الاثنين ١ شباط (فبراير) ٢٠١٠
بقلم طلعت سقيرق

وردة عباد الشمس

تدقّ ساعة الجدار معلنة أنّ هناك بقية وقت للتلاقي مع صورة مرسومة بحبر الشريان في كريات الدم.. يقفز القلب مولعا بحنينه الرائع الذي ما كان له أن يقلّ ذات يوم.. تروح الأصابع سابحة في بحر الهواء لتكتب على صفحة الزمن مرة بعد مرة أنّ الوجود لا يكتمل معنى ومبنى دون معانقة وجهها السابح في العمق البادي على ملامح الوجه.. قالت امرأة الروح: كأن عليك أن تذهب نحوها دون توقف لتصل تماما في الساعة التي حددت ؟؟.. قلت: علينا أن نسير باتجاه الشمس لنجدها مثل وردة عباد الشمس تتجه بكل فيضها وروعتها وجمالها واكتمال حسنها للشمس ليس إلا.. موقنة أو عارفة بدقة توقيت الموله أن لا شيء غير النهارات تجمعنا.. تأخذنا في رحلة اللقاء.. تحمينا من ظمأ الفراق الذي يحرق الروح والحلق وكريات الدم.. تجمعنا أصابع الوجد فنضع رؤوسنا، بل نغمرها في حضن من نحب..ونروح ونحن نعزف لحن التقاء الوجد بالوجد، والقلب بالقلب، وزرقة البحر بزرقة البحر، ذاهبين حتى آخر عمق فينا لنكتب بحبر الشعر المهيأ لخصب القصيدة أن لا شيء يعلو على حبنا الذي نريد أو هو فينا منذ البداية..

هل تعرف الطريق إلى البيت؟؟.. إلى الشارع الذي هناك ؟؟.. هل تحفظ تفاصيل معشوقة اسمها حيفا؟؟..حين تصل إلى أول حجر، عند أول منعطف، لا تسأل، لا تقل لأي عابر أين ؟؟.. الأسئلة في مثل هذا الوقت تائهة تماما بل ضائعة مكروهة.. يكفي أن تفرد نبض قلبك على قلب أي نسمة عابرة، أن تقول بكلمة واحدة أحبك، ستجد كل المحيط ينده بل يسعى إليك.. ستعرفك الأشياء من نظرة عينيك.. ستجد أنك رغم البعد الذي طال موجود هناك.. بل مزروع هناك.. ظلك هو الذي سافر وابتعد وليس أنت..كل الفلسطينيين الذين أكرهوا على ترك البلاد ما تركوها إلا كنسخ عن الصورة الأصلية.. كل الصور والأجساد أرسلت ظلها وأبقت الأصل جذرا في الأرض لا يمكن اقتلاعه.. كل ما نفعله حين نعود هو اتحاد كل واحد منا مع أصله وجذره ومعناه ومبناه.. هل يصعب فهم ذلك ؟؟.. وماذا عن الذين ولدوا خارج فلسطين؟؟.. ماذا عن الذين أتوا في زمن اللجوء والغربة ؟؟.. بغاية البساطة وكما قالت شجرة السنديان الباقية طوال عمرها المديد: هم هنا وهناك..كما أهلهم.. الظل في المنفى، والأصل في البلد.. وكما يعود الأهل ليتحدوا مع أصولهم، كذلك يفعل كل واحد منهم.. لا أحد خرج من فلسطين، ولا أحد أكمل خروجه وغربته..كل واحد كان يخرج ظلا كي يعود.. هناك ارتباط بين الظل والأصل ارتباط لا يمكن أن يلغى.. ومن يريد أن يتأكد ما عليه إلا أن يدور في الشوارع والبيوت والطرق والساحات في فلسطين.. هناك سيسمع أصوات الجميع، وسيتعرف على وجوه الجميع، ويمكنه أن يقف مع كل واحد ويسأله عن مسألة الأصل والظل..

لكن ماذا عن الغرباء الذين تسللوا إلى فلسطين وأقاموا منذ سنوات؟؟..هل سيبقون هناك ؟؟.. هنا السر الغريب العجيب.. هؤلاء غرباء، وهم دون ظلال أو روح، لذلك ترفضهم أرض فلسطين وتأبى التواصل معهم بأي شكل من الأشكال.. حتى أمواتهم وقتلاهم الذين يدفنون في فلسطين يطردون جثثا غير مرغوب فيها بعد حين، تخلعهم الأرض وترميهم بعيدا.. افتح أي قبر من قبورهم لن تجد جثة.. ستجد القبر فارغا لا يضم أحدا.. الغرباء لا يمكن أن يدفنوا في أي تربة فلسطينية..هو السر الفلسطيني، ولا أحد يعرفه غير الفلسطينيّ صاحب الأرض وعاشقها الساكن فيها حتى عمق النبض.. 


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى