الأربعاء ٢٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
نزار قباني
بقلم محمود فهمي عامر

جينات الأنوثة فيه كانت راجحة ولافتة

هذا عنوان مقالة للكاتب الناقد جهاد فاضل، وقد نُشر في أكثر من موقع إلكتروني، وفي صفحات الجرائد أواخر2007م، وبدايات 2008م، واختارت بعضها في قسم بانوراما الصحافة للمقال صورةً لنزار قباني يقف فيها أمام المرآة!

لقد استفتح الكاتب جهاد فاضل انحرافه المعرفي بعد عنوان مقالته المثير بقوله: « لم يكن مجرد شاعر، لقد كان أيضا شاعرة؛ لفرط التماهي والتمثل»، وهذا الانحراف المفرط في التماهي؛ ولّد فوضى في خطابه النقدي، حيث أخرجته مرآة الأنا والآخر، وعبثية الوهم عن الموضوع النقدي المطروح أو عن صدمته النقدية في جيناته المزعومة، وجعلته يقول في الفقرة الثانية من مقالته: « فنزار الحقيقي إذن هو نزار شعر الغزل، لا نزار الشعر السياسي أو الوطني الذي اقتصر فيه على السباب والشتم والغضب»، فما علاقة ذلك بجينات نزار قباني وغزله وشعره السياسي والوطني؟!

ثم قاده القبح النقدي بعد أن أمضى سنوات في صحبة نزار قباني كما قال في جسد مقالته، وبعد أن أعلن حيرته في تكييف الأنوثة الكامنة ووصفها: « وحاشا أن أكون قصدت أو أن يكون قد تبادر إلى ذهني حتى في تلك الفترة أمر يتصل بالأخلاق أو بالطبيعة، فما كان يرد إلى ذهني يومها وما يرد الآن هو هذا التوحد الغريب ولدرجة الاندماج بين الذكورة والأنوثة »، وصدق الحسن البصري عندما قال لخطيب بعد أن استمع إلى خطبته الكاملة وأنهى صلاته: إما في قلبك مرض أو في قلبي مرض، فأي (حاشا) بعد هذا التماهي، وقد دبّت عقاربه، وكل المقالة تشير إلى حذف الألفين من (حاشا).

إنّ هذا النشاز النقدي غير المتناسق في عرضه لهذا الموضوع يحاول جاهدا أن يثبت ذاته الغريبة بعد كل سنواتها من العطاء النقدي على حساب الوَفَيَات، فالناقد الصديق للشاعر كما روى في أكثر من موقع يسعى إلى تصحيح أو تصويب بعض المعلومات الدارجة بين العامة والمثقفين من باب الفائدة المعرفية، أو نحو أدب سليم: « يخطئ من يظن أن نزار كان دونجوانا خطيرا، لقد لمست لمس اليد مدى نفوره من المرأة وامتهانه لها »، وأقول: من يلمس الشيء بيده، فلماذا يروي (مرارا) عن غيره لإثبات حجته؟! ولماذا يستعين بـ: «وقد روى لي الشاعر السوري خليل الخوري مرارا أن إحدى الأديبات الدمشقيات التي ارتبطت بنزار ارتباطا عاطفيا روت له أن فحولة نزار التي يشيعها عن نفسه في شعره هي إشاعة كبيرة، وأنه كان يتلافى دائما ذلك الصخب العاطفي أو الجنسي »، فأي أديبة هذه التي ترتبط بالشاعر ارتباطا عاطفيا ثم تروي ذلك، و(الارتباط) لا يكون بمفهومه المتطور أو يصح إلا بالتفاعل والجمع والمشاركة والمبالغة، فربما كانت هذه الأديبة المرأة (التي أسأت إليها) لها غايات في نفسها ومقاصد إن صدقت، ولا يليق بكاتب ذي حرفة مهنية أن يجعلها شاهدا على رأي نقدي يخص شخصية لها تاريخ أدبي عريق، ولها جمهور لا بأس به لم يكتشف ما اكتشفه الناقد في فترة متأخرة، أو لم يصرح به إلا بعد وفاة صاحبه، ولماذا لم يشك فيها الناقد، وقد بنى معظم نقده على الشك؟!

والروايات ليست جديدة على جهاد فاضل، فهو في انتحار أخت الشاعر نزار قباني استشهد في إثبات التزوير لرواية نزار قباني المعروفة برواية (كوليت خوري) زوجة نزار قباني الثانية، فكتب في جريدة الرياض السعودية بعد مشاهدته الحية للشاهدة الثقة على إحدى الفضائيات: « وبدون رتوش أو مساحيق ذكرت كوليت خوري حادثة انتحار وصال شقيقة الشاعر فقالت: إن الرواية التي كان نزار قباني يرويها حول هذه الحادثة غير صحيحة، فشقيقته وصال لم تنتحر لأن أهلها رفضوا أن يزوجوها بمن أحبت، وهو ما ظل نزار يكتبه ويردده باستمرار، بل انتحرت؛ لأن حبيبها هجرها، وتزوج من أخرى، قالت كوليت إن ما ترويه الآن على التلفزيون هو وحده الصحيح؛ لأن أسرتها وأسرة نزار كانتا أسرتين صديقتين، ولم يكن هناك أسرار عند إحداها خافية على الأخرى »، وهكذا صدّق جهاد فاضل صديقة الأسرة، ولم يصدق ابن الأسرة وصديقه.

وسخرية الناقد السوداء لم تكتف بذلك، بل أراد أن يثبت جينات الأنوثة بتشويش آخر في قيمه الفنية، وبلبلة غير مألوفة في محطاته الإخبارية وأعرافه النقدية، فبعد أن حدّق طويلا في مرآته المقلوبة خرج بقياس باطل، وذلك عندما قال: « وممّا يعزّز هذه الأخبار عزوف الشاعر عن السهر والخمر، والاهتمام الدائم بالصحة والعافية »، ألا يكون الرجل رجلا إلا بالسهر والخمر؟! وهل كل من ينام مبكرا، ولا يشرب الخمرة يعد في قواميس الفحولة مشكوكا في جيناته؟!، ثم يردف بعض كلامه تعميمًا لا يليق برأي نقدي موضوعي، وفيه إشاراة تتطاول على كفاية نزار قباني الشعرية وقدرته الأدبية: « مع أن الشعراء ومعهم العشاق والفنانون يسهرون حتى مطلع الفجر عادة »، واعتمد جهاد فاضل في رأيه التقويضي وشرخه الماورائي بين ما يصرح به وما يخفيه من استنتاجات عدمية عشوائية على أدريتين، الأولى: أن الشاعر كما يقول في مقالته: « كان يفتح له الباب بنفسه قادما من غرفة النوم، وهو في البيجاما الساعة السابعة أو الثامنة »، والثانية على سؤال يخضع لهيمنة اللفظ، وفلسفته البراجماتية: « وقد جرت حيرة شديدة في إلهامه، فإذا كانت المرأة في حياته غائبة مثل هذا الغياب بل منبوذة ومضطهدة أحيانا، فمن أين يأتى بقصيدة عنها؟ ».

إن سمة الشك ربما تكون في بعض المواطن محمودة، ولكنها إن لازمت الناقد في أعماله الفنية المستنبطة من ميتافيزقا ذرائعيته المتحيزة، وتخمينات الرواة غير الموضوعية، فهي بلا شك مردودة على صاحبها، فكم من ناقدٍ قلقٍ شكّكَ في الأدب الجاهلي، والمتنبي، وأعمال شكسبير، وشعرسعاد الصباح، وقصص العرب وعشاقهم، وأماليهم ومقاماتهم، حتى بلقيس جعلها جهاد فاضل مجرد امرأة عادية في حياة نزار قباني بعد أن أصبحت زوجة له!!، وخرج بعد قراءته لكل دواوين العالم بسخريته الزماكانية: « لم يتغزل شاعر بزوجته »، وغاب عنه في إثبات جيناته المزعومة وشكه (شعر الحليلة) وأمرؤ القيس وأم جندب، وابن زريق، وكثير بعد الصريح والعذري حوته الدراسات الجامعية.
(حاشا) يا جهاد فاضل أن يتغزل زوج بزوجه، خصوصا إذا كان كما أردته خلال رؤيتك في قصيدة نزار (أنا والنساء) من ديوانه (سيبقى الحب سيدي) التي اقتطفتَ منها: « أريد الخروج من القن... حيث الدجاجات... ليس يفرقن بين الصباح والمساء... أريد الخروج من القن... إن الدجاجات مزقن ثوبي... وحللن لحمي »، وانتشرتَ مُتشتتا في تحليلك الغنوصي لها: « نحن إزاء ديك، ولكن هذا الديك الذي يشكو من نهم دجاجاته هو جزء من القن وجزء من الدجاجات، هو ديك قطعا، ولكنه لفرط مخالطته للدجاجات صار منهن وفيهن، والمخالطة كثيرا ما تؤدي إلى المشاكلة والتطبع، وكثيرا ما تؤدي إلى زوال الحدود، وتصل إلى حد التطبع أوالتطبيع، هو ديك طبعا، ولكنه يبدو بصورة من الصور إحداها أو إحداهن».

والانحراف المعرفي لا يخلو من تكرارية التناقض والمغالطة التأثيرية، فالناقد اعتمد كثيرا على ما هو خارج عن النص، وأهمل النص نفسه في عملياته الجينية التحليلية؛ وذلك حين جعل وقت البيجاما والاهتمام بالصحة حجة فنية لعزوف نزار عن النساء، ثم تجاهل ذلك؛ ليقول: (ولكنه لفرط مخالطته للدجاجات صار منهن)!

وتأتي خاتمة المقالة لتذكرنا بيوميات نائب في الأرياف، فجهاد فاضل ترك النقد الموضوعي، وتفرغ للتنكيل بصاحبة من باب الإصلاح الاجتماعي، وذلك عندما استشهد بقصيدة نزار: «اجلسي خمس دقائق... لا يريد الشعر كي يثقب لحم الورق العاري... سوى خمس دقائق... فاعشقيني لدقائق... واختفي عن ناظري بعد دقائق»، ثم قال بالنص: « ولكن أي شعر رفيع المقام وذي جودة عالية يمكن أن يخرج من رحم صفقة ملوثة كالصفقة التي عقدها الشاعر مع تلك المرأة؟ وهل هكذا يكون العشق؟ وهل تولد القصيدة على هذا النحو؟ المرأة ممتهنة في عملية مذلة لكرامتها كأنثى، إنها مجرد موديل أو أداة لإثارة الرجل، في حين أنها في الحسابات الإنسانية ذات شأن خطير:هل تكفي خمس دقائق لولادة قصيدة عظيمة؟ أغلب الظن أن الخمس دقائق لن تنتج سوى سلعة شعرية يدرجها الشاعر في ديوان جديد يعرضه للبيع بورق مصقول وسعر مرتفع »، وأنا أسالك يا جهاد فاضل: كيف تعترض على هذه القصيدة أوالصفقة، وفي مقالتك ما يكفي لدعمها؟ ففي الغزل: (الزوج لا يتغزل بزوجه)، أليست الزوجة امرأة؟ ومن الذي أهان المرأة؟ وماذا يصنع من أراد أن يتغزل؟ هل عليه أن يدخل في هذه الصفقة؟، وفي الشعر: (لا يكون من دون الخمرة والسهر) هل كل الشعراء من هذه الزمرة أو الفئة؟ ولماذا تعترض إذن على صفقات نزار مادمت هذه من شروط الشعر الجيد في ميزانك النقدي؟، أمّا في الرجولة: ( الرجل لا ينام مبكرا) فلا تعليق.

‎وبعد، فما زالت (حاشا) من دون ألفيها (حش) بمحكيتها، ومرجعيتها اللغوية، وصدق المثل الذي يضرب لمن أساء إلى من أحسن إليه: (أحُشُّكَ وتَرُوثُني)، وأقول للناقد: لا تصدق كل ما تسمع ولا نصف ما ترى.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى