الاثنين ٢١ شباط (فبراير) ٢٠٠٥
بقلم محمد أحمد عبد النبي عياد

هلوسات صباحيه

لم يكن الشروق بعد ليلة أمس الممطرة هو الحدث المبهج الوحيد بالنسبة لمحمد , أخيراً وافقت حبيبته على اللقاء بعيداً عن الجامعة , كان صباحه غير عادياً ، أنجز عاداته الصباحية متعجلاً حتى أنه نسى أن يمسح نظارته قبل وضعها على عينيه،فسر له ذلك عدم وضوح الرؤية , أرتدي ثيابه ووضع من علبة كريم الشعر التي اشتراها خصيصاً لهذا اليوم , وقف أمام المرآة حوالي ربع ساعة وهو يعدل تسريحته إلى أن استقر على تسريحه أعجبته على مغنى أمريكي , قبل أن يخرج من المنزل سألته أخته الصغيرة نونا عن نظارتها فأخبرها أنها وضعتها على مكتبه ليكتمل بذلك برنامج الصباح اليومي , هي دائما تنسى نظارتها التي اشترتها معه من نفس المحل ,و لعل حبها لأخيها هو سبب اختيارها نفس شكل النظارة وإن كانت قد اختارتها بلون مختلف قليلاً .

كان يفكر وهو جالس في( الميكروباص) وأغنية (على الصالحين) (يالي معاك المال) تطرق أذنيه في المكان المناسب الذي سيأخذ محبو بته إليه فكر في( كنتاكى) لكن ميزانيته الصغيرة لا تسمح, مر بعقله( حديقة ابن سندر) القريبة من الجامعة ( بيئته أوى ) , أخرجه من تفكيره الرجل الجالس بجواره حين مد يده بجنية فأعطاه مثله وعاد يفكر ....
( آه .... )قالها في سره حين مر الميكروباص بجوار (كوفى شوب) ذو بوابة صغيرة مكتوب فوقها مكارينا ولم لا فهي مناسبة للميزانية الصغيرة خاصته و(مش بيئة) , راقته الفكرة تماما شعر بنشوة الانتصار واخذ يردد في صوت خافت مع الأغنية (على الضهر إيه ...؟ )

(ماما أنا نازله المدرسة )

كانت نونا تستعد في ذلك الوقت للذهاب لمدرستها لم تقف كعادتها كثيرا أمام المرآة ارتدت ثيابها (الجيب الكحولي والبلوزة البيضاء )اليوم وضعت حقيبتها على كتفها ( عادة تضعها في حضنها ) وخرجت ...
على ناصية الشارع قابلت حنان ورشا صديقاتها في المدرسة الثانوية وقفن جميعا ينتظرن الأوتوبيس الخاص الذي يقلهم كل يوم إلي المدرسة
ـ هاى حنان هاى رشا عاملين إيه؟
ـ هاى نونا إيه ده نونا من غير تسريحه جديده مش ممكن!
اليوم لم تمارس هوايتها في شعرها , تركته مرسل على كتفيها, أتوبيس المدرسة وصل ولم يعطيها فرصه لشرح السبب فاليوم أخذت نصيحة أخيها محمد ( شعرك بيبقى حلو وهو حر من غير توك ولا بنس )
(أنا في الغرام أنا دايبه صبابة) كان صوت (شيرين) يداعب أذان البنات وهن يتمايلان على أغنيتها , نونا جلست تفكر في احمد الذي ينتظرها كل صباح على ناصية شارعهم المجاور للمدرسة كانت ترى انه شاب روش يختلف عن أخيها محمد( اللي بيتسرح في المناسبات) كما كانت تداعبه دائما, تمنت لو دعاها اليوم للخروج (وتتحرق المدرسة) هاهو احمد مختلف اليوم لاتعلم أهي النظارة التي لا تحاول مسحها ابداً أم انه (نيو لوك) !!!!!
لم تطل التفكير, أخرجت يدها من شباك الأتوبيس, ألقت ورقه مكتوب عليها( عايزة أقابلك الساعة 11) , تلقاها احمد وفتحها بلهفة ثم أطلق قبلة في الهواء و هو يهز رأسه بالموافقة , أنقذها وصولهن المدرسة من وصلة تريقه من صديقاتها انطلقن عبر بوابة المدرسة وهن يرددن( وحبيبي عينيه جراحه يا عيني)

مرت المحاضرة الأولى على محمد دهراً ,حبيبته بجواره و بمجرد انتهاء المحاضرة الأولى سينطلقان إلى (مكارينا), اخذ ينظر لعلية وكأنه يراها أول مرة كم هي رقيقة لاحظ اليوم أنها ترتدى ثيابا جديدة و تضع (ميك أب) , حجابها وضعته بطريقه مختلفة , تذكر نونا عندما تبدع في تسريحه شعرها أو في شهر رمضان حين تضع الحجاب لا تتركه في حاله لابد من لمسة نونا الشقية كم يحب نونا .

ـ فهمتوا ؟ المحاضرة الجاية ..... لم يستمع للباقي, هب واقفا فوجد (علية) تلملم حاجتها
ـ ياله .. وانطلقا إلى مكارينا
ـ في مكارينا القعده حلوة أوى هكذا اخبرها وهما في طريقهما ،كان سائق التاكسي الذي يقلهم يبتسم وهو يغلق إذاعة القران الكريم ويضع شريط كاسيت لينطلق صوت (جورج وسوف) ويخبرهم انه طبيب جراح , تضع (علية) وجهها في أرضية التاكسي خجلا بينما يبتسم محمد للسائق .

لم يمض على ذلك اكثر من ربع ساعة حتى وصلا إلى( مكارينا) استقبلتهم موسيقى صاخبة (دى بيشغلوها في بداية الدى جى) هكذا فسرها لعلية بعدها اتجه إلى طاولة بعيدة عن السماعات
ـ تعرف النهاردة أنا كنت هرجع في كلامي
ـ ليه بس
ـ أصلي كنت خايفه أوى حد يشوفنا و إحنا بره الجامعة
ـ يعنى يحصل إيه هيقولوا أتنين بيحبوا بعض
ـ يا سلام
ـ وحياتك
تقطع النادلة الشابة حوارهما لتاخذ الطلبات ,(أتنين عصير فراولة) أثناء ذلك كان محمد ينظر في المكان فشعر بألفة غريبة على الرغم من انهما يبدوان اكبر سنا من هؤلاء المنكفئون على طاولة البليارد بملابس المدرسة أو الفتيات اللاتي يدخن الشيشة حولهم , مرت الدقائق التالية في كلمات حب وشوق غير معهود على علاقتهما فهما دائما يحاولان إخفاء علاقتهما حتى لا يكونا حديث الشلة في الجامعة
ـ تعرفي النهاردة مش عارف ليه مالي بفكر في نونا كتير
ـ عادى
ـ ما علينا إيه اللي جاب سيرتها بس دلوقتى يخرب بيتك يا نونا ورايا ورايا
ضحكا على التعليق الأخير لكنه لم يتوقف عن التفكير في نونا لعل السبب ما قالته له ليلية أمس (أنت وعلية لازم تتكلموا بصراحة وتسيبوا نفسكوا أنا هعلمكوا لحد أمتي )ابتسم
ـ والله فيكى الخير يا نونا
ـ أنت بتقول حاجه قالتها عليه
ـ لا ما فيش حاجه

 الفسحة أخيرا

هكذا صاحت نونا، وقتها كانت تعد حاجتها مرت حوالي عشر دقائق بعدها كانت نونا في الشارع لتجد احمد يقف على ناصية شارعهم كعادته، ذهبت إليه وهى تحاول أن تبدو اكثر حكمة وتعقل مرت ثواني تفحصت فيها وجهه انه يشبه أخيها محمد كثيرا , وقتها كان هو يخبرها بمدى إعجابه بها و بـ...

لم تكن تسمع لقد تذكرت أخيها محمد اليوم هو مع علية خارج الجامعة
ـ يا ترى هم راحو فين دلوقتى
ـ بتقولي حاجه
ـ لا بس ياله هنفضل واقفين كده
ـ نتمشى شويه
كانت تعرف الكثير من الشوارع الصالحة( للتزويغ )بحكم موقعها من صديقاتها تعرف الكثير عن مغامرات السابقون
ـ إيه أنت هتفضل ساكت كده ؟
ـ ابدا بس
ـ أنت فكرتني بواحد اعرفه
ـ أنتي تعرفي حد غيري ؟ قطعها في حدة
ـ لا يا أبني دماغك ما تر وحش لبعيد هو برضه لخمه كده
ـ اسفه قالتها حين شعرت أنها سببت له جرحا فصراحتها من عادتها المتأصلة
مرت عليهما حوالي ربع ساعة وهما يحاولان إذابة الفواصل بينهما
ـ الساعة كام ؟
ـ أنتي اتاخرتى ؟
ـ لا بسئل بس
ـ الساعة 12
كانت تفكر في محمد وعلية يا ترى بيقولها إيه دلوقتى ؟!

ـ يااه دماغي مصدع أوي
ـ مالك؟
كان يشعر بصداع مصدره عينيه
ـ أظاهر أننا مش بتوع الجو ده
ـ أنا قولتك
ـ لالا نقعد هشرب قهوة أبقى كويس
اخذ لحظات يفكر في الدقائق الماضية كيف وهو يحبها كل هذا الحب لم يحاول لمس يدها أو يقبلها أو يحضنها شعر بسخط على كل تلك القيود تملكت منه رغبه لا تقاوم في أن يحضنها
ـ علية أنتي عارفة أنا نفسي ..... أحضنك
لحظات صمت و هما ينظران إلى بعضهما قطعته عليه
ـ وأنا كمان قالتها وعينها تلامس عينيه, أصبحت مكارينا خالية إلا منهما صوت الموسيقى الصاخب تحول إلى لحن فالس رقيق ألوان الكافي شوب المتداخلة تحولت للون الأزرق لون الحلم
ـ بحبك
ـ بحبك
دمعه كادت تخرج من عين علية حين اكتشفت أن طاوله بينهما تمنعهما من تحقيق الحلم

شوارع جانبية حارات ,هي الأماكن التي سار فيها أحمد ونونا و مازال حوارهما يرتدى بذلة ضيقة
ـ تعرف أنا النهاردة حاسة أنى كبرت
ـ ازاى يعنى ؟!
ـ أصلى أديت نصيحة عاطفيه لواحد في سنه رابعه جامعه
ـ يا سلام
ـ بس الظاهر انه بهت عليه ده أنا النهاردة ما روشنتش خالص
ـ اكتر من كده
هو لم يكن يعرف أنها لا تتوقف عن بعثرة الضحكات لا تتوقف عن كشف أسرار صديقاتها ،بمجرد أن تنظر في عين إحداهن حتى تعرف ما بداخلها ،مرت بعدها دقائق في محاولات فاشلة لإخراج حوارهما من بذلته الضيقة إلى أن قالت نونا
ـ بقولك تعالى وصلني انا خلاص زهقت عايزة أروح
شعرت وقتها بأن تلك البذلة الضيقة لا تناسبها, هي التي تلقى الكلمة لمجرد أنها مرت ببالها تتوخى الحذر الان وتتفكر كثيرا في كلماتها , كما أن عدوى الصداع قد أصابتها ، نفس الصداع الذي تملك من أخيها الذي كان يلملم أطراف لقائه هو الأخر مع (عليه) بعد أن فشل فنجان القهوة في إسكات الألم كما انه شعر بأن جسده اصبح ثقيلا على الرقص !

لم يكن أحد بالمنزل حين عادت نونا فوقفت أمام المرآة المثبتة أمام باب المنزل
ـ آأأه يا بت يا نونا مالك النهاردة .. يا نهار ابيض !!!!
اكتشفت سبب أحداث اليوم الغريبة فتسمرت أمام المرآة إلى أن دخل محمد
ـ مالك يا نونا متسمرة ليه قدام المرايه .. تسريحه جديدة ولا إيه ؟
لم تجب فاقترب منها
ـ مالك ؟ أما وصفتك طلعت مغشوشة
اصبح الأن أمام المرأة بجوارها
ـ هوه إيه ليه ؟؟؟!!!
ثم ضحكا بقوة, إنها نظارتها ارتداها يوما كاملا وهى ارتدت نظارته
ـ عارفة نظارتك تعبتنى أوى
ـ آه طبعا هات خليني أتسرح عندي درس كمان ساعتين
تبادلا النظارات وكل منهما سيحرص على أن يضع نظارته في مكتبه الخاص .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى