الأربعاء ٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم رحاب عثمان شنيب

الفستــان الأبيــض

ماتت نعـــم ماتت في ثيــابهــا البيضاء، كانت تتوســـل لأمــها بأن ترتدي الفستـــان الأبيـــض، كانــت قــد نزفـــــت شــــوقا ً لارتداء هــــذا الفستــــان الأبيض، غمـرتني هذه الكلمـــــات بنفس الشـــــوق وبمــزيج ٍ من الألـــــم والخوف، قالت صديقتي بأنها كـانت جميلة رائعة ووديعــــة وظلت تسرد لي عن جمالها تارة ً وعن حسن خلقها تارة ً أخري، لكنهــــا ماتــت، نعم ماتـت وهـي أسيــرة حلــم كــان يأسـرهـا ويأسـرني ويأسـر صديقتي بعد.

مرصودة...... هي مرصودة

فدب الرعب في أعماقي، ألتفت يميني وشمالي، أمامي وخلفي لأبحث عن رصـــدٍ خفي، وأدركت ماذا يحــــدث أوربما ظننت أنني أدركت ماذا يحدث وأيقنت لا محالة بأنني قد رُصــدت وصاحبتي قد رُصــــدت أيضا ً.

جالت الأفكار بداخلنا فأسطردتني نفسي عابرة ً قسمات وجهي ساخـــرة ً مني فأنا لســـت جميلة ولا أحتـــاج للرصــــد وما لرصـــــد الإ بعضــــا ً من العزاء.

ظل حوارنا مليئا ً بالحكايات عن السحر والشعوذة، فجـــــارتنا كرهت زوجها ثم اكتشفا أن هناك من كتب لهـــــم السحر، وتلك تكتب لزوجـــــها فيمضي علي هواها ويفعل ما ترغب به والأهم الأهم تضمن أنه لن يتزوج مرة ً أخري، وأصبحت كلمة كتيبة تتغلغل في أعماقي فرجعت إلي عزائي القديم بأنه مكتوب لي كتيبة.

صديقتي فتاة ٌ لطيفة حالمة وبسيطة جدا ً، ظلت تحاورني ببراءة طفل يخاف البقاء في الظلمة يُخال له بأن عفريتا ً سينقض عليه وكنت ألمـح في عينيها تلك الفتـــاة ترقــص بفستانهــا الأبيض، عبرت أنا وهي إلي زمـن ٍ آخر، زمن يجمع بين الخوف والحلم، كانت دردشاتنــــا مليئة بأمل ٍ مسن ٍ يخطـــونحوالأربعين من عمره لنصطـدم بكلمة عانس فتخرق صميمنـــا ولا نجــد في نهايــة المطـاف إلا البحث عمن يفك لنـا هذا السحـــر وبدأنا نتذكر أسمـاء الشيــوخ والـرجال الصالحيـن الذيـن لســت أدري إن كانـــوا صـالـحيـــن وكلماتهــم تصــل إلي أبــواب السمــــاء أو تصــل إلــي أذان الجــن، وفي لحظــةٍ شعرنا بأن السحــرة والجـن قد أدركوا بأننا عرفناهم واكتشفنا خططهــم ، خفت وخافت صديقتي ولم يكن لنا إلا أ ن رددنـــا «نأعوذ بالله من الشيطان الرجيم.......... أعوذ بالله من الشيطا الرجيم».

كان طيف الفتـــــاة الذي رأيته في عيني صديقتي يتراقــــص في عينيّ فأطبقت علي روحي كي لا يري أحــــدا ً صورتها في أعمــــاقي وكتمت أنفاسي كي لا يسمع أحدا ً أغنيتها الحزينة إلا أن أمي كانت تراها وتسمعها جيدا ً وكان هذا الأمل البائس مغروسا ً في نبضها.

ذات يوم حدثتني أمي بإحـــــراج مفرط وبحنان يعتصره الألم وقالت لي بأن هناك امرأة تفك السحر علينا الذهاب إليها، قلت لها وأنا في حالة توتر وفي حالة تردد بين الاقتناع وعدمه:

أنا مش مجنونة.

من قالك مجنونة ؟ هذي عين جايتك... هذي عين جايتك.

ذهبت مع أمي إلي هذه المرأة العجوز وهي تقودني كما تقود حملا ً ثقيلا ً شق عليها حمله كما لم يشق عليهــا طــــوال سنين حياتها، خطوت معها وأنا أشعـــر بأني مكبلــة ً بالسحـــر والكتيبــــة والعيـن وأن الجن قد ترصدني.

نعم أنا أيضا ً مرصودة.

كنت متأكدة ً جدا ً من وجود الجن والسحر فجـــارة صديقتي كان قد سكنها الجن، ظل يتحدث بدلا ً عنها وأصبحت في حالة ٍ يرثي لها، رأتها صديقتي، نعم رأتها وإن لم ترها فالجن قد ذكر في القرآن، وشعرت بأن الجن كان يلتف حولي.

عبرت أنا وأمي شوارع كثيرة ثم دخلنـــا إلي الأزقة، إلي أن وصلنا إلي زقاق ضيق فــدب الرعب في أوصـــالي، لمـــحتُ الفتـــــاة وهي نائمة في فستانها الأبيض وظللت أردد:

كانت مرصودة....... كانت مرصودة .

قالت لأمها حين أموت دعي زوجة عمي تغسلني، طلبت أن تغسلها زوجة عمـهـــا، غسلتها زوجة عمهـــا، قيل أن يديهـــا اُحتجــــزتا في فــم الفتاة، أسنان الفتاة أطبقت علي يديها، قـــالوا زوجة عمها غسلتها، زوجة عمها سحرتها.

كان الباب فاتحا ً ذراعيــــه لكن هناك قماشـــا ً مسدولا ً علي معبر الباب تتلاعب به الريـاح، المكان ملئ بالأبخرة، كثير من البشر مرتصون في غرفة ٍ ضيقةٍ، نظرت إلي تلك المرأة الصالحة، الوشــــــم يملأ وجهها أسنانها ذهبية اللون الإ أنها فقدت بعضا ً من أسنان أخر، حدقت ثانية فيمن
حولي، طوائف كثيرة من البشر لاجئة ً إلي هذه المرأة، هاربة ً مـــن رصـد ٍ خفي.

كانت المرأة تثرثر بطلاســـم لم أدرك معنــــاها، الأبخرة تتصــــاعد وتتصاعد ومــــازلت في حالة تردد بين الاقتناع وعدمـــه، تحدثت المرأة عن بيضة الخميس وعن ملابس متسخة يتغلغل العرق فيها، وظلت تثرثر بطلاسمها ولم أشعر بأنها امرأة صالحة أبدا ً.

حدثتني صديقتي عــن جارتها التي سكنهــا الجن، قالت بأن الشيـخ أخبرهم وكان شيخـا ً صالحـا ً، يصلي ويحفظ القــرآن، بأنها لم تكـن من المصلين ولم تكن من المتطهرين.

مازالت الفتــاة ترقـص في داخـلي وتردد أغانيهـا حتي شعرت بأني أرقص معها لأتخطي عالم السحر والشعوذة.

عانــــــــقتُ الفتـــاة فوشوشـــت في أذنــي بأنه القــــدر، واندمجتُ معها، وظـــــــلت ترقـص في أعماقي وصــرت أرقـص وأرقـص وأنا أكتســي بــذلك الفستــان الأبيض، شعــرت بــأن الملائكــة كــانت تلتــف حولي، خطوت بعيداً عن هذا الزقاق الضيق، عن هذه الأزقة وأنا أردد:

لا حول ولا قوة الإ بالله العلي العظيم
لا ملجأ ولا منجي منك إلا إليك..
لا ملجأ ولا منجي منك إلا إليك..

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى