الخميس ٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم عبد الله بن أحمد الفيفي

شِعريّة المكان في تجربة شاعر الشمال

مدينة عَرْعَر نموذجًا

هذه محاضرة قدّمتها في نادي الحدود الشماليّة (مدينة عَرْعَر)، مساء الأربعاء 9 ذي القعدة 1430هـ الموافق 28 أكتوبر 2009م، بعنوان "شِعريّة المكان في تجربة شاعر الشمال/ سلمان بن محمّد الفَيفي: (مدينة عَرْعَر نموذجًا)". وكانت مناسبة تكريميّة عبّرتْ عن وفاء أهل عرعر- إمارةً وناديًا ومواطنين- لشاعر عرفوه وأحبّوه، عاش بينهم أكثر من عشرين سنة، معلّمًا، وشاعرًا، وناشطًا ثقافيًّا [1]

وبدءًا لا بُدّ من تعريف بحياة هذا الشاعر وشِعره. فقد وُلد الشاعر سلمان بن محمّد بن قاسم الحَكَمي الفَيْفي في فَيْفاء، بُقعة الخَشْعَة [2] سنة 1363هـ= 1943م. وتلقّى تعليمه الأوّليّ في مدرسة الخَشْعَة(2)، في فَيْفاء [3]، إذ التحق بها سنة 1373هـ. ثم انتقل للدراسة في معهد ضَمَد العلميّ. ثم عاد إلى فَيْفاء، فعُيّن مدرِّساً في مدرسة الخَشْعَة، وكانت تُسمى (معهد الخَشْعَة) [4]

وبعد إلغاء مدارس القرعاوي [5]، التي كانت مدرسةُ الخَشْعَة تُعدّ إحداها، انتقل الشاعر للالتحاق بمعهد سامطة العلميّ. فدَرَسَ في معهد سامطة في قسمه التمهيديّ، فالمتوسط، فالثانويّ، وحصل على شهادة المعهد، (القسم العامّ)، سنة 1386هـ. ثم التحق بكليّة اللغة العربيّة في الرياض، وحصل على شهادة الليسانس سنة 89/ 1390هـ. ليلتحق بالتدريس في معهد الرياض العلميّ سنة 1391هـ. وبعد عمله هناك سنة دراسيّة، انتقل للعمل مدرِّسًا في المعهد العلميّ في عَرْعَر. واستمرّ في التعليم في معهد عَرْعَر العلميّ، ليشغل فيه بعد سنوات وظيفة وكيلٍ للمعهد، ثم مديرٍ للمعهد، قبل أن يَطلب التقاعد المبكّر، نظراً لظروفه الصحّيّة.

عانى الشاعرُ الأمراضَ منذ صِباه. وكان آخرها أن اكتشف الأطباء، في بداية سنة 1421هـ، إصابته بتورّم خبيث في الكبد، تبيّن أنه حالة متأخّرة لسرطان، أُعلن عن استحالة علاجها. فكابد مرضه ومضاعفاته بصبرٍ، حتى توفّاه الله في الرياض، في شهر رمضان من السنة نفسها، 1421هـ= 2000م.

عرفتُ الشاعر شغوفاً بالمعرفة، ولاسيما في اللغة العربية وآدابها. فلقد تتلمذتُ على يديه، ثم خَبِرْتُهُ عن كثب، في مُقامه وسفره، وذلك بحُكم القرابة؛ فبيني وبينه ما كان بين طَرَفة والمُتلمِّس، أو بين الأعشى والمسيّب بن علَس.. ثم بحُكم رابطة التخصّص والاهتمام المشترك. فكان المثقّف، المطّلع، القارئ من الدرجة الأولى، الحافظ، حاضر الذاكرة، سريع البديهة. حتى إن بعض زملائه كانوا يلقّبونه بـ"الموسوعة"؛ نظراً لتردّدهم عليه- كلّما حزبهم سؤال لغويّ أو أدبيّ- أعيتهم إجابته. وكان إلى ذلك شديد التواضع والزهد في الأضواء. ومِن آثار ذلك عدم اهتمامه بنشر شِعره في حياته، مع كثرة ما كان يلحّ عليه في ذلك أصدقاؤه ومحبوه. كما كان كريماً، جميل المعشر، خفيف الظلّ، يُشيع الدُّعابة والفرح أينما حلّ أو ارتحل، وإنْ في أحلك الظروف. وفي أجواء مرضه الأخير- الذي يكفي ذكره ليبعث الفزع والأسى والحزن- كان سلمان صورة أخرى من الناس، ونسيجًا فريدًا من النفوس. إذْ أبى إلاّ أن يكون صابراً، محتسبًا، كبير النفس إلى آخر لحظة.. يذكّرك بقول أبي الطيب المتنبي:

وإذا كانت النفوسُ كباراً تعبتْ في مُرادها الأجسامُ

وكان لمّاحاً، لَبِقًا، محبوباً من كلّ من عَرَفَه. كما كان ساخراً بالحياة وتقلّباتها.. واستمرّ على ذلك حتى آخر أيّامه. ولعلّ في نصوصه الشِّعريّة ما يدلّ على تلك السجايا فيه.

تبدو تجربة الشاعر سلمان بن محمّد الفَيفي من حيث اللغة والأسلوب تراوح بين الجزالة- إلى حدّ الإغراب في بعض الحالات- وميلٍ في بعض نصوصه إلى سهولة الأسلوب، إلى درجة الاقتراب من اللهجة الدارجة، كاستعماله صيغة عيوني، مثلاً، بدل "عينيّ"، في قوله:

يا أسيلَ الخَـدِّ

يا أَحْلَى وأَغْلَى مِنْ عيوني [6]

أو قوله:

كُلَّمَا "دَقَّ" طَيَّرَ النَّوْمَ عَنِّيْ

وإذا ما اسْتَراحَ نامَتْ عُيُوْني [7]

فقد جَمَع "العينين" هنا لضرورة القافية، وجَرْيًا مع الاستعمال الدارج في العامّيّة. أو استعماله "مُتُون"، بدل "متنَين"، في قوله:
ثُمَّ لَمَّتْ شَعْرَها المَسدُولَ مِنْ فَوْقِ المُتُوْنِ [8]

ونحو هذه من الاستعمالات التي تجاري محكيَّ اللغة. هذا فضلاً عن استعمالاتٍ عاميّة خالصة في بعض النصوص، يحاكي بها لغة الناس اليوميّة، كما في قصيدة «رنين وأنين» [9]، مثلاً.
وفي مجال الموسيقى الشعريّة، يُلحظ ثراء التنوّع الموسيقيّ لدى الشاعر. فلقد استخدم معظم البحور الشعريّة، ونَظَمَ على شتّى القوافي، وزاوَج بينها ونوّع. وكان بذوقه يُلبِس الوزن القديم خفّةً تُذهب عنه غُلواء الجَرْس، حتى إنه في استخدامه البحر المديد مثلاً- وهو من بحور استثقلها القدماء وتخفّفوا منها- يستعمل منه محذوف العَروض والضرب مخبونهما، في قصيدة "لوحة من بلدي" [10]، فيأتي وزنه في غاية العذوبة والانسياب.
أمّا إذا تجاوزنا جانب العَروض من البناء الموسيقي، فسنقف على وعي الشاعر بما للغة الشِّعريّة من صنعةٍ خاصّة، وذلك من خلال احتفائه، غير المتكلّف، بموسيقى الشِّعر الداخليّة. وظاهرة الموسيقى الداخليّة لديه كانت تُضفي على شعره غنائيّة عذبة، حتى في قصائد المناسبات، كقصيدة "في رحاب الشمال" [11]، على سبيل المثال. كما تمكن الإشارة إلى مثال آخر واضح أيضًا في توظيف صوت (الفاء) في آخر نصٍّ بعنوان "مواقف متوهجة"، وما أدّاه هناك من وظيفة إيحائيّة في تصوير التغيّر والتصوّح، الذي جاء النص معبّرًا عنه. في قوله:

بَدَأَتْ تَسْقُطُ في الأَرْجَـاءِ أَوْرَاقُ الخَرِيْـفْ
وتَوَارَتْ رَوْعَةُ النَّضْرَةِ في الوَادِيْ الرَّفِـيْفْ
وذَوَى الغُصْنُ وماتَ العُشْبُ والظِّلُّ الوَرِيْفْ
واخْتَفَى الطَّلُّ وجَفَّ النَّهْرُ أَفْنَـاهُ النَّزِيْـفْ
وفَحِيْـحٌ مِنْ هُبُوْبِ الرِّيْـحِ يَغْتَالُ الحَفِيْفْ
وصَدَى بُـوْمٍ وغِيْـلانٍ وأَشْـباحٌ تُخِيْـفْ
هَمْهَمَاتٌ أَحْدَثَتْ في قَلْبيَ القاسـيْ الوَجِيْفْ
فاستحالَتْ ذِكْرَياتُ الأَمْسِ كالطَّيْفِ الطَّرِيْفْ
وبقايا الحُبِّ صارتْ غَيْمَـةً في يومِ صَيْـفْ
وغِنَاءُ البُلْبُلِ النَّاعِـمِ في الدَّوحِ الكَثِيْـفْ
كنَعِيْقٍ مِنْ غُرَابٍ صَاحَ بالصَّوْتِ العَنِيْـفْ [12]

وعلى صعيد الصورة الشِّعريّة ظلّ الشاعر أقرب إلى المحافظة على التقاليد الفنّيّة، ضمن أنماطها الحديثة. حتى إنه في غَزَله قد يميل إلى وصف التجربة الواقعيّة بشكلٍ مباشر. بل لقد عَبَّر في بعض نصوصه الشِّعريّة- كما ورد في مقابلةٍ معه- عن موقفه النقديّ والثقافيّ الحادّ من التحديث في الشِّعر، حسب التيارات المعاصرة. ولذلك لم يكن مُسْتَغْرَبًا أنْ لم يكتب قصيدةً تفعيليَّة قط. فبقيَ أمينًا لبيئته المعرفيّة الأُولَى وانتمائه التراثيّ الخالص.

جاءت الأغراض الشِّعريّة التي نَظَم الشاعر سلمان بن محمّد الفَيفي فيها من التنوّع بحيث شملت: السياسيّ، والوطنيّ، والعاطفيّ، والاجتماعيّ، إلى غيرها من المجالات. ولا غرو، فشِعره نتاج قرابة أربعين سنة من الشِّعر. مع أني لا أشكّ في أن الشاعر قد ضيّع من نتاجه ما يُعادل ما أَبْقَى، وربما أكثر؛ إذ لم يكن مهتمًّا بجمع شِعره في ديوان. يدلّ على هذا مثلاً عثوري مؤخّرًا على قصيدة له، لم تكن لديّ حين جمعتُ ديوانه، بعنوان "أهلاً وسهلاً"، نُشرتْ (الأحد 20 ذي الحجّة 1393هـ= 13 يناير 1974م، في العدد 801 من جريدة "الجزيرة"، ص4)، وأُعيد نشرها (الجمعة 9 ربيع الأول 1430هـ= 6 مارس 2009م، العدد 13308، ص40)، فيما تعيد الجريدة نشره من أعدادها القديمة في صفحة "زمان الجزيرة"، ومطلعها:

أهلاً حللتمْ ضيوفَ المجدِ والشِّيَمِ

سهلاً وطئتمْ ضيوفَ العِزِّ والشَّمَمِ

وقيل في مناسبتها إنه "لمّا تفضّل حضرة صاحب السموّ الملكيّ الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزير الدفاع والطيران المفتّش العام للقوات المسلّحة بزيارة فضيلة رئيس محاكم الحدود الشماليّة الشيخ أحمد بن علي العمري، أثناء زيارته لمنطقة عَرْعَر، قال الأستاذ سلمان بن محمّد الفيفي المدرس بمعهد عَرْعَر العلميّ هذه القصيدة، وألقاها في بيت فضيلته ترحيباً بسموه الكريم في هذه المناسبة الكريمة. [13]

صحيح أن هذه القصيدة ما هي إلاّ قصيدته "سُلطان والجيش [14]، الواردة في مجموعته التي قمتُ بنشرها، ولكن الشاعر قد عدّل في القصيدة كثيرًا، ولم يكن ذلك الأصل القديم بين يديّ حين قمتُ بجمع قصائده.

وللمكان حضوره الفطريّ في بنية المخيّلة الإنسانيّة، حتى لقد ذهب جاستون باشلر [15] إلى أن "الأماكن التي مارسنا فيها أحلام اليقظة تعيد تكوين نفسها في حُلم يقظة جديد." وهذا يعني أن ذاكرة الأماكن تظلّ تتشكّل وتشكّل نفسيّاتنا وخيالاتنا مدى الحياة. ولئن كانت نظريّة باشلر في "شِعريّة الفضاء المكانيّ"- التي تأتي في سياق النقد الوقائعيّ [16] تَصْدُق على علاقة الإنسان بالمكان بعامّة، من حيث إن العلاقة بالمكان تنشأ بالضرورة وتنمو لدى الناس كافّة، فإنها لتتجلّى في الأدب على نحو خاصّ بوصفه رسول الذاكرة والنفس والمخيّلة.

ولقد كانت مخيّلة المكان مَنْجَمًا صاحَبَ مخيّلة الشاعر العربي دائمًا، بطبيعة الفضاء الصحراويّ أو الريفيّ الشاسع اللذين يضطرب فيهما، واضطراره إلى الترحّل المستمرّ من مكان إلى آخر، وذاك ما تجلّى قديمًا لدى شعراء العربيّة، في الوقوف على الأطلال مثلاً وبكائها، وفي وصف الصحراء، والطبيعة بعامّة. على أنه يلفت النظر في الشِّعر الحديث على وجه الخصوص استثمارُ عناصر المكان في كثافةٍ من التوظيف الواعي، بوصف تلك العناصر معادلات تعبيريّة عن لحظات شِعريّة، تأخذ موقعها من جغرافيّة النصّ.

للأماكن مكانتها الملحوظة في معجم الشاعر سلمان بن محمّد الفَيفي، بدءًا من عنوان مجموعته "مرافئ الحُبّ"، وهو في الأصل عنوان إحدى قصائده، واستشفافًا من عنوانات قصائده، ذات الدلالة في هذا السياق- وهي من اختياره هو لا من اختيار المحقّق، إذ ينتقيها الشاعر معبِّرةً عن موضوعات القصائد، من مثل: "في رحاب الشَّمال"، "مِنْ عَبَقِ الشَّمال"، "ما هكذا كنتِ يا بغـداد"، "لوحةٌ من بلدي"، "معالم النهضة المباركة"، "صرحٌ على صدر السماء"، "معهد الخَشْعَة"، "عَرْعَر والقـَدَر"، "على شاطئ الأخطار"، "قصر مُشْرِف"، "السؤال والارتحال"، "إيحاءٌ من خَيْرَان"، "خازن الماء"، "بُدينة والثمامة"، "مسجد القدس"، "فَيفاءُ متَّكأ النجوم"، "بلادٌ تحضن الشمس"، "جَدبٌ وسراب"، "ظهران الجنوب"، "بيروت"، "نشيدٌ في شفاه الكون". [17] وتجدر الإشارة هنا إلى أن عنوان النصّ في الدراسات النقديّة الحديثة يُعدّ ممّا يسمى بـ"النصوص الموازية"؛ من حيث هو أوّل علامة على طريق التلقّي، ومفتاحًا سِيْمَوِيًّا يختزل بنية النصّ وكُنهه في كلمةٍ أو بضع كلمات. ولذا سَلَكَه جيرار جنيت في كتابه "عتبات" ضمن مفهومه عن "النصّ الحاشية". ومن ثمّ تبلور في الدراسات النقديّة الحديثة ما بات يُعرف بـ"عِلْم العَنْوَنَة". [18] فلعمليّة العنونة إذن تلك الدلالة الجوهريّة على سائر العمل. وعليه، فإن بإمكان الدارس أن يستنتج من مؤشرات العناوين في قصائد الشاعر محلّ الدراسة أنه كان مسكونًا بالمكان، وكأنما المكان هو جَرَس الشِّعر الأوّل في نفسه. فإذا تركّز النظر على مدينة عَرْعَر نموذجًا، ألفينا الشاعر قد تجسّدت لديه المدينة فتاةً، ذات "حشا"، كما في قصيدته "في رحاب الشَّمال"، غانية، تفوح عطرًا، وتُغنّي أندى الألحان:

في حَشـا عَرْعَـرٍ تحلُّونَ أهلاً***رَحَّـبَ السَّهْلُ والرُّبَى والفَضاءُ

فاحَ منها القَيْصُوْمُ والشِّيْحُ لمّا***جاءَها الحَظُّ والمُنَى والرَّجـاءُ

ردَّدَتْ مِنْ نَدَى التَّرَنُّـمِ لَحْـنًـا***حَمْدَلَتْ حِـيْنَ رامَها العُلَمـاءُ [19]

وهو لا يستحضر المكان اسمًا مُؤنسَنًا، أنثويًّا، بحشاه، وسهلِه، ورُباه، وفضائه فحسب، ولكنه يشفع ذلك أيضًا بما يناسب ذلك من رائحة الجسد الجماليّ، الذي استثاره فيه اسمُ "عَرْعَر"، محتفلاً بعُرس ذلك الجسد، إذ يفوح منه القيصوم والشِّيح. والقيصوم، كما جاء في معاجم اللغة، وكما يعرفه الناس: ما طال من العشب، وهو من نبات السهول، كما عبّر الشاعر عن مكانِهِ من الطبيعة في البيت الأوّل بـ"السَّهْل". وقد وصفه أَبو حنيفة الدينوريّ بقوله: القَيْصُوم من الذُّكور ومن الأَمْرار، وهو طيّب الرائحة من رَياحين البَرّ، وورقه هَدَب، وله نَوْرَةٌ صفراء، وهي تَنْهض على ساق وتطول [20]. والشِّيح كذلك، نبات سهليّ، وهو من الأمرار، له رائحةٌ طيّبة وطعمٌ مُرّ، وهو مرعًى للخيل والنَّعَم، ومنابته القيعان والرياض. [21] على أن الرُّبَى منابتُ للشِّيح كذلك، كما يعرف الشاعر من موطنه في جبال فَيفاء. ولقد قالت العربُ لمن خلُصتْ بدويّته: فلانٌ يمضغ الشِّيحَ والقيصوم. [22]

يستحضر الشاعر سلمان بن محمّد الفَيفي المكان اسمًا مُؤنسَنًا، أنثويًّا، بحشاه، وسهلِه، ورُباه، وفضائه فحسب، ولكنه- كما في قصيدته "في رحاب الشَّمال" [23]- يشفع ذلك أيضًا بما يناسب ذلك من رائحة الجسد الجماليّ، الذي استثاره فيه اسمُ "عَرْعَر"، محتفلاً بعُرس ذلك الجسد، إذ يفوح منه القيصوم والشِّيح. ثم يُردف عطر العروس بمحفل الترنّم والغناء. وهكذا يتبدّى ما يستثيره المكان من جماليّات في شِعر شاعرنا، تشمل الإنسان، والأرض، والنبت، وتُزاوج بين الروح والجسد، وتخاطب صورُها حواسَّ التلقّي المتعدّدة، من: بَصَرٍ، وشَمِّ، وسمع.

وهو جمالٌ في المكان وفي الطبيعة، ولكنّ مردّه إلى جمال الإنسان؛ من حيث إن الإنسان هو مصدر الجمال، فهو مَن بإمكانه أن يُضفي على المكان جمالاً أو قُبحًا. وهذه الفكرة هي فحوى ما قال به الفيلسوف الألماني (إدموند هوسرل Hussrel، -1938)، مؤسّس المدرسة الفينومينولوجيّة/ الوقائعيّة في النقد، حينما طرح نظريّته في أوائل القرن العشرين القائلة: إن المعرفة الحقيقيّة بالعالم لا تتأتّى بتحليل الأشياء، كما هي خارج الذات (نومينا)، وإنما بتحليل الذات ذاتها في تعرّفها بالعالم، أي بتحليل الوعي وقد استبطن الأشياء فتحوّلت إلى ظواهر (فينومينا)؛ ذلك أن الوعي لا يستقلّ، وإنما هو "وعيٌ بشيءٍ ما". [24] وهو ما لعلّ الشاعر إيليا أبو ماضي، مثلاً، حاول التعبير عنه شعريًّا من قصيدته "فلسفة الحياة" [25]، بقوله:

والذي نفسُـه بغير جَمالٍ

لا يرى في الوجودِ شيئًا جميلا

أيهذا الشاكي وما بكَ داءٌ

كُن جميلاً، ترَ الوجودَ جَميلا!

وكما أن قِيَم الأشياء الجماليّة لا تكمن في الأشياء ذاتها بل في تفاعل الإنسان بها ومعها، فإن ذلك التفاعل لا يتولّد عن فراغٍ من التفاعل الإنسانيّ الإنسانيّ؛ لأن المكان إنما يكتسب جمالاً في نفوسنا لجمال أُناسٍ فيه نحبّهم، أو لذكرى عشناها فيه، أو إحساس إنسانيّ ابتعثه فينا. وهو ما أدركه مجنون ليلى [26] في قوله:

وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفنَ قَلبي

وَلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيارا

تلك الجدليّة الجماليّة المتعلّقة بالمكان هي ما نجده في قصيدة شاعرنا سلمان، وقد صوّر عَرْعَر غانيةً فاتنةً، وعروسًا تزيّنت في استقبال فارسها، إلاّ أنه خشيَ أن قد يُقال فيها ما لا يرضاه آتيها، كالقول ببَرْدها: "برد الشَّمال". فجعل يصوّر البَرْدَ فيها دفئًا؛ بدفء المشاعر في أهلها، على قاعدةٍ من أسرار الشعور بالجمال، حين تُغيِّر الطبيعة طبيعتها، فتقلب أجواءها كلّها جمالاً وحبًّا، أو بالأحرى يصبح إحساسنا نحن بها كذلك:

لا تخافوا بَرْدَ الشَّمالِ ، ففيهـا *** يُوْجَدُ الدِّفْءُ والنَّدَى والصَّفاءُ

أو تقولوا : "بَعِيْدَةٌ" ، لا بَعِيْـدٌ *** عندنا اليومَ والطريقُ السَّمـاءُ!

ويحكي الشاعر، في قصيدة أخرى بعنوان "من عَبَق الشَّمال" [27]، بداية تعلّقه بتلك المعشوقة المدينة. إلاّ أنه قبل ذلك يصوّرها وقد استحالت عن طبيعتها إلى طبيعة أخرى. وتلك جماليّات المكان حين تُنتج جماليّات الشِّعر في النفس والمخيّلة. إنها غانيةٌ من النساء تارة:

وفينانـة فيهـا السَّنَـى مُتَـأَلِّقٌ *** يَمُدُّ شُعاعَ اليُمْنِ في الأُفُـقِ الرَّحْـبِ

على جِيْدِها عِقْدُ الوَفـاءِ مُرَصَّعٌ *** بواسِطَـةٍ لمـَّاعةٍ صَنعـةِ الــرَّبِّ

ثم تتحوّل إلى سفينة، ويتحوّل محيطها من الرّمال إلى محيطٍ من الماء:

نَمَتْ في محيطِ الرَّمْلِ مَدَّتْ شِراعها *** يبـاري هُبُوْبَ الرِّيْحِ بالخَيْرِ والخِصْبِ

يَشُقُّ بهـا رُبَّانُهـا المَـوْجَ رافعـاً *** شِـعارَ الوَفا والودِّ والـذَّوْدِ والحَـدْبِ

وهكذا يُخلِّق الإحساسُ بالمكان معادلاته الموضوعيّة وبناءه الشِّعري الموازي. وما أن يقول "نَمَتْ في محيط الرّمل"، حتى تقفز به مفردة "محيط الرمل" إلى الصورة الأخرى: "سفينة ذات ربّان يشقُّ بها الموج في محيط البحر". إنها إملاءات المكوّنات المكانيّة: (محيط، رمل، ريح، سفينة صحراء)، متضافرةً مع نظائرها اللغويّة وتداعياتها الدلاليّة، ما يقفز بمخيّلة الشاعر من صورة إلى صورة، ومن طبيعة إلى طبيعة نقيضة. وتلك هي بوتقة التفاعل في الكيمياء الشعريّة: إحساسٌ بالعالم الخارجيّ منعكسًا على العالم الداخليّ، ولغةٌ تأخذ الجناحَ الشِّعري بإيحاءاتها وإيماءاتها. والشاعر هو ذلك الكيميائيُّ الماهر في تجهيز المقادير اللغويّة، وإلاّ ظلّ إحساسه صامتًا دون تعبير، أو أغرته اللغة بمفاتنها فاحترق بها، إغراءَ الضوء للفراشة.

ومرة أخرى، تقول لنا القصيدة: إنما جمال المكان جمال الإنسان؛ فهو منبع الجمال ومصبّه:

تُموسِـقُ أزهـارَ الربيعِ قصـائداً *** وتُوْقِدُ جَمْرَ الطِّيْبِ بالمَنْـدَل الرَّطْـبِ

وتَنْسُجُ مِنْ عَـزْمِ الرِّجالِ سَـوابغاً *** وتَغْـزِلُ أفـوافـاً مُذَهَّبَـةَ الهُـدْبِ

فَتَنْـداحُ أصـداغُ الرِّمالِ حضارةً *** ويَنْثَالُ أَغْلَى التِّبْرِ مِنْ مَنْجَـمِ التُّـرْبِ

تُسَبِّـحُ مِـنْ أفـراحِها اللهَ رَبَّـها *** وقد دَفَنَتْ أتراحَها أَعْصُـرَ الجـَدْبِ

حماها مِنَ التَّعْوِيْقِ في سَيْرِها الذي *** حَمَى يُوْسُفَ الصِّدِّيقَ في وَحْشَةِ الجُبِّ

وظاهرة الأنسنة للمكان لافتة في ديوان الشاعر. وتأتي مؤكِّدة أن المكان في شِعره ليس وصفًا خارجيًّا، أو نقلاً لألوان الطبيعة وأشكالها، وإنما هو تفاعلٌ حيّ، يستبطن الشاعرُ المكانَ فيه، فيضطرّ إلى تحويله إلى إنسانٍ؛ كيما يتسنّى له معه الحوار والمباثّة. وفي مثل هذه الحال لا تغدو القراءة في شِعره قراءة لصورة المكان في شِعر، وإنما لصورة المكان في نفس شاعر، أو بالأحرى صورة شاعرٍ من خلال مكان، بما شكّله من وعيه وما أملاه عليه من رؤيةٍ شِعريّة.


ظاهرة الأنسنة للمكان لافتة في ديوان الشاعر سلمان بن محمّد الفَيفي. وتأتي مؤكِّدة أن المكان في شِعره ليس وصفًا خارجيًّا، أو نقلاً لألوان الطبيعة وأشكالها، وإنما هو تفاعلٌ حيّ، يستبطن الشاعرُ المكانَ فيه، فيضطرّ إلى تحويله إلى إنسانٍ؛ كيما يتسنّى له معه الحوار والمباثّة. وفي مثل هذه الحال لا تغدو القراءة في شِعره قراءة لصورة المكان في شِعر، وإنما لصورة المكان في نفس شاعر، أو بالأحرى صورة شاعرٍ من خلال مكان، بما شكّله من وعيه وما أملاه عليه من رؤيةٍ شِعريّة.

ويأتي الشاعر في قصيدته بعنوان «من عَبَق الشَّمال» [28] إلى حكاية التقائه بمدينة عَرْعَر، أو بلدة عَرْعَر، إذ لم تكن فيها من مقوّمات المدينيّة إذ ذاك ما تصحّ عليه هذه التسمية «مدينة»:

وليْ فـي بِداياتـِيْ وفيها حكايـةٌ
أُمَتِّعُ نفسـيْ مـِنْ تباريحِهـا دَأْبـي
فما إنْ بَدَا ليْ رَسْمُها، قُلْتُ: بُعْدُها
كبيرٌ، وبـيْ منها كثيـرٌ مِنَ الرُّعْـبِ
ووجَّهْتُ باسمِ اللهِ رَكْبيْ تجاهَـهـا
وأَسْأَلُ نفسيْ: أينَ مُتَّجِـهٌ رَكْبِـي؟!
ومَنْ كان يَهْدِيْنِيْ لأَكنافِ عَرْعَرٍ؟!
وكنتُ على بيدائهـا تائـهَ الـدَّرْبِ
ولكنْ، وفي وقـتٍ قصيرٍ، أَلِفْتُهـا
وأَصْبَحْتُ أَدْعُوْهَـا بمُتَّكَـإِ الجَنْـبِ
رَبِيْبٌ لها بِضْعاً وعِشريـنَ حِجَّةً
أهِيْمُ بها عَصْمَاءَ مَعْشُوْقَـةَ القَلْــبِ
ولا عَجَبٌ أَنِّي تَوَطَّنْتُ ظَهْرَهـا
تألَّفْتُهـا جِـدًّا فـأَصْفَيْتُـها حُبِّـي

إنها تلك الأنثى الأعرابيّة، أو الظبية العصماء، التي فتنتْ شاعرَ الريف والجبال، فتنةَ الثقافة، والتراث، والمكان في آن. فلقد كان عِشقُ الشاعر عَرْعَر- في جانبٍ منه- عشقًا للصورة الأدبيّة عن الصحراء والعرب، منذ الشِّعر الجاهليّ، وذلك ميدانه الثقافيّ والتخصّصيّ. ولكنّ عِشْقًا آخر- إلى جانب ذلك- للمكان نفسه وأهله، بما يمنحانه من شعورٍ بفضاء روحيٍّ رحب، ودماثة حياةٍ وخُلُق. فكان الشاعر يُحِبّ عَرْعَر حقًّا، وليس ما يعبّر عنه في قصائده من دواعي التعبير الشِّعريّ فقط، أو مراعاةً لمقتضى المناسبة الشِّعريّة. ولذلك أفرد للتغنّي بهذه المدينة قسطًا من شِعره، ما كانت تستدعي التفصيل فيه موضوعات القصائد بالضرورة، لولا أن المكان كان قد بات من محرّكات الجمال في نفس الشّاعر لدى إنشائه النصّ.

ثم نقرأ من القصيدة:

وعَرْعَرُ في البيداءِ غَـــرَّاءُ حُــرَّةٌ
تَشُقُّ المَدَى بالعَزْمِ في المَرْكَبِ الصَّعْبِ
تُشَمِّرُ منْ مِضْمارِها يَعْرُبِيَّــــــةً
مُحَجَّلَةً مَوَّارَةً فَـذَّةَ الوَثْــــــبِ
بَنَتْ مِنْ حُبَيْباتِ الرِّمالِ مآثِـــــراً
على صَدْرِها تَخْتالُ راسِخَةَ الكَعْـــبِ
حَلَتْ منْ سُمُوْطِ العاشقينَ قلائــــداً
على جيدِها تَسْبِيْ اللَّبيبَ وقد تُصْـبي
وفي شمسِها ظِلٌّ وفي بَرْدِها دَفـــًا
وفي روضِها الأنسامُ تُغْني عن الطِّبِّ
ويسألُنيْ قوميْ لماذا عشقتَهـــــا
فقلتُ: لها سِـــرٌّ معَ المُدْنَفِ الصَّبِّ
فقالوا: وهل فيها منَ الحُسْنِ مَطْمَــعٌ
فقلتُ: أَرَى فيها سَنَى الشَّرْقِ والغَرْبِ
على خَدِّها قُبْلاتُ عِشْقٍ سَكَبْتُهــــا
وكَحَّلْتُ مِنْ ذَرّاتِها طُـرَّةَ الهُـــدْبِ
وإنْ غِبْتُ عنها ضَجَّ بيْ الشَّوْقُ والهَوَى
إذا كُنْتُ مدفوعــاً إليهـا فما ذَنْبِي؟!
ورَبِّكَ إنْ جادَ الرَّبيعُ تَزَيَّنَــــــتْ
بأزهارِها العذراءِ فَتَّانَةً تَســـْبِي
وليس بعيداً أنْ تَكُوْنَ رِحَابُهـــــا
ظِلالاً ونَلْهُوْ في حدائقِها الغُـــلْبِ

وهكذا، يتردّد نمط هذه الصورة؛ فعَرْعَر هي المعشوقة، الغرّاء، الحُرّة. وإذا كانت قد بدت للشاعر سفينة تشقّ موج محيطها في صورة من شِعره، فإنها هنا، في صورةٍ بديلةٍ، شبيهةُ فرسٍ يعربيّة مشمّرة في مضمارها، موّارة بالجمال والحُلَى. أمّا الطبيعة فلا معنى لها إلا بمقدار ما يمنحها الحُبّ من المعاني، فالشمس قد تُضحي بالحُبّ ظِلاًّ، والبردُ قد يمسي دفئًا، والهجير روضًا من الأنسام تُغني من الطِّبّ. إنه سِرّ المكان الذي يدير عليه الشاعر حواره مع قومه حين يسألونه عن سِرّ ذلك العِشق، ولاسيما من شاعرٍ وُلد بين جمال الطبيعة منذ الطفولة، فإذا هو يُؤْثِرُ بلدةً صحراويّة كعَرْعَر على بلدةٍ غنّاء كفَيفاء. وتلك مذاهب العِشق، التي تحدّث عنها مجنون ليلى في "حُبّ الديار"، ومذاهب الشِّعر حين يبوح بما فعله المكانُ الإنسانُ بالإنسان. ولقد كان حُبّ الشاعر عَرْعَر صادقًا، لم تحمله عليه الضرورةُ، اللهم إلاّ في بداية الأمر، ولم يكن الإلف وحده ما طوّع ذاته لتقمّصه، بل هي حاجاتٌ نفسيّة وروحيّة، ذلك أن للأمكنة أسرارها كما للناس. وشاعرنا كان في سيرته وفي شِعره يضجّ بحُبّ عَرْعَر، وظلّ يحنّ إليها طيلة عمره. إنه الحُبّ القَدَر، كما تجسّد في قصيدة له عنوانها "عَرْعَر والقَدَر" [29]، يحكي فيها تاريخ عَرْعَر، كما عاصرها:

كانتْ ابياتاً مِنَ الشَّعَـــرِ
تحتَ أمـواجٍ مِنَ الغَـبَرِ
فَوْقَ سَطْحِ القَفْرِ نائمــةً
فَوْقَ صَدْرِ الرَّمْلِ والكَدَرِ
في تُخُوْمِ الأرضِ جاثِـمَةً
في عُبُوْسِ اللَّيْلِ والضَّجَرِ
في لَهِيْبِ الصَّيْفِ- مُتَّقِداً-
تَنْفُـثُ الأرواحَ مِنْ سَقَـرِ
والجَمادِ القرِّ- مُنْعَقِــداً-
زَمْهَرِيْــرٌ بالـغُ الأَثَـرِ
جاهَدَتْ و الخَوْفُ يَسْكُنُها
وانْبَرَتْ في مَوْعِدِ القَـدَرِ
وإذا الأَهْوالُ ذاهِبَــــةٌ
وإذا الأَرْزَاءُ في خَــوَرِ
مَنْ رآها بَعْدَ مـا بَلَغَـتْ
دُرَّةً مِنْ أَنْفَــسِ الدُّرَرِ
لـم يُصَـدِّقْ أَنَّـهـا بُنِيَتْ
فَـوْقَ هامِ الرِّيْحِ والعَفَـرِ
دِيْرَةٌ طابَــتْ لِقَاطِنِهــا
مِنْ بَنِيْ قَحْطانَ أو مُضَـرِ
أَظْهَــرَ الوَادِيْ مَفَاتِنَـهُ
تَاهَ بالإِسْــكَانِ والجُسُـرِ
 
عَرْعَرَ البَيْدَاءَ يا بَلَــداً
أَصْبَحَتْ مِنْ أَنْصَــعِ الغُـرَرِ
عَرْعَرٌ سَارَتْ على عَجَلٍ
في ثِيَـابِ الـدَّلِّ والخَـفَــرِ
دِيْرَةٌ جَاشَتْ بِنَهْضَتِهـا
زَمْجَــرَتْ بالمَـدِّ لا الجَـزرِ
سُـوْقُها فاضَتْ مَوارِدُهُ
بنَمِـيْرِ الـوِرْدِ والصَّــدَرِ
 
قادَها شِبْلٌ مِنَ الجَلَوِيْ
مُسْـتَنِيْـرُ الرَّأْيِ والبَصَــرِ
حاسِمٌ في كُلِّ نائِبَــةٍ
مِثْلُ حَـدِّ الصَّــارِمِ الذَّكَــرِ
جاءَها واللَّيْلُ مُعْتَكِـرٌ
فانْتَشَــتْ جَذْلَـى بمُنْتَـظَـرِ
مِثْلَ أُمٍّ "زَغْرَدَتْ" فَرَحاً
بوَلِيْــدٍ عَـادَ مِنْ سـَـفَـرِ
هَلَّلَتْ واللهُ أَنْقَذَهــا
مِنْ حَيـاةِ البُـؤْسِ والخَطَـرِ
والرِّمَالُ الحُمْرُ أَبْدَلَها
جَـنَّـةً للبَـدْوِ والحَضَـــرِ
مدينة عَرْعَر نموذجًا

[1يمكن متابعة تفاصيل عن تلك الأمسية على موقع النادي: http://www.adabinorth.org

[2البقعة المركزيّة من جبل آل أبي الحَكَم في فَيْفاء، حيث كان منزل الشاعر والمدرسة التي تلقّى تعليمه الأوليّ فيها.، جبل آل بِلْحَكَم (أبي الحَكَم)

[3منطقة جبليّة، في جنوب المملكة العربيّة السعوديّة، شرقيّ مدينة جازان. تقطنها قبائل تعود في نَسَبها إلى خَولان بن عمرو بن الحاف بن قُضاعة.

[4أسّسه الوالد الشيخ أحمد بن علي بن سالم الفَيفي، في جبل آل أبي الحَكَم، سنة 1373/ 1374هـ. وكان مَدْرَسَة للبنين والبنات، استمرّ عمله إلى آخر سنة 1377هـ، وخرّج عددًا من المتعلّمين والمتعلّمات. وفيه أسّس الوالد أوّل مدرسة للبنات في تاريخ فَيفاء، قبل التعليم النظامي للبنات في المملكة. وكان من مدارس المنطقة التي حظيت برعاية الشيخ عبد الله القرعاوي..

[5الشيخ عبد الله بن محمّد بن حَمَد القرعاويّ: مُصْلِح دينيّ، يُنسب إلى قرية القرعا شماليّ بريدة بالقصيم، وُلد سنة (1315هـ= 1898م). قَصَد تهامة 1358هـ، فأنشأ المدارس في سامطة وما جاورها، وأعان على إنشائها، وامتدّت مدارسه إلى عسير. توفي بالرياض سنة 1389هـ= 1969م. (يُنظر: الزركلي، خير الدين، الأعلام، (بيروت: دار العلم للملايين، 1984)، 4: 135).

[6الفَيفي، سلمان، (2007)، مرافئ الحُبّ، تح. عبدالله بن أحمد الفَيفي (جازان: النادي الأدبي)، 176.

[7م.ن، 269.

[8م.ن، ١٧٦.

[9م.ن، 269.

[10م.ن، 72.

[11م.ن، 42.

[12م.ن، 187- 188.

[14الفَيفي، سلمان، (2007)، مرافئ الحُبّ، تح. عبدالله بن أحمد الفَيفي (جازان: النادي الأدبي)، 219.

[15كتاب باشلر بالفرنسيّة هو: Bachelard, Gaston, (1957), La Poétique de l éspace, (Paris: Ed Puf) ، والنص مقتبس من ترجمته إلى العربيّة: (1980)، جماليّات المكان، تر. غالب هلسا (بغداد: دار الحريّة)، 44.

[16تُرجم المصطلح في العربيّة إلى (النقد الظاهراتيّ)، جمع ظاهرة، وأجد هذا المصطلح ملبِسًا، موهِمًا. وPhenomenon تعني: حقيقة، أو حادثة، أو صورة تلفت الانتباه وتجذب الاهتمام، وبالجُملة: واقعة ما مؤثّرة. ولذا أرى الأقرب إلى دلالة المصطلح في الحِسّ العربيّ أن يقابَل بـ: "النقد الوقائعيّ"، جمع: واقعة؛ لأن هذه المفردة أدلّ على التفاعل بين الذات ومحيطها وأحداث ذلك المحيط، فيما كلمة "ظاهرة" يتركّز إيحاؤها على جانب صوريّ من الرؤية، أو على حيّز اجتماعيّ من النظر. ويعني النقد الوقائعيّ: ذلك النقد الذي يَسْبُر وعيَ الذات المبدعة بحراك العالم من حولها، من أشياء وأحداث. (وانظر في هذا مثلاً، الرويلي، ميجان، سعد البازعي، (1995)، دليل الناقد الأدبيّ، (الرياض: العبيكان)، 149- 152).

[17في سياق الحديث عن الأمكنة، أشير إلى أنني قد أوردتُ في الحلقة الأولى من هذه الدراسة اسم (سامطة) بالسين، فلحظتُ أن الاسم عُدّل في ما نُشر في "الجزيرة" إلى (صامطة). ولم يكن إيرادي الاسم بالسين عن سهو، بل لأن اسم سامطة: بالسين لا بالصاد، على الراجح. ذلك أن السامِطَ في اللغة: الماءُ المُغْلَى، الذي يَسْمُطُ الشيءَ، أي ينتفه. إلاّ أن أهل تلك المنطقة يستعملون صفة "سامط" للبارد- كما في لهجة فَيْفاء مثلاً- وكأن الكلمة بذاك من الأضداد. ولا غرو فقد ورد في العربية: سَمَطَ اللبنُ يَسْمُطُ سَمْطاً وسُمُوطاً، أي ذهبتْ عنه حَلاوةُ الحلَب ولم يتغيّر طعمه, وقيل: هو أَوّلُ تَغَيُّرِه, وقيل: السامِطُ من اللبن الذي لا يُصَوِّتُ في السِّقاء لطَراءتِه وخُثُورَتِه. ووراء هذا الوصف للبن- على كل حال- أنه قد بَرَدَ أو سَمَط. وبين معنيَي البرودة والحرارة في كلمة "سَامِط" عنصرٌ دلاليّ مشترك هو ما تُحْدثه شدّةُ الحرارة أو البرودة من "سَمْطٍ" للجلْد ومَرْطٍ له، بإزالة ما على ظاهره. أمّا "السّامِطُ" بمعنى: "الصامت"، الذي يشير إليه (ابن منظور، (د.ت)، لسان العرب المحيط، إعداد: يوسف خيّاط (بيروت: دار لسان العرب)، (سمط))، فواضح أنه ليس في الأصل إلاّ لهجة تُنطق فيها التاء طاءً. ومن هذا يُستنتج أن (سامطة) اسم وصفيّ لتلك البلدة في جازان. إلاّ أن أهل تهامة عادة ينطقون السين صادًا في كثير من الكلمات، فيقولون مثلاً "صَيّارة"، بدل "سَيّارة"، وكذلك: "صامطة" مكان "سامطة". وهكذا يكتبون الكلمة أحيانًا، ومنهم (العقيلي) في كتبه، كـ(المعجم الجغرافي للبلاد السعودية- مقاطعة جازان (المخلاف السليماني)، (الرياض: دار اليمامة، 1979)، ص247 (صامطة))، على أنه لم يفسّر هناك الاسم، وإنما اكتفى بأن ذكر أنه اسم لم يُعرف قديمًا، مع أنه قد قال في كتابه (التاريخ الأدبي لمنطقة جازان، (نادي جازان الأدبي، 1990)، ص1634)- شارحًا أحد الأبيات: "رياح سامطة: أي باردة، بلهجة جهتنا". وعليه إذن، فالصواب: (سامطة) بالسين، كأن الاسم إشارة طقسية إلى طبيعة المناخ في (سامطة).

[18انظر: الفَيفي، عبدالله، (2005)، حداثة النصّ الشِّعريّ في المملكة العربيّة السعوديّة (قراءة نقديّة في تحوّلات المشهد الإبداعيّ)، (الرياض: النادي الأدبي)، 15- 000.

[19الفَيفي، سلمان، (2007)، مرافئ الحُبّ، تح. عبدالله بن أحمد الفَيفي (جازان: النادي الأدبي)، 42.

[20انظر: ابن منظور، (قصم).

[21انظر: ابن سيده، (1971)، المحكم والمحيط الأعظم، تح. إبراهيم الإبياري، (القاهرة: مصطفى البابي الحلبي)، (شيح).

[22انظر: الزمخشري، (1982)، أساس البلاغة، تح. عبدالرحيم محمود: (عرّف به: أمين الخولي)، (بيروت: دار المعرفة)، (قصم).

[23انظر: الفَيفي، سلمان، (2007)، مرافئ الحُبّ، تح. عبدالله بن أحمد الفَيفي (جازان: النادي الأدبي)، 42.

[24انظر: الرويلي، ميجان، سعد البازعي، (1995)، دليل الناقد الأدبيّ، (الرياض: العبيكان)، 149.

[25(د.ت)، ديوان أبي ماضي، (بيروت: دار العودة)، 604، 606.

[26(1994)، ديوان مجنون ليلى، شرح: يوسف فرحات (بيروت: دار الكتاب العربي)، 113.

[27الفَيفي، سلمان، 54- 56.

[28الفَيفي، سلمان، (2007)، مرافئ الحُبّ، تح. عبدالله بن أحمد الفَيفي (جازان: النادي الأدبي)، 54- 56.

[29م.ن، 111- 114.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى