الثلاثاء ١٠ آذار (مارس) ٢٠٠٩
بقلم عزيز العرباوي

حصاد الموت

في المغرب:

كان يحبها كثيرا حتى صار يضرب بهما المثل بين سكان الحي الذي يسكنانه معا. ليلة الثلاثاء، قرر خالد أن يقضي وقتا ممتعا مع حبيبته (بكازادي إسبانيا) كعادتهما كل مرة يريدان أن يريا بعضهما ويستمتعا بالحب الذي يجمع قلبيهما خارج الطقوس الرائجة بين أغلب العشاق.

في المكان المشؤوم، كان العاشقان على موعد مع الشبح الجديد الذي غزا العالم، كانا على موعد مع الموت المجاني...

في فلسطين:

لم تتعود (ندا) على الخروج في ذلك الوقت بالضبط، ولم تكن تعرف أن الوحش يحظر التجول على الحسناوات أيضا. تمكنت (ندا) أن تمشي أمتارا دون أن تسمع أي صوت أو زئير أو نباح...حتى وصلت الشارع الرئيسي لمدينتها الذي كان بدوره يعرف السكون والصمت كأنه في حالة حداد على عزيز مات واستشهد، تقدمت خطوات نحو دكان الشيخ أحمد لم تجد في الدكان إلا الخراب، وكلب مسعور يشهر لعابه الملوث في وجهها، في ذلك الوقت استقبلت نهايتها بقلب كبير..

في العراق:

استقبل أحمد موته على طبق من ذهب وهو خارج من مسجد الحي بكوفيته الحمراء وزيه البغدادي الجميل، لم ينزف دما حينها، لأن الرصاصة الطائشة التي أصابته كانت تجبن أن تسيل دما.

قبل موته، كان يقول دائما: إذا أتى الموت وأراد منازلتي يوما ما فلا يساندني أحد على صرعه، لأنني أعرف جيدا أنه جبان وخواف.

لكنه، وفي رمشة عين، صرعه موته دون أن يمنحه فرصة النزال.

إن الغدر من صفات الموت دائما.

في الرياض:

انقلب حامد في أفكاره من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، بعد أن طلب منه شيخه المفتي برمي نفسه ملغوما داخل سوق شعبي. ماذا سيجني إذا قتل نفسه وعشرات المظلومين معه؟ تساءل في نفسه كثيرا قبل أن ينسحب من تنظيم القتل الذي كان ينشط فيه.

عاش حامد شهورا يمارس حياته الجديدة المعتدلة، يأكل، ويشرب، ويحب النساء، ويسافر من مكان إلى مكان، أعجبته الحياة الجديدة بكل ما فيها من صخب ولهو وصلاة وإيمان وصدق...أصبح يزور الأسواق ليقضي مآربه منها، عكس ما كان يظن بأنها محج الكفار والجاحدين، يرتاد المقاهي والملاهي والمنتجعات، يعيش كباقي البشر ليس سجينا لفكر أو معرفة غبيين...

كعادته خرج للسوق يتبضع مثل الناس، كان يحس أن هذا اليوم لن يكون بخير، وكان يعرف أن حياته مهددة في كل آن بعد خروجه عن التنظيم الذي كان ينتمي إليه. وبينما هو منهمك في شراء بعض اللوازم، فاجأه شبح الموت يحصد الناس أمامه ويحتل جسده بالمثل، تحسس نفسه في رمقه الأخير فوجد شظايا القنبلة التي كان مكلفا بتفجيرها هو قد أصبحت تنتشر كمرض (بوحمرون) في جسده...

تسونامي اللعين:

الشواطيء عظيمة وشاسعة تحت أشعة الشمس، أجساد هنا وهناك ملقاة فوق الرمال الذهبية بتلقائية. سحابة سوداء تغمر المكان دون أن يحس بها أحد، غضب الماء مازال ساكنا في الوقت الذي كان الحب يسري بين الناس جميعا دون وجود منغصات..

ليس ثمة إعلان عن كارثة، ليس ثمة عاصفة لإنهاء ممارسة الحب، وليس ثمة قاتل قادر على سفك الدماء العظيمة في ظل هذه الروعة والجمال.

لم يضجر قاتل من قبل منذ قرون هذه الجنة. ولم يلوث وحش منذ سنين كثيرة طبيعة المكان ليحوله إلى عالم فليسطيني أو عراقي..

لم يصدق أحد أن هناك قاتلا ينهي حياتهم في رمشة عين، وعندما هم في ظنهم هذا واقتناعهم بالثقة العمياء في الماء غابوا، وأفلوا مع أول موجة استيقظت بعد سبات طويل...

مات الكل في اكتساح الماء للأبدان، الرجال والنساء والأطفال كانوا في موعد مع الموت ولحظات النهاية الوامضة في هيجان الماء....!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى