الثلاثاء ١ آذار (مارس) ٢٠٠٥
أصدر روايته الجديدة على الإنترنت
بقلم ندى مهري

الروائي الجزائري الطاهر وطار: لا تهمني الحرية بقدر ما تهمني الكتابة

نشر الروائي الجزائري الطاهر وطار روايته الأخيرة «الولي الطاهر» على الإنترنت، على أن ينشرها في كتاب فيما بعد. وقد التقيته أخيراً في مقر جمعية الجاحظية التي يرأس ادارتها بالجزائر، وتحمل هذه الجمعية الثقافية شعار «لا اكراه في الرأي». وشكلت كرد فعل على التعصب الفكري الذي ظهر نهاية الثمانينات وبداية التسعينات في الجزائر، وهو تعصب كما قال عنه الروائي الطاهر وطار أسهم فيه دعاة الفرنسية ودعاة العربية والديمقراطيون والاسلاميون واللائكيون. وكان وطار يستعد لحضور ندوة في باريس عن القضية الفلسطينية التي اهتم بها طوال حياته.
هنا حوار معه عن روايته الأخيرة، وتجربته في «الجاحظية»، والواقع الثقافي الجزائري والعربي، وهمومه السياسية:

 ربما لا يعرف الكثيرون عن نشأة الروائي الطاهر وطار بقدر علمهم بتجاربك الروائية التي جسدت فيها باتقان مختلف التحولات التاريخية والاجتماعية التي مر بها المجتمع الجزائري؟
ـ نشأت في قرية «امداوروش» سنة 1930 بمنطقة سدراته الواقعة في شمال شرقي الجزائر من أسرة بربرية تتكلم العربية، وقرية امداوروش عاش فيها «ابوليوس» صاحب أول رواية في تاريخ الأدب «الجحش الذهبي». وهي التي عاش فيها القديس «أغستان».

واول خطواتي الكتابية كانت في الشعر، ثم انتقلت لكتابة قصتي الأولى في سن السابعة عشرة «الحب الضائع»، ثم توقفت عام 1956 عن مزاولة دراستي في جامع الزيتونة مستجيبا لنداء جبهة التحرير الوطني للالتحاق بجبال الثورة ضد الاستعمار الفرنسي. لم أكن سياسيا، والوعي بالوطنية جاء من دون تكوين فكري، ولكن بالممارسة اندلعت الثورة، وانضممت اليها روحيا. وكان تأثيرها كبيرا كما ورد في رواية «اللاز» وتأثير مجازر الثامن ماي من عام 1945 في كل من ولايات قالمة، سطيف وخراطة وغيرها.
 كيف تنظر إلى هذه المعادلة الصعبة، خاصة في ظروفنا العربية، بين الحرية والابداع؟
ـ الابداع هو عملية تتم خارج ارادة الانسان ممارسة فيزيولوجية وروحية لطبيعة ساكتة في الكائن، سواء كان عصفورا أو أي حيوان أو كان انسانا. هناك غريزة التوق يعبر عنها الانسان بالشعر أو الموسيقى أو الكتابة، وهي موجودة عند كل فرد وعند كل مبدع، لكنها تتفاوت نسبتها بين مبدع وآخر. أما فيما يتعلق بالحرية فتبدأ من ذات الانسان. ثم إن الاضطرار للإبداع والتعبير لا يحتاج الى جرعة حرية، لأن المبدع يكتب رغم أنف الحرية، فالعصفور يغني ويناجي وهو داخل القفص. عندما كتبت رواية «اللاز» كانت الجزائر تمر بحالة طوارىء، ولا أحد رفع الرواية الى اليوم رغم أنني لما كتبتها توقعت عواقب وخيمة وكنت مستعداً لتحملها ولم تكن تهمني الحرية بقدر ما كانت تهمني الكتابة.

 المتتبع لكتاباتك يلاحظ تركيزك على التيار الأصولي. لماذا؟
ـ كانت وما تزال تهمني امكانيات البورجوازية الصغيرة في الفعل الثوري، وحدود تضحياتها، وما هو مداها. وتطرقت لبورجوازية صغيرة تستخدم الدين، وأخرى الأعراف والتقاليد، وأخرى تستعمل مسميات أخرى. وفي الأساس تعرضت للثورة المضادة التي تنتج جدلياً الثورة، وذلك لما تصل الى حد القطيعة مع المشروع القديم السياسي والاقتصادي والاجتماعي سواء أكان بيروقراطية كما هو الشأن في الأحزاب السياسية في المنظومة الاشتراكية القديمة، أو مواقف مضادة بتهمة الالحاد. والثورة بالنسبة لي دورية في التاريخ حيث يضطر المجتمع للقيام بها، ثم يتهادن مع نفسه، وبعدها تنتصر الثورة المضادة ثم تعود الثورة الأولى. وهذا ما يجعلني أفكر في أبي ذر الغفاري وما قيل له أنه «سيبعث وحده ويمشي وحده ويموت وحده، يحتاج اليه المجتمع ويتخلى عنه، يقتله المجتمع ويحتاج اليه من جديد» هذه هي فكرة الدورة.

 كتاباتك مليئة بالاستشراف لما حدث ويحدث بالفعل. كيف تم كل هذا الاستشراف الحدسي لدرجة ان الكثيرين من النقاد قالوا إنك تنبأت بواقع الجزائر روائيا؟
ـ عندما كتبت «عرس بغل»، كنت محملا في عقلي بكل حركات التحرر في العالم، وكنت قد زرت بعض البلدان الاشتراكية، وقلت في هذه الرواية إن البورجوازية الصغيرة عقيمة. وأحسبني أمسكت بخيوط المسار السياسي للعصر الذي عشت فيه. أحسبني أيضا مندمجاً في زماني وفي مكاني وفي الناس المعاصرين، فأنا الغائب الحاضر باستمرار. واذكر أمثلة أخرى عن عودة بعض أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية الى فلسطين في رواية «تجربة في العشق». تحدثت عن أبي عمار وقلت ما العمل به اذا لم نحدد وظيفته فهو ليس ملكا وليس رئيسا وليس امبراطورا، وتوصلت الى نتيجة انه زعيم وكفى. وقلت كذلك ان المطلوب من العائدين من خارج فلسطين، ترك أسلحتهم في الخارج ولقد تطرقت الرواية للعديد من الحقائق التي أغضبت بعض الأخوة الفلسطينيين. ولم تكن اساءة مقصودة، إنما مجرد حالة تصور.

في روايتي الأخيرة «الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء» تحدثت عن انطلاق رصاصة في مكتب ابوعمار في جو أسود، وقلت أن كل ولد يولد في تلك الأيام يسمى مروان رئيسا، وكل بنت تولد تسمى السلطة التنفيدية. انا أؤمن بوحدة الوجود الروحي والمادي وأؤمن بقدرة العقل البشري وانسيابية المخ في الزمان والمكان سواء في النوم أو اليقظة، وربما هذا ما لم يفهمه من أدان الحلاج وكفر محيي الدين بن العربي وغيرهما.
 على ذكر روايتك الأخيرة «الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء» والمنشورة في الإنترنت هل لك أن تحدثنا عن فكرتها والتقنية المستخدمة فيها، ولماذا فضلت نشرها في الإنترنت من دون طباعتها في كتاب؟

ـ بالنسبة للتقنية التي استخدمتها فهي غير مصنفة. انا من الروائيين الذين يؤمنون ويطبقون العلاقة الجدلية بين الشكل والمضمون، فكل مضمون يؤدي بصفة آلية وابداعية الشكل الذي ينصب فيه، ومن الذين يرفضون الكتابة في قالب واحد، وأترك الحرية للموضوع لتحديد شكله، وللشكل ليستوعب موضوعه. اما عن فكرة الرواية فقد وضعت الولي الطاهر أمام شاشة تلفزيونية عرضها السماوات والأرض وأطفأت الصورة بحكم انتشار السواد في العالم العربي، وتبخر آبار البترول، وتركت الصوت يصف ما يجري في العالم العربي. توقعت أن البترول نفد والدولار انخفضت قيمته، وردود الأفعال العربية والدولية. تصورت ان البترول تحول الى ماء زلال، وبياض اللباس العربي تحول الى اللون الأزرق وهو رمز العمل. وتصورت أن اسرائيل انتهت تلقائيا لأن وجودها لم يعد مهما، وأميركا انسحبت من الوطن العربي لأن ذريعة الحرب التي أساسها البترول انتهت. كل هذه الأحدات تدور في عالم افتراضي، وهي رواية خيالية تعتمد على معطيات واقعية موجودة. ونشرتها عبر الإنترنت لأننا في عصر يتطلب استعمال كل الوسائل المتاحة، اتمنى أن يكون الاتنرنت في متناول الجميع. وطبعا، سوف اصدر الرواية في كتاب قريبا جدا.

 كيف ترى ظاهرة الرقابة في العالم العربي؟
ـ اعود للبورجوازية الصغيرة، ومنها قسم من الكتاب. لقد صدقوا أن التغيير حصل في مجتمعاتهم، وأننا بلغنا نقطة اللاعودة. إننا لم نقم بتحليل الواقع العيني وظللنا نعيش في واقع افتراضي، واقع الثورة الفرنسية وواقع البروتستانية. واقع لا ينطبق على مجتمعات عالمنا العربي الذي ما تزال القيم والثقافة التقليدية تسيطران عليه. وأول رد فعل من هذه المجتمعات يكون على كتاباتنا، التي تبدو أنها منافية لقيم وأخلاق المجتمع. وتسلمت مقادير الأمور سلطات، هي أيضا ممثلة للبورجوازية، وتزعم أنها تمثل الحداثة، لكنها تطرح كل ما هو مناقض للحداثة، فكانت الصدمة للبعض. وبالنسبة لي لم أصدم لأني حقيقة أبذل جهدي لفهم مجتمعي ومحيطي وفهم العصر الذي نعيش فيه، ولم أعتقد يوما اننا نحيا خارج بدايات القرن السابع عشر، ولم تغرني المظاهر يوما.

 وماذا عن الجزائر.. هل تعافت من ظاهرة الارهاب؟
ـ أنا ضد استعمال عبارة الارهاب أفضل كلمة العنف والعنف المضاد. صحيح لقد استتب الأمن بشكل كبير غير أن العنف الفكري ما يزال متبادلاً.
 بعيدا عن الكتابة وادارة جمعية الجاحظية ما هي طقوسك الأخرى؟
ـ لدي هوايات كثيرة، وأحب الأشغال اليدوية مثل النجارة والحدادة والكهرباء والاعلام الالي ولدي منجزات في جميع الهوايات وأعتقد أن هذه اللحظات تمثل لي هروبا من الذهنيات الى المحسوسات.

 والحب.. هل هو أيضاً هروب من الذهني إلى المحسوس؟
ـ (بعد صمت طويل): لقد سكت كثيرا في هذا السؤال. كان ذهني قد انصرف الى سلطان العاشقين لابن الفارض. لا أعتقد أن كائنا ما يحيا من دون التعلق بذاته. انا رجل شبه متصوف وأؤمن كثيرا بحب يجمعني بذاتي.
 ألا تشاركك المرأة في هذا الحب؟
ـ المرأة هي الذات، وهي الكل في الكل في الواحدية والتعددية. عند توحد الكائن بالكائن يحدث الاستقرار الروحي وتحدث السلامة والطمأنينة، ويحدث العطش أيضا. ورغم ذلك فأنا أحيا في عالمين عالم يجمعني بزوجتي، ما يقرب من نصف قرن من الزواج أتفاعل معه، وعالمي الشخصي الذي لا يمكن لأحد أن يقتحمه مهما كانت قرابته لي سواء زوجتي أو ابنتي. هذا العالم أسبح فيه أكثر مما أسبح في غيره من العوالم، عالم أحلم فيه وأحلل فيه القضايا، وأفرح وأبكي فيه. البارحة شاهدت تحقيقا عن مطربة جزائرية «بقار حدة». بكيت ولا أحد يعلم بذلك. بكيت لأني شعرت بعزلتها وبغربة المبدعة التي هي غربتي. جارحة ومؤلمة كانت نهاية هذه المطربة التي توفيت متسولة.

سيرة ذاتية

 رأس تحرير العديد من الصحف الجزائرية
 له في القصة والرواية: «دخان في قلبي»، و«الطعنات»، و«الشهداء يعودون هذا الأسبوع». وفي المسرح «على الضفة الأخرى» و«الهارب». وفي الرواية «اللاز» و«الزلزال» و«عرس بغل» و«الحوات والقصر»، و«العشق والموت في الزمن الحراشي» و«الولي الطاهر يعود الى مقامه الزكي»، و«الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء».

عن الشرق الأوسط


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى