الاثنين ١١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم أمينة شرادي

أحلامي الصغيرة

نمت طويلا حتى فقدت شبابي، واحتل الشيب طفولتي. وتهت بين دروب الزمن المنيع. لما استيقظت، سألت نفسي عن الزمن الضائع، فتشت عن أحلامي الصغيرة التي كانت ترافقني في لعبي ونومي وبكائي، لم أجدها، استحالت إلى سراب. لم أستطع أن أحضنها كما كنت في السابق وأداري عنها كل عاصفة هوجاء آتية من العدم. حاولت الهروب، تكبلت قدماي بسلاسل قبلية لا تسمح برفع الرأس العارية. مشيت بخطى حثيثة ، أرفض الالتفات إلى الوراء حتى لا أدفن تحت الرمال . لمحت في الأفق شفقا جميلا، يعلن عن افتتاح موسم الحب للعذارى، أسرعت الخطى، لكي أصل إلى النور الذي يحمل أحلامي. وأنا في طريقي، استوقفتني فتاة في مقتبل العمر، تمنعني من المرور بحجة أن الموسم موسم الشباب. وأنا شبابي ضاع أيام كنت نائمة. قلت لها:

لم أرغب في النوم.لقد أجبروني على ذلك.

كان بإمكانك الرفض.

رفضت وصرخت..وظل صوتي تائها لم يسمعه أحد.

لكنك استسلمت واستكنت إلى الراحة..

..لقد ثرت عليهم وصرخت حتى اختفى صوتي، لأقول "لا".لكني سقطت ونمت..
فجأة، اختفت الفتاة واختفى معها الشفق.وتغطت السماء بوشاح أسود يبعث على الخوف والارتجاف.

كنت سيدة مواقفي.أرفض كل الممنوعات المعتوهة التي يضعونها أمامي. وأمشي مرفوعة الرأس. ماذا حصل لي؟كيف يمكن استرداد شبابي المغتصب؟ يتكلمون حولي كثيرا عن السحر ومفعوله العجيب على تصرفات الإنسان.هل أنا مسحورة؟ أصبحت لي تصرفات غير إرادية ولا تشبهني. أستيقظ لأنام وأنام لاستيقظ. لعبة حزينة وغريبة، صرت ألعبها منذ استوطنني الجفاف وألحق أضرارا كثيرة بدماغي. كنت في السابق، أستهزئ من أصحاب هذه اللعبة ولا ألقي لها بالا.لعبة خطيرة تنفث سمومها ببطء شديد كأفعى البراري الوعرة. ماذا أفعل الآن ؟ أرغب في هجر هذه اللعبة اللعينة وأشتري لعبا أخرى ترد إلي أحلامي الهاربة.هل هذا ممكن؟ لست أدري. دماغي مازال به تصدع لا يساعدني على التركيز.اختلطت كل أوراقي، وتبعثرت كل كتاباتي وحساباتي، يجب علي أن أنتـظر زمنا آخر، أستيقظ فيه، في غفلة عنهم وأعيد ترتيب كل ما كسرته تلك اللعبة اللعينة.

بالأمس القريب، أخذت القلم والورقة، تركت الحرية لأناملي تخطط كل ما تشعر به من ممنوعات إنسانية ، واشتريت رواية تتحدث عن طابوهات مجتمعية. جاءني الإنذار من فوق يقول بصوت آمر وصريح:"ما هذه الفوضى؟ اتركي تلك الرواية. إنها مخدر خطير."
خبأتها تحت ملابسي واستطعت المرور بكل أمان من الحراسة المفروضة علي . قرأت الرواية، واكتشفت لغة جميلة تبحر بك إلى أعالي البحار وفوق الجبال وتجعلك تعيش في تصالح دائم مع جسدك وفكرك. امتلأت الورقة البيضاء عن آخرها وأتيت بأوراق أخرى تخلد الثورة الفكرية التي كنت أعيشها وأستنشق هواءها. أين أنا الآن؟ أناملي عاجزة ، تفكيري مشتت، روحي مترددة...أين راح تمردي؟ ما أجمل أن تكون متمردا على أعراف القبيلة التي تريد أن تستنسخك. منذ هجرني أمسي، وأنا أبحث عن صورتي في المرآة. لما أنظر إليها، يواجهني فراغ قاتل.لا أحد. أين اختفت صورتي التي ألفتها منذ ولادتي؟ لا يمكن أن أسمع صوت خطواتي وأمشي بكل ثبات وإصرار وأنا بدون صورة. فاجأني خيال سريع مرق من أمامي كالبرق، احتل المرآة لبضع ثوان ثم رحل. استعطفته أن يعود ويعيد إلي صورتي. بعد انتظار طويل، تكلم وقال:

ما الفائدة من الانتظار؟ حياتك كلها انتظار.

كأن سهما أصابني. دمعت عيناي حتى كاد أن يغمى علي . توسلت إليه بصوت واهن:

مللت الانتظار.أريد استرجاع صورتي...وحتى أحلامي..

اختفى كما أتى. وتركني وحيدة أسئلتي أنتظر ورحل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى