الجمعة ١٧ نيسان (أبريل) ٢٠٠٩
بقلم فؤاد اليزيد السني

العَرائِش

-1-

في العَرائِِشِِ المسْكونَةِ بِرَوْعَةِ بَحْرِ الظُّلُماتِ،

وبِأَشْرِعَةِ ضَبابِ عُصور الفِتنَة،

تُعَرِّسُ بقايا تَواريخٍَ مَهجورَةٍ،

على أَنْقاضِ قُصورٍ كانَتْها..!

زَمَنَ مَنْصورٍ وعبد رحمان ومُعتمَِد،

صواريّ مُذَهّبة بِحبر الحِكاياتِ،

على زمَن، كانت قُشوره.. كما لُبّه عَرَبُ.

-2-

لَيْتَهُ لم يُهاجِرْ لَونَهُ الكَرَبُ،

لَيْتها لم تُهاجر الأَماني دَوالي الغُراب،

لَم تُهاجِر عُيونُها المَنْسيَة، زَوايا المحراب،

تِلْكَ اللائي رَأَتْ فيما رَأَتْ،

شَهَوات خُمورِهِنّ،

عُنْفُوانَ المأساة،

في حُمرة الدُّرُب.

-3-

فَتَصْحو.. قالتْ لي أَصْداؤها العرائش،

كَذلك وكَذاك قد تُجَنُّ،

وتُفْتَنُ كما بِصَحْوَتها،

تُفْتَنُ وتُجَنُّ الشُّعراءُ.

وتَسْهَرُ في مَقهى المَحَطَّةِ،

بَعٍدَ مُنْتَصَفِ لَيْلِ الظُّنونِ،

إلى حشيشة عقولٍ ذابِلَةٍ،

وطاولَةٍ شِبْهَ عَرْجاء،

وأَشْباح أَوادِم غامِلَة

مِنْ شِدَّةِ الغُرٍبَة،

والنِّقاشاتِ العَوْجاء،

وإيقاعِ الحُبِّ الغَريب،

على نَوافِذِ البِطالَة.

-4-

أُُناديها العَرائِشُ وأَخُصُّكِ أَنْتِ

أَنْتِِ المَسْكونَة بِحجارَةِ الإسْلام،

وبِمَقصورات الحُزْنُ الأَبدي،

وبِمخطوطات دُموعُ العَربِ.

كَيْف كُنتِ..؟ وها كيف صِرتِ..!

تَحتَ أَضواءِ أَعْمِدَة "الّلكسوس"،

حِجارَة روميّة مَضَغتها العِبارة،

فِضّة حُبّ في عُيون المَتاهَة،

سَقَفاٍ رديئاٍ في دار البَسوس،

وحَماسةِ كَلامِ مَمْنوعِ مِن دَهْشَة النُّبًوّة،

وقَد أَسْدَلَ القَدَرُ عَليك مِن بقايا الأنين،

هكذا مجَّانا لِمَن عَشِقَ حُزْنَ تِشرين،

ولِمَن عَشِقَ مَوْسِمَ هِجْرَة المَراكِبَ،

وافْتَتَنَ برأسه المَغْرِبيّ المِسْكين

وباعَ إِنْسانَه المَجْذوب مَجّانا،

في أَسْواق بَيّاعي المَفاتِن.

-5-

انزِلْ..! قالت لي.. في رُدُهاتِ البال،

وتَتَبّع عطور دُرُب السُّوَيْقَة،

لَعْنَةُ ربِّ المَنْطِقِ عَلَيْك.. أيهذا "الطّلبان"

وعلى خَميرَة بِرَأِْْسكَ ما تزال تَدور،

وحُمَّاقٌ من حَولِكَ يدورون مَرايا،

ولَيْسَ لها اليَوْمَ عَرائِشُكَ مِن عُروشْ،

ولَيْسَ لَها أَرائِك ولا أَساوِرَ من سَبائك فِضّة،

ولا تِلك "البلاكين" المُطِلّة على بِحار اليَقين،

تِلْكَ التي كانت لِحين، أَسوارُها ذهبًا وثُرَيّا.

-6-

ولَيْسَ.. وليَسْ.. ولَيسَ..!

واللَّيلُ طَويلٌ المُوّال يا صاح،

في حَداثَةِ هذا البَلَدِ البَليد.

وعَرائِشي تَحتَ الشُّرفات البَيْضاءْ،

قد راحَتْ ساهِرة نَوارِِسُها،

عِنْدَ الأمواج العَذراء،

تَسْتَرِقُ السَمْعَ إلى خرير القَوافي،

في انتظار قِطار القَصيدة،

عَلَّهُ يَأتي ولولِلْمَرَّة الأَخيرَة.

-7-

غَيْرَ أنّي.. غير أني.. غير أني..

والزَّمَنُ في هذا العَهْدِ العَتيقِ،

ما زِلْتُ أتوسّد ضَجيجَ الجاهليّة،

وصَخَبًا أعرابيا،

يَتَسَلّلُني،

يَتَقاسَمُني،

يُعَربِدُني،

ومِن جَوفِ البَحر المُلَوّثِ بالحَداثَة،

يَتَصاعَدُني قَلْبُه الغريب،

محّارا..سَرْدينا فضيّاً،

يُفَضْفِض بِشرته الأَطْلَسِيّة،

لؤلؤاً غريبا في مُقْلَتَيّا..

-8-

وأنا رُوَيداً أََصْعدُ..

ومِن كلّ هذِهِ الأُصالة "العَرائِشِيّة"،

ومِن وَحْدَتي في الإِنْفِراد،

كإنسانِ مَغْرِبِيّ بالٍ،

أَصعَدُ بِمِعْطَفي الغِرْبال،

وكُتَيِّبِ البكالوريا،

كَيف تَكْتُب إِنْشاءً فلسفيا،

ما زال في قاعِ الجُوَيْبِ،

مِنْ قَبْلِ إفراغي لموجة الشَّهواتِ

على جدائِلِ جُدران الصَّخرَة،

ونُزولي فاشلاً مِن على نُجوم نَهْدَيها،

كباقي السُّلافَةِ والخُرافة،

وتَعَاقُبِ الهزائِمِ العربيّة.

-9-

خُذوا عَرَائِشَكُم.!

خُذوا البَرْقَ والنَّوايا.!

واتْرُكوا لِعَرائشي شهادَة،

ومَوْجَةٍ بِسعة الرِّوايَة،

وحُلُمًا عَبْرَ النَّهْرِ البَشير،

تَرَنَّحُ المَراكِبُ فيه بشاشة،

تَلألأ فيه كَما صَخَبِ الأطْفال،

وضَجَّاتِ المَقاذيف،ِ آية.. آية.

وأََجْراسُ الأَصْواتِ، تَرِنُّ.. تَرِنُّ،

مَحمولَة رَنّاتها على مَناديل العَبير،

وجُنون الإعْصار في عُيون المَدار،

عِنْدَ الأُفُقِ المُسْتحيل بِلا غايَة.

أُعانِقُ روحَهُ المُسْتَحيل،

وأٌسْدِلُ عَلَيْهِ الحُلُمُ السِّتارَة،

في انْتِظارِ مَجيءِ العِبارَة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى