١ شباط (فبراير) ٢٠٠٩
أيام لاتنسى...
بقلم حسين حمدان العساف

صفحات مشرقة في زمن العز القومي...

الرئيس عبد الناصر في مدينة الحسكة السورية
طائرة عبد الناصر بأرض مطار الحسكة

وفي الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر الإثنين 15 شباط سنه 1960 وصل سيادة الرئيس وصحبه إلى الحسكة على طائرة هيلكوبتر قادماً من مدينة القامشلي، وقد رافق الرئيس المشيرعبد الحكيم عامر والمهندس نور الدين كحالة رئيس المجلس التنفيذي والسيد علي صبري وزير شؤون رئاسة الجمهورية والسيد عبد الحميد السراج وزير الداخلية والفريق جمال فيصل قائد الجيش الأول، وقد صافح سيادته عند نزوله من الطائرة مستقبليه، وكان في استقبال الرئيس بالمطار المحافظ وقائد الشرطة والعلماء والرؤساء الروحانيين والقضاة ورؤساء الدوائر والمصالح الحكومية وكبار ضباط الجيش والشرطة ورئيس وأعضاء المجلس البلدي وأعضاء الاتحاد القومي وأعضاء الجمعيات النسوية ورجال التعليم وأعضاء الغرف التجارية والزراعية ورؤساء العشائر وأعضاء نقابات الأطباء والصيادلة والعمال ووفود من المدن والقرى المجاورة.

عزف النشيدالوطني

وكانت جموع المواطنين قد توافدت على مدينة الحسكة منذ الصباح، ثم استقل سيارة مكشوفة إلى غرفة الزراعة بالحسكة في تمام الساعة الرابعة إلا الربع. وكان يرافقه بالسيارة المشيرعبد الحكيم عامر والسيد عبد الحميد السراج، وكانت الحسكة قد أخذت زينتها منذ مساء الأمس، فقد زينت واجهات المحال والدور بالأنوار الكهربائية وأعلام الجمهورية العربية المتحدة وسعف النخيل، كما زينت شرفات الدور بقطع السجاد الثمينة تحية للرئيس جمال جريا على عادة أهل المنطقة. وقد خرجت المدينة عن بكرة أبيها للترحيب بالرئيس جمال عبد الناصر في أول زيارة له للحسكة مركز محافظة الجزيرة.

عبد الناصر يحيي الجماهير المحتشدة لاستقبال

وكان الأهالي يرددون أهازيج الترحيب بمقدم الرئيس، ويهتفون بحياة الرئيس والقومية العربية والوحدة العربية، كماعقدت حلقات للرقص الشعبي، تصاحبها المزامير والطبول. وقام بعض الشبان برقصات عربية بالسيوف، بينما هم يرددون الأهازيج العربية. وكانت الجماهير تلوح بأعلام الجمهورية العربية وصور الرئيس على طول الطريق من المطار إلى مبنى غرفة الزراعة، وكان طلبة الفتوة وطالباتها والكشافة مصطفين منذ الصباح الباكر على جانبي الطريق لتحية الرئيس وصحبه . وبعد استراحة قصيرة للسيد الرئيس وصحبه وقد علا صوت الجماهير المتجمعة بالساحة الكبرى بالحسكة وعلى أسطحة وشرفات المنازل بالهتاف بحياته وصحبه وحياة الجمهورية العربية المتحدة. أطل الرئيس، وألقى هذا الخطاب القومي الرائع:

عبد الناصر يلقي خطابا

خطاب جمال عبد الناصر في مدينة الحسكة

يسعدني أن التقي بكم، وأرى هذه المشاعر المتدفقة القوية التي تعبرعن التصميم والإيمان على تحقيق الأهداف التي نادينا بها، وننادي بها على تحقيق أهداف القومية العربية .. القومية العربية التي أراها منبثقة من عواطفكم ومشاعركم وأرواحكم وهتافكم . لقد ناديتم دائماً بالقومية العربية، واستطعتم أن تفرضوا إرادتكم، وناديتم دائماً بالوحدة العربية، واستطعتم أن تفرضوا مشيئتكم، وكافحتم هنا في هذه المنطقة من سورية في سبيل هدف غال كبير حينما حاول الاستعمار أن يقسم سورية وأن يفصل الجزيرة عن سورية الأم .. هبّ هذا الشعب في هذه المنطقة ليحافظ على عروبته، ويحافظ على قوميته، واستطاع الشعب في هذه المنطقة أن يفرض إرادته العربية، وأن يتغلب على الاستعمار وعلى قوته الغاشمة، واستطاع أن ينقذ نفسه، كما استطاع إخوته في كل أجزاء سورية أن يقضوا على مؤامرات الاستعمار، ثم ثار الشعب في طريق الكفاح ليتحرر، ويستقل، واستطاع الشعب بكفاحه وبوحدته أن يتحرر، وأن يستقل، وأن يتخلص من الاستعمار الفرنسي، وأن يجعل السياسة التي تنبثق من سورية إنما تكون سياسة مستقلة، تنبثق من إرادته سياسة تنبثق من مشيئته، وأنا اليوم أيها الإخوة حينما أراكم اليوم في هذا المكان، وأرى مشاعركم وهتافكم أستطيع أن أتذكر كيف كافحتم في الماضي لتحافظوا على وحدتكم واستقلالكم، ثم كيف رفعتم شعار القومية العربية والوحدة القومية، ثم كيف صممتم على أن تنتصروا، وتفرضوا مشيئتكم وعلى أن تضعوا إرادتكم موضع التنفيذ، فقامت الجمهورية العربية المتحدة لأول مرة أيها الإخوة في هذا الوطن العربي، تخطط بفعل الشعب العربي وإرادة الشعب، فإن حدود الجمهورية العربية المتحدة، لم تخططها الد ول الكبرى، ولم تخططها دول الاستعمارالتي تعودت على أن تخطط لنا الحد ود في الماضي، ولكن خططتموها أنتم بكفاحكم وتصميمكم وإيمانكم وتصميمكم على قيام الوحدة العربية وتصميمكم على قيام الوحدة العربية وتصميمكم على رفع علم القومية العربية .

أيها الإخوة:

إنني حينما أراكم، وحينما أحس بهذه المشاعر التي تنبثق عن عواطفكم ومن أرواحكم، أشعر من كل نفسي ومن كل قلبي أن مؤامرات الاستعمار التي تحيط بنا من كل جانب والتي تتربص بجمهوريتنا لأنها أبت أن تكون داخل مناطق النفوذ، ولأنها صممت على أن تكون حرة مستقلة، وأن تكون إرادتها وليدة مشيئتها إن الاستعمار يتربص بهذه الجمهورية، لأنها أعلنت سياستها سياسة حرة عربية لا تخضع لمناطق النفوذ، ولا تخضع لدخيل، ولا تخضع لأجنبي، ثم أعلنت أنها صممت على أن تتخلص من الاستعمار، ثم صممت أيضاً على أن تتخلص من أعوان الاستعمار، ثم نبذت العملاء، وسارت في طريق الحرية والاستقلال، وسارت في طريق القومية والوحدة، ورفعت العلم العربي الحر .. وشعر الاستعمار أنه لن يستطيع بأي حال من الأحوال أن يحافظ على نفوذه في منطقتنا، وشعر الاستعمار أن لن يستطيع بأي حال من الأحوال أن يجد بين أفراد شعبنا العملاء أو الأعوان الذين ساعدوه في الماضي على أن يستغل بلدنا، وعلى أن يتحكم فينا، لأن كل أبناء الجمهورية العربية تسلحوا بالوعي والإيمان، وصمموا أن تكون جمهوريتنا عربية خالصة لهم . إن الاستعمار الذي انهزم في الماضي، سينهزم بإذن الله في المستقبل، وستبقى جمهوريتنا خالدة لرفع راية القومية العربية، وسنرفع علم الوحدة أيها الإخوة الذي رفعتموه دائماً حتى يتحرر العالم العربي كله، وحتى يتوحد العالم العربي كله، وحتى نشعر أن أمتنا العربية أمة مستقلة، تخلصت من الاستعمار وأعوان الاستعمار، وتخلصت من العملاء ومناطق النفوذ، وأصبحت خالصة لأبنائها، وحتى نشعر أنه لن يكون هناك أي بلد عربي صنيعة في يد الأجنبي ضد البلد العربي الحرأو ضد الجمهورية العربية المتحدة التي أعلنت إيمانها بقوميتها وحريتها. وحينما ألتقي بكم، أرى هذه القوة تنبعث من نفوسكم ومن أرواحكم، فاطمئن على الحاضر، بل أطمئن أيضاً على المستقبل، وأطمئن على الدعوة التي آمنا بها، وكا فحنا من أجلها دعوة الاستقلال ودعوة القومية العربية والوحدة العربية لأنكم أنتم أيها الإخوة الجنود الذين يضعون هذه الدعوة موضع التنفيذ، كما وضعتموها موضع التنفيذ في الماضي، ولأنكم أنتم أيها الإخوة الجنود الذين يحافظون على الاستقلال، ويثبتونه، كما انتزعتم الاستقلال في الماضي وحميتموه، ولأنكم أيضاً أيها الإخوة الجنود الذين يعملون على أن تكون جمهوريتنا جمهورية مثالية قوية، يشعر كل فرد فيها سيداً في وطنه، ويشعر كل فرد فيها أن الفرصة له متكافئة مع فرصة أخيه، ويشعر كل فرد فيها أنه لالسادة، ولا لمستعمرين أو مستغلين، ولكنه يعمل لوطنه ولنفسه ولأبنائه، ويعمل ليعود الحق إلى صاحبه، ولأنكم أيها الإخوة، تشعرون أننا إذا أردنا أن نحقق هذه الأهداف، لابد أن نعمل بكل طاقاتنا لتطور بلدنا ولتطور وطننا ولنقوي جمهوريتنا، ولأننا أيها الإخوة آمنا أن الحزبية في الماضي، كانت السبيل لتفرقتنا، وكانت السبيل ليطمع فينا أعداء الأمة العربية وأعداء القومية العربية. وحينما اتحدتم هنا في سورية، وقامت الأمة كلها على هدف واحد، هو طرد الاستعمار والجلاء، استطاعت الأمة في سورية أن تحقق الجلاء، وأن تقضي على الاستعمار، وحينما انتشرت الحزبية، أراد الاستعمارأن يستغل الحزبية والتفرقة، ثم أراد بعد ذلك أن يستغل الطائفية لتثبيت أقدامه بين ربوع بلدنا مرة أخرى، ولكن الشعب الأبي الذي انتزع الاستقلال في الما ضي، شعرأن طريقه لتثبيت الاستقلال ولبناء بلده هو أن يتحد، ويقضي على الحزبية والتفرقة، ويقضي على كل عوامل الطائفية، ويؤمن

بأن المحبة والاتحاد هو سبيل البناء، وسبيل المحافظة على الاستقلال . سرنا أيها الإخوة في هذا الطريق بعد قيام الجمهورية العربية المتحدة .. وكان قيا م الجمهورية العربية المتحدة إنما يمثل التعبير الذي يشتعل في نفس كل فرد من أبناء هذا الوطن .. التعبير عن الرغبة في التحرر والتعبير عن الرغبة في الاتحاد والرغبة في رفع راية القومية العربية والوحدة والرغبة في الوقوف في وجه الصهيونية والتعبيرعن الرغبة في تثبيت حق شعب فلسطين والتعبيرعن الرغبة في مؤازرة العرب في كل بلد عربي في كفاحهم من أجل الحرية ومن أجل الاستقلال، وأن دعوتكم من أجل القومية العربية والوحدة التي كافحتم من أجلها وعملتم في سبيلها، وكانت أول بشائرها الوحدة بين سورية ومصر إنما هي التعبيرعن الرغبة في القومية والرغبة في الأمان والرغبة في التغلب على أعداء القومية العربية والخروج من مناطق النفوذ .. كانت الوحدة التي قامت بين مصر وسورية تعبيراً عن كل فرد من أبناء الشعب في سورية ومصر عن الرغبة في التحرر والرغبة في البناء. وكانت هذه الوحدة هي نهاية للخلافا ت الداخلية بين أبناء الوطن الواحد، هي نهاية للخلافات الحزبية التي افتعلها العدوان والاستعمار والعملاء بين أبناء الوطن الواحد، وهي تعبيرعن الزحف المقدس الذي آلى الشعب كله بجميع أبنائه على أن يسير فيه ليحقق الأهداف الكبرى التي نادى بها، وأن الاستعمار وأعوانه والعملاء الذين ينادون في الهواء من حولنا، لن يجدوا بين أرجاء شعبنا وبين أرجاء جمهوريتنا إلا هذه القلوب القوية الصلبة التي أراها أمامي، وهذه النفوس المؤمنة التي أراها أمامي، وهذه القلوب الطاهرة التي آلت على نفسها أن تتحد، فاتحدت، وأن تتوحد، فتوحدت وتسير في طريق القومية العربية، فسارت، وأن ترفع علم الوحدة العربية، فانتصرت.

أيها الإخوة:

إن هذا الشعب الذي أراه أمامي، والذي ألتقي به في كل بلد أزورها من الجنوب إلى الشمال من جنوب الجمهورية في أسوان والنوبة إلى شمال الجمهورية في القامشلي والحسكة أرى الوحدة، وقد جمعت بين قلوب الشعب، وإن الشعارات التي رأيتها، وسمعتها، والهتافات التي قابلتها، وسمعتها إنما تعبر عن إرادة هذا الشعب الأبي الذي صمم على أن يحتفظ لنفسه بالحق في الحرية والحياة، فاحتفظ لنفسه بحق في الحرية والحياة والذي صمم على أن يصلح أخطاء الماضي، فتوحد، وسار بقوة ليصلح من أخطاء الماضي والذي صمم على أن يمحو عارفلسطين، فوحد من جبهته حتى تقف ضد أطماع الصهيونية وضد توسع الصهيونية، وحتى تؤمن حقوق شعب فلسطين . إنني أيها الإخوة في هذا الشهر .. في شهر واحد سرت بين أرجاء الجمهورية من أقصى الجنوب في أسوان إلى أقصى الشمال في القامشلي والحسكة، ورأيت إجماع الشعب العربي في أنحاء الجمهورية العربية المتحدة على هزيمة أهداف الاستعمار وأعداء القومية العربية والعملاء .. رأيت الوعي في كل قرية زرتها، ورأيت الوعي في كل مدينة زرتها .. رأيت الوعي الكبير الذي يعبر عن أصالة هذا الشعب وعن تصميم هذا الشعب، وبهذا الوعي، وبهذا التصميم، وبهذا الاتحاد الذي جمع بين قلوب أبناء هذه الجمهورية، سنستطيع أن نطور بلدنا من قوة إلى قوة، ثم نرفع راية المجتمع الذي نتمناه، ونعمل من أجله .. المجتمع الاشتراكي الديموقراطي التعاوني الذي يمثل إرادة هذا الشعب، والذي يمثل المساواة بين هذا الشعب، ونرفع راية الحرية والديموقراطية، وقد يغير الاستعمار والوجوه، وقد يغير أعوان الاستعمار والعملاء، ولكن هذا الشعب الأصيل يستطيع بوعيه وبفهمه أن يكشف العملاء، وأن يكشف أعوان الأستعمار، وأن يعرف من هم أعداء القومية العربية، وأن يفرق بين الدعوة الخالصة لوجه العروبة والدعوة الخبيثة لوجه الاستعمار ولوجه الشيطان .إن هذا الشعب الذي استطاع بوعيه أن يفرض الوحدة، وأن يرفع علم القومية العربية والذي استطاع بوعيه أن يتخلص من الاستعمار، وأن يحقق الاستقلال، سيسير في طريق الحرية والاستقلال، حتى يحقق الوحدة العربية، وحتى يرتفع علم الوحدة العربية، وحتى يكشف العملاء في كل بلد عربي وفي كل مكان عربي .. إن هذا الشعب الذي كافح الكفاح الطويل والذي صمم رغم الضغط المرير على سياسته المستقلة، وحافظ على هذه السياسة، سينتصر بإذن الله حتى تتحقق الأهداف الكبرى .. سينتصر بعون الله حتى يبني هذه الجمهورية، ويحقق الوحدة الكبرى، والله يوفقنا ويوفقكم والسلام عليكم ورحمة الله.

الرئيس عبد الناصر في مدينة الحسكة السورية

من كتاب جمال عـبد الناصر في الإقليم الشمالي/ مطبعة دار الملاح

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى