الجمعة ٣٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٩
بقلم أميمة عز الدين

بيت من الرمل

كان الفخ منصوبا لها بإحكام، طريق الغواية يبدأ بكلمة ثم ينتهي بلقاء عابر مختلس...لم ترد أن تكون رقما في طابور النساء اللائي يتشبهن بمريم المجدلية في سيرة حياتها الأولى .
لم تجرب مايسمونه الولع وتوهج الحب حين اللقاء ، شهوتها في حروفها التي تجمعها على استحياء وتصنع منها خيمة هلامية ، تدخلها بإراداتها ولا تخرج منها إلا وهى منهكة مغمضة العينين ، تشعر بروحها تفر منها ، أجنحة خرافية تنبت ..وتمرد غير مبرر، وتحريض خفي يتسلل إلى بيت الرمل الذي تسكنه وحدها.

تعشق البحر وسمائه التي تشكل شجنا وحزنا على عمر فات دون أن تتمكن من اصطياد أمنياتها تعلقها على صدرها حين يتفتح وردها.

في طريقها للبيت ، تحمل ماتيسر من احتياجات المنزل ..العرق يبللها ويجعلها عصبية، تفكر في صغيرها الذي تركته مع أخته الكبيرة ذات العشرة أعوام..بعد أن مات زوجها لاذت بالعزلة والرداء الأسود الذي لا يتغير رغم تبدل الفصول والمواسم ، كأنما تنفى عن نفسها تهمة الإغواء والتحريض التقليدية ، ترتاح للقب المرأة ذات الرداء الأسود وتعتبره حصنا منيعا أمام أعناق الرجال المشرئبة لجسد أرملة لم تعرف التجاعيد طريقها إليه ، مازالت خلاياه حية نابضة ..تستعين بالصلاة في جوف الليل وتغسلها الدموع وهى تتخيل نفسها وقد تورطت رغما عنها .
حينما تخرج من المنزل تتأكد أكثر من مرة أنها ارتدت ملابسها كاملة حتى غطاء الرأس تحكمه حول رأسها ولا تسمح لخصلة أن تتطاير بعفوية ، يطارها كابوس العرى في ليلها ، تظل ترتعش وتبكى وتظن أن الخطيئة تجرى في دمها وأنها يوما ما ستتعرى .

حين تعثرت بحجر بالطريق وسقطت وسط أشياؤها، تحبك الثياب حول جسمها تحاول النهوض غير أن التواء كاحلها جعلها لا تستطيع..وجدته يمد يده وفى عينيه ابتسامة فطنت أنها ابتسامة الإغواء الأولى..رفضت يده المعلقة بالهواء وعن طيب خاطر تركت جسدها لرجل عجوز يرفعا من تحت إبطيها متشمما عرقها ولفح جسدها ، لم تنتبه إليه كما ينبغي ..مازالت يده معلقة في الهواء يعرض عليها أن يوصلها إلى البيت بسيارته.غمغمت ورفضت وشكرته وسارت تتوكأ على يد العجوز الذي استبشر خيرا بها ..لم تحاول أن تلتفت لتلتقط اشياؤها ، يشغلها الآن صراخ صغيرها بعد أن فقدت عبوة اللبن الخاصة به ، يدها دافئة بيد العجوز الذي مال عليها يعرض أن يزورها بين الحين والآخر للاطمئنان عليها بعد أن عرف من هيئتها أنها أرملة ...شعرت بضغط يده فسحبتها سريعا وتوقفت شامخة تشكره ولم تحاول أن تلتفت للوراء رغم بوق السيارة الزاعق والتي تسير بجوارها .


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى