الجمعة ١٣ آذار (مارس) ٢٠٠٩
بقلم نوزاد جعدان جعدان

محطات ٌ باردة وحارة من حياة برتيفراج كابور

حديثنا عن نجم خلّّف وراءه ثلاثة أساطير أشرق شمسها في سماء السينما الهندية على الرغم من صعوبة حياته والمحطات الباردة التي واجهت رحلته السينمائية فبرق نجمه ونضج أداؤه بنضوج السينما، فكبر معها بدءا من الصامتة وحتى دخول الألوان.

إنه بريتفراج كابور، فهوطويل القامة...عريض المنكبين...ذوحضور ساحر وهوالأكثر جاذبية ووسامة بين ممثلي الهند في فترة قبل الاستقلال...يعتبر المؤسس الأول لسلسة عائلة كابور السينمائية الممتدة حتى الآن ولعلنا لا نغالي إن قلنا انه الملك الذي ثبت قدميه على خشبة المسرح وزاد شاشة السينما الهندية بريقا فكرس نفسه لها مدة 40 عاما، لنتعرف على مسيرة حياة هذه الأسطورة من مسقط رأسه وحتى حين أجله مرورا بالمصاعب التي واجهته!!!

الولادة والنشأة:

ولد بريتفراج في ساموندري(مقاطعة صناعية في ليلا بور الآن هي باكستان)عام 1906 لأسرة متوسطة الحل لوالد يعمل في سلك الشرطة...تأثر بريتفراج في طفولته بجده الذي زرع فيه حب الفن وزوده بدافع قوي.أنهى دراسته الثانوية في ليلابور والتحق بكلية (ادوارد) للقانون في بيشوار حينها كان لبيشوار صدى عالي بالمسرح بفضل هواتها.

زواجه ومطاردة أحلامه:

تزوج بريتفراج في الثامنة عشر من عمره من(راما) اليتيمة الوالدين عندها كانت راما لا تتجاوز الخامسة عشر من عمرها...بعد تخرج بريتفراج من كلية ادوارد بسنة قطع ممارسة مهنة المحاماة وطارد حلمه في التمثيل فاستدان النقود من عمته وغادر بيشوار إلى بومباي في شتاء عام 1928 مصطحبا معه زوجته وثلاثة أطفاله (رانبير-ديفيا-ناندي).

بومباي وحياة المصاعب:

كانت حياته عبارة عن صورة صعبة الوصف في بومباي حيث صعوبة المعيشة والتنقل الدائم إلى أن استقر في شركة إمبراطور فيلم وأعجب بقصصها فعمل مع المخرج المغامر بي أر ميشرا في فيلم(سينما جيرل في مواجهة النجمة آنذاك ايرميلين حينها كانت لا تزال السينما الهندية صامتة، فكان بطلنا رحالاً دائماٍ بحكم عمله، يستأجر بيتا ويترك آخر وبسبب صعوبة المعيشة كانت العائلة كلها تسافر في مقطورات من الدرجة الثالثة كل ذلك أثر سلبا على الأطفال فجاء عام1931 ليحمل له خبريين حزينين وخبريين ساريين.

النبآن المأساويان كانا صدمة كبيرة لبريتفراج وأشعراه بالذنب الأول كان وفاة طفله (ناندي)بذات الرئة المضاعف، أما الخبر الثاني وفاة ابنته (ديفي)جراء سم أفعى. أما الخبر السعيد الأول فكان ولادة النجم شامي كابور عام 1931 والخبر الثاني كان مشاركته في أول فيلم هندي ناطق (الام ارا)عام 1931 إخراج اردشير إيراني رغم أنه لم يكن دورا رئيسيا فالبطولة كانت لماستر فيشال.

بداية الشهرة:

عمل بريتفراج في مسرح جرانت أندرسون حيث كانوا يقدمون مسرحيات شكسبير بالانكليزية فأدى شخصية لارتيس في مسرحية هاملت فكسب إعجاب الجماهير التي صفقت له بحرارة.

نقطة التحول في حياته كانت عندما انتقل إلى كالكوتا عام 1933 حين مثل في فيلم (راج راني ميرا)عام 1933 من إخراج (ديباكي بوس)وتبعه مع نفس المخرج في فيلم(سيتا)عام 1934.

خزن بريتفراج أداؤه الجميل في فيلمي(منزل) عام 1936و(بريزيدينت)عام 1937 ليبدع في فيلم (فيديا باتي) عام 1937 بدور الملك(شيفا سنها) الذي تقع زوجته في حب الشاعر(فيديا باتي).

وكانت السنوات تمر ويكبر معها ولديه راج وشامي فيزداد في قلوبهم عشق السينما الأبدي والمسرح.

ولادة شاشي ودور الخلود:

ولد ابنه الأصغر شاشي في عام 1938 عندما كان يعمل مع تشاندال شاه في فيلم (رانجيت) ثم قدم دورا لافتا للأنظار في فيلم جميل اسمه (باجال ) سنة 1940 بدور طبيب نفساني يعمل في مشفى للأمراض العقلية يتزوج من فتاة متوسطة الجمال إلا أن أختها تفوقها جمالا فيحقن الأخت بالمخدر ويحولها إلى مجنونة وينقلها إلى المشفى الذي يعمل فيه حيث يعاملها معاملة وحشية...كانت قصة الفيلم جديدة غير تقليدية ودور برتيفراج سوداويا كئيبا شريرا قدمه بطريقة فريدة.

دور البطولة في فيلم سوهراب مودي(الاسكندر العظيم) عام 1941جعل من برتيفراج خالدا في هذه الملحمة التي وضعت أوزارها قبل(326)قبل الميلاد عندما قام الاسكندر بنشر نفوذه ففتح بلاد فارس ووادي كابول ثم زحف إلى حدود الهند قرب جهلام وواجه بورز(سوهراب مودي) الذي أوقف زحف الإسكندر.
مواقع تصوير الفيلم والديكورات كانت ضخمة والتكاليف عالية تعادل أكبر إنتاج هوليودي في حين المعارك كانت لحد وصفه كاتب بريطاني بقوله:(إنه عالي الجودة ومعيار يعبر عن ولادة أمة).
فالحوارات الخطابية بين العملاقين كابور ومودي جعلت منها ملوكا بحق مما شجع برتيفراج لقبول دور أكبر في فيلم((مغول أي أزام عام 1960مع (ديليب كومار)و(مادهوبالا) وإخراج(كي أسيف).


نشأة مسرح بريتفي ومقابلته لنهرو:

في عام 1944 شيّد مسرح بريتفي فكان أول من استخدم مفهوم الحداثة والمعاصرة في المسرح الهندي، قبله كانت توجد مسارح شعبية تقدم عروضا مأخوذة من الأدب البار سي(أدب ديني زرادشتي)لكن مسرح بريتفي كان ذخيرة حرفية واسعة ومؤثرة حتى أنه كان يضم طباخين ومشرفي ومصممي رقصات وموسيقيين وزوجته (راما) تعمل معه على الإشراف، فكان أعضاء المسرح ينادونها بالأم على الطريقة العشائرية.

في حوالي ال16 عاما من وجود المسرح تحت إدارة بريتفراج قدم 2،662 عرض لعب خلالها الدور الرئيسي في كل العروض بالرغم من مرضه فلم يكن يتقاعس،كان لمسرح بريتفراج مكانا عظيما في قلبه حتى مرة طلبه جواهر لال نهرووأراد تنصيبه ليكون مفوض الثقافة الخارجية الهندية، فرفض برتيفراج مبررا بأنه لن يستطيع تأدية واجبه تجاه مسرحه فأصر نهرووطالبه بوضع بديل عنه في مسرح بريتفي، فأجابه بريتفراج قائلا:(أنا أعرف شخصا آخر لا يستطيع أن يضع بديلا عنه، فسأله نهرو: من؟ فقال له:أنت).
في الحقيقة أبدع بريتفراج في مسرحه، فقدم مسرحيات جميلة ( غدار 1948 وباتان 1947وبياسا 1954 ثم أخرج الأخير كفيلم عام 1957) في غضون ذلك كان يتوافد إلى ذلك المسرح مجموعة من الهواة تحولت أسماؤهم بعد ذلك لتبرق نجوما في سماء بوليوود أمثال: (رام أناند ساجر، شانكر، جيكي شان ورام جانجولي).

السجال بين الأب والابن:

أدى بريتفراج عام 1950 دورا جميلا في فيلم(داهيجي) مع المخرج العريق (في شانت رام) بيد أنّ شهرته الواسعة ودوره القوي كان في فيلم(أفارا) من بطولة وإخراج ابنه(راج كابور)هذا الفيلم الساحق حيث انتشر انتشارا واسعا في روسيا والوطن العربي وآسيا ودعي الفيلم في روسيا(بارياجا) المتشرد.

الطريف بالأمر أن أغنية(أفارا هون) بصوت المرحوم موكيش حطمت سجلات المبيعات طاغية الأسواق فحينما زار طاقم الفيلم روسيا عزفت أغنية أفارا هون في المطار وأعيد توزيع الأغنية في تركيا وإيران والوطن العربي وانتهزت معامل الدمى الفرصة لتنتج أشكالا مشابهة للأبطال مثل نرجس وراج كابور وحتى دمية شريرة على شكل شخصية الممثل (كي ان سنها) الذي أصبح رمزا للشر في روسيا.

ولكن أكثر ما ميز الفيلم الحوارات الانفعالية بين الأب والابن والسجال بينهما أضفى شاعرية للفيلم ونظرات برتيفراج كابور الحزينة في المشهد الختامي من الفيلم أذاب وحرك مشاعر الملايين من المشاهدين إلى يومنا هذا..

أول فيلم يخرجه برتيفيراج وإغلاق مسرح برتيفي وتكرار أدواره:

وقف برتيفراج كابور خلف الكاميرا ولأول مرة عام1957 ليخرج فيلم(بياسا)فكان في فترة حزن لم يشاهد بها من قبل فكان صوته حزينا مدويا حيث أسدل الستار معلنا عن إغلاقه لمسرح
( برتيفي) بعد مرور ثلاث سنوات وبات مقلا في كمية أدواره.
في عام1965 مثل في فيلم(اسمان ماهل) حيث نراه في شخصية نواب العجوز الذي رفض الغنى وعروض الرأسمالية وأراد حياة مستورة، حصل من خلال هذا الفيلم على جائزة تقديرية في احتفاليات السينما السنوية.
عمل في عام 1968 في فيلم(تيري بارنيا ام )في شخصية كبير العائلة الذي يحاول التغلب على عواطفه في التعامل مع ابنته المستهترة التي أغرمت بابن الجيران، بعد ذلك بسنة مثل في أول فيلم بنجابي ناجح بعد الاستقلال حيث حقق نجاحا ساحقا بدور البطريك(نانك جان) في عام 1969، فيلم ساحر آخر قدمه بالرغم من تكرار الدور إلا أن الأداء العفوي وقوة الإقناع الفذة التي يخلقها بصدق تماما كساحر يأخذك إلى عالم آخر حيث أدى دور الجد والفجوة التي تحدث بينه وبين حفيده وكيفية محاكمة الابن بين الجيلين في صراع الأجيال، كان الفيلم من إخراج حفيده(راندهير كابور)عام 1971 و بعنوان (كال أج أور كال)الجدير بالذكر أن برتيفراج وراج وراندهير (ابن راج كابور)لعبوا الأدوار الرئيسية في الفيلم وقتئذ كانت صحة برتيفراج تتدهور حتى أنه كان يكمل التصوير وهوعلى فراش المشفى.

رحيل الحلم والأسطورة:

شعر(برتيفراج) بالحاجة إلى فضاء المسرح فخطط لإيجار قطعة أرض في جوهو(بومباي)أملا بإنشاء مسرح فيها ولكن المرض حال دون تحقيق حلمه فقد كان مصابا بالسرطان(داء هودكيز)وارتحل بعد صراع مرير مع ذلك المرض الفتاك وأحرق جثمانه حسب العادات الهندوسية عام(1972) ثم تبعته زوجته بعد ستة عشْر يوماً.

خلف برتيفراج وراءه ثلاثة أولاد أصبحوا رموزا وأعلاما في السينما الهندية إضافة إلى تراث ثقافي ورؤية معاصرة للمسرح الهندي والسينما.
حصل برتيفراج كابور على جائزة(دادا ساهيب بهلكي)لإسهامه في السينما الهندية بعدرحيله استلمها ابنه البكر(راج كابور).
ابنه الأصغر(شاشي كابور)أحيا مسرح (برتيفي)هووزوجته (جنيفر) حيث قال:(هذا أقل شيء نستطيع أن نشرفه بها ونفيه جزءاً من حقه لشخص كان شعاره:(العرض يجب أن يستمر).

جوائز برتيفراج:

1-حصل على جائزة دادا ساهيب بهالكي( لإسهامه في السينما الهندية كان ثالث شخص يحصل عليها)بعد وفاته استلمها ابنه راج عام 1972.

2-حصل على جائزة بادما بهوشان عام(1969)عن فيلم(بريزيدينت).

مصادر وهوامش البحث باللغة الإنكليزية والهندية:

11-www.movies-awards-dada sahebpehlke awzard-pertiveraj.com

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى