الاثنين ٣٠ آذار (مارس) ٢٠٠٩
بقلم غزالة الزهراء

سخرية القدر

وجهك الشتائي المضبب يجهش بكاء على نصف عمره الضائع، عيناك مدينتان تائهتان غزاهما الخراب منذ الأزل، وأنت كتلة من غضب عارم تثور كالزوبعة الغاضبة، كالإعصار الجارف، وتزعق بلا هوادة في وجه أيامك المبتورة التي علاها الركود واللاأمل، محياك الباكي يتقاطر أسى، وتمردا وقنوطا، يعانق عذاب الرحلة، وتفاهة الحلم. يطالعني في دهاليز ذاكرتي مشروخا كالصوت الجريح، سقيما، شاحبا، مخضبا بضجر السنين العارية، والتواءاتها الوعرة.

كنت عبر الفضاء الفضي اللاسع أطير إليك كالقطاة مبهورة بنور الشمس لأطرق أبواب تفكيرك، وأهجع إلى عش أحلامك الهاربة إلى أقصى الحدود، وكنت أصفق بجناحي الجذلين في سمائك وأنا حاملة قلبي الغض بين راحتي الدافئتين ناصعا في بياض الثلج، وطاهرا كبراءة الأطفال المشاغبين، وشفافا كوجه فجر نحاسي سخي.

في جوف المدينة الصاخبة كنا نلتقي، أقص عليك في إسهاب محبب حكاية عمري بلا رتابة، بلا زيف، بلا ضجر وأنا حلم عتيد موشى بشقائق النعمان، والنرجس، والأقحوان، وأسافر عمدا وبلا جواز سفر في أوردتك، ودمك. أحدق فيك تحديقا عميقا وأنا أتأبط ملفات السعادة مجانا، وأعبر معك أشواطا جريئة موفقة نحو شواطئ الأمان، والآمال، والسكينة.

تساءلت ذات يوم ماطر حين طالت غيبتك، ووخزتني أشواك الحيرة برؤوسها المدببة في الوريد: هل خاصمت أحلامي الملونة كقوس قزح، والتي تطاولت بأعناقها الطرية إلى عنان السماء، وانسلخت من بستان حياتي مدمرا آمالي المعشوشبة إلى الأبد؟ هل حزمت حقائبك، ورحلت إلى مدن قصية تعبق روائح شذية فتتسلل إلى قلعة قلبك ندية، رطبة؟ وهل تتجدد لقاءاتنا الماسية البهيجة فوق هضبة الحياة لننسج دثارا سميكا من الحنان الأزلي يقينا من فزع الأيام، وسراب الغد المنتظر؟

وكان لنا لقاء آخر مع بزوغ الشمس، وأنفاس المدينة.

سألتك والقلق وحش ضار ينهش جوانب نفسي بأنيابه الحادة: لحد الآن لم تسرد علي تفاصيل حياتك، بودي أن أعرف كل شيء عنك.

غامت عيناك فجأة، واضطرب قلبك بين الضلوع، ورفرف فوق رأسك المكور صقر الصمت الحزين.
 ما الذي يفسد أجواء ذاتك، ويضفي إلى حياتك سطورا مشوشة من عذاب؟

نطقت باقتضاب: أبي وأمي.
 ماذا تقصد بقولك هذا؟
 أنا لقيط.

لا زال وجهك الباكي يطالعني من كل الزوايا، من كل الثقوب وأنا عن كثب أضمد جرحك النازف، وأحنو عليك من غير تذمر، فماذا تفعل يا حبيب الأحبة؟ فهذا قدرك فلا هروب منه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى