الخميس ٢١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم توفيق العيسى

وردة حمراء للأغلبية الصامتة

 
 
طالما اهتممت بسيرة الحلاج حفظت أشعاره قرأت طواسينه – التي لم أفهم منها شيئا – ومع اهتمامي بالحلاج وأخباره اهتممت أيضا بسير المهمشين في التاريخ كالقرامطة والزنج وغيرهم.

قد يكون مصدر الإهتمام هذ،ا هو أنني أنتمي لطبقة اجتماعية مهمشة أو بمعنى آخر (أغلبية صامتة)، وقد يكون مصدر هذا الإهتمام أيضا هو محاولة تفسير لبعض الظواهر الاجتماعية السياسية؛ أو نوع من التفريغ النفسي الذي يسميه البعض " حقد طبقي"!!
وقد أذهب أبعد من ذلك لأعلن تضامني مع هؤلاء المهمشين محاولا إنصاف من إضطهدهم التاريخ.

الا أن الملاحظ في قرائتي لهذا التاريخ أن للأغلبية الصامتة وعلى إمتداد التاريخ البشري صفات متشابهة أهمها الصمت على كل ما يجري من أحداث وقضايا –حتى عن سعر الخبز الذي هو دائما كابوسنا اليومي وحجتنا الدائمة–.

ومن ضمن هذه الصفات أيضا إنتظار البطل المخلص – كالأفلام الهندية والمصرية – ولأنها أغلبية صامتة فإن بطلها المخلص سرعان ما يقدم للذبح وتتخذ الأغلبية موقف المتفرج من عملية الذبح.

وهذا ما حصل مع الحسين بن منصور الحلاج.

فبعدما غلبه الوجد وباح بالسر الدفين، تبنى قضية الأغلبية الصامتة، نطق بإسمها، إجتهد، سهر الليالي إخلاصا لها، و بعض المؤرخين إمتلك الجرأة ليعلن أن الحلاج هو نفسه حسين الأهوازي أحد مؤسسي الثورة القرمطية. إلا أن العامة، أي الأغلبية الصامتة ضاقت ذرعا به وشكته للخليفة ولشيخه ولجمهور العلماء وكانت الشكاوي في معظمها أن الحلاج يقارب الكفر في قوله ونطقه وأنه عطل على العامة بيعها وشراءها، أي أن مشكلة العامة ثقافية اقتصادية، فهم لا يفهمون كلام الحلاج – وقد يكون عذرا لبعضهم – لكنهم في الوقت نفسه جعلوا من الحلاج شماعة علقوا عليها مشاكلهم فبدل أن يبحثوا عن السبب الرئيس لتردي أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية اعتبروا الحلاج مصدر التردي ومصدر الإزعاج لأنه بات يذكرهم بعجزهم وبالمسؤلية الملقاة على عاتقهم، ومن المؤكد أن هذا الأمر قض مضاجعهم وربما بكى أحدهم لأن الحلاج وضعه أمام نفسه وعراهم جميعا.

الغريب في قصة الحلاج وهي في معظمها قصص شعبية أن ساعة إعدامه كانت مفارقة عجيبة، فما أن صلبوه ورجموه بكت الأغلبية الصامتة عليه بصمت مر!! وتضامنا معه رماه أحدهم بوردة حمراء تعبيرا عن الحب الكامن في الصدور!!.

إلا أن هذا التضامن " المشبوه" لم يمنع الخليفة من بتر يدي وساقي الحلاج وحرقه إستجابة لشكاوى العامة وفتاوى الشيوخ – وأكرر العامة هنا هي الأغلبية الصامتة –قتل الحلاج وأصبح ذكرى واستراحة العامة من إزعاجه وبكائها عليه، وفي مواجهة مشاكلها و الإستغلال الإجتماعي الإقتصادي وردا على مصادرة الحريات العامة راحت العامة تنسج قصصا حول معجزات الحلاج وكراماته واتخذته رمزا للإنعتاق من العبودية، وغالت العامة في روايتها فاعتقدت أن للحلاج – الذي سلمته لقاتله– عودة أخرى وظنو أنهم بذلك يواجهون خوفهم وعوزهم ولكي تبريء الأغلبية نفسها من جريمة الاشتراك في ذبح الحلاج أكثروا من ذكر الوردة الحمراء التي رموه بها واستراحوا لهذه البراءة، إلا أنهم باتوا متأكدين أكثر من أي مرة أخرى أنهم لا يجرأون إلا على التضامن الصامت من خلال الوردة الحمراء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى