الأحد ٢٨ شباط (فبراير) ٢٠١٠
بقلم عبد العزيز غوردو

مجرد مهنة...

أخشى إن أنا استمررت في القص على هذا النحو، أن أثير الجميع ضدي في النهاية...

هذا إذا لم أكن قد أثرتهم فعلا...


مشهد بشع: مجازر ومذابح... أشلاء قتلى وجرحى في كل مكان...

وجنديان، يجلسان على ركام من الجثث والأطراف المبتورة،

يدخنان سجائرهما في لحظة عبث قاتمة...


(...)

 أنا... «يسحب نفسا عميقا، ويصمت...»
 أنت تؤدي عملك فقط..
 أنا لا أعرف حتى ما هو عملي.. فقد فسد كل شيء من حولي...
 وهل للفساد كل هذه الأهمية؟
 السؤال: من يأبه للأمر فعلا؟
 عندما قتلت شخصا أول مرة «ينفث دخان سيجارته على دفعات، قبل أن يتابع» تبولت.. كانت ردة فعل لا إرادية... لم أكن أريد أن تظهر علي علامات الخوف.. لكني كنت مرعوبا جدا...
 تعرف «يواصل» ليس سهلا أن تقتل شخصا لا تعرفه حتى؟؟؟ بعد ذلك أصبح منظر الدماء يثيرني، تماما كعنزة بافلوف..
 تقصد كلب بافلوف؟ لأن العنزة هي للسيد سوغان..!!!
 عنزة أم كلبا.. المهم أن الإثارة حاضرة...
 أتحب زوجتك خصلة الإجرام فيك؟
 أهذا سؤال، سيدي السفاح؟
 لا تجب على سؤالي بسؤال..
 لا أعلم.. لكن أظنها تحبني... «مستدركا»
 إنها تشبه زهرة في يد قاتل مأجور...
 أستغرب كيف يفكر جزار مثلك على هذا النحو.. أهذا دماغك حقا؟
 كلا.. اشتريته من السوبر ماركت...
 اعتقد ما شئت، لكن هذا لن يجعل منك صالحا أبدا...
 هل اكتشفت ذلك لوحدك «استهزاء»...
 بحثت عنه في محرك غوغل... «باستهزاء أمرّ»
 أن يتأذى أحدهم.. قد يكون الأمر مثيرا للاشمئزاز لدى البعض.. مثيرا للمتعة لدى البعض الآخر...

«يرفع بصره إلى السماء، حيث طائر منفرد يعبر سحائب الدخان.. يُصوّب عليه، ثم يقول»:

 على أحدهم أن يدفع الثمن دائما...
 صحيح.. ثمن خطأ لم يقترفه...
 قمة العبث أن تقتل شخصا لا تعرفه.. أو يقتلك...!!!
 كأن تصطحب كلبا إلى جنازة.. إنه مهرجان لاغتيال الأخلاق...
 الأخلاق، أم الضمير؟
 الاثنان معا...
 موتهما، هل يسهل علينا فعلا أن ننسى ما اقترفته أيدينا من جرائم؟
 نعقد الأمور، ثم نطلب من الآخرين حلها...
 أن تجرب العيش في المكان والزمان الخطأ.. فتضل في منتصف الطريق..
 تجرب، بعدها، منعطفات جديدة، فتكتشف أنها كلها فاسدة أيضا...
 وسادتنا.. يتدربون على صيد البط فينا، ويقولون: أنتم لا تسهلون الأمر علينا.. وأنا، صدقا أتساءل، لماذا لا نسهل الأمر عليهم؟؟؟
 هذه قوانينهم.. وحدهم...
 لماذا لا يحترمونها إذن، فيخوضون حروبهم بأنفسهم؟
 لأنهم إن فعلوا ذلك، لا يعود لوضعها أي معنى..
 ضرب من الخيانة هذا؟؟؟
 وللخيانة وقع غريب على النفس..!
 لم نطلب منهم أن يتصرفوا كقديسين...
 فتاي العزيز.. لأنه كان هناك كنز واحد، وكانوا كثرا أولئك الذين أرادوه.. كان لا بد من الاقتتال للحصول عليه... لكن تأخذهم الحماسة، أكثر من اللازم، فيتبولون على كراسيهم، ويفسدون كل شيء...
 والشعب هو الضحية...
 الشعب مثل القطيع.. حتى لا يختلط مع قطعان الغير يجب تمييزه بأداة وشم ساخنة...
 ونحن هنا لنقوم بعملية الوشم القذرة نيابة عنهم...
 خلل في الصبغيات، نتج عنه موت للضمير، وتمزق في الإيمان... هذا ما أنا عليه.. «وكمن يسأل نفسه، يتابع باستخفاف» باعتقادك: هل أنا نتاج الوراثة أم البيئة، وهما معا فاسدتان؟؟؟

«دون أن ينظر إليه»: يجب أن تكون كتوما، حول هذه النقطة.. فالعالم موحش وكئيب، ويصعب أن تطفو فيه وسط مياه موحلة... «ثم يغير الحديث فجأة»:
 هل تذكر رفيقنا الثالث؟؟؟
 أجل..
 وهل تذكر كيف مات؟؟؟
 يزورنا الموت مرة واحدة: تكون الأولى والأخيرة.. ولا يهم عندها أن يكون مرحبا به أم لا.. هو يقوم بمهمته كاملة لحظتها، ولا يلتفت إلى شجاعتنا أو جبننا عند مواجهته، ولا إلى ألمنا أو غربتنا أيضا...

نكون غرباء عندما نولد.. وعندما نموت نكون غرباء أيضا: تكتمل المعادلة إذاك، وتصبح مسرحية الظل، التي كلفنا بلعبها طوال حياتنا، ناجزة فعلا...
 هكذا ننتهي، تماما كما ابتدأنا أول مرة، أوغادا، عرايا.. لا نتحلى بأي قدر من الحياء...


«يلتفت حوله، ينعكس عليه ضوء باهت فيبدو أشبه بـ"موسوليني"..»:

 هل تنام؟

 ماذا؟

 بالنظر إلى جرائمك أتساءل كيف يمكنك أن تنام ليلا؟

 من يراك تسدي النصائح يظن أنني في حضرة قديس؟؟؟

 إن ساعدتك فسوف أساعد نفسي..

 أحاول أن أحافظ على سلامة عقلي..

 ظننتك فقدتها منذ مدة طويلة...

 طلبت منهم إيداعي مصحة أمراض عقلية، فرفضوا... قالوا: أنت أعلم بجسد المرأة من طبيب نساء، ومكانك الأمثل ناد للتعري.. قلت: إن ذلك لا يشبع ما بداخلي..

«لحظات صمت.. يتابع بعدها»: يبدو أنك لا تفهم، أنا كنت دائما قاتلا مأجورا، ولا أعرف مهنة غيرها...

 مهنة؟؟ أي مستقبل لهذه المهنة؟

 يمكنني أن أتولى مهمة قتل الكلاب الضالة، لاحقا..

 أجل.. الكلاب الضالة ما أكثرها في هذا العالم...!!!


(انتهت استراحة المحارب... يستند الأول إلى بندقيته فينتصب واقفا.. فيما يلقي الثاني عقب السيجارة من فمه ثم يقف إلى جواره.. يضع ذراعه حول عنق رفيقه.. يسيران، وهما يتابعان حوارا لا ينتهي.. عن مهمة لا تنتهي أيضا...

صوتهما يتناقص، تدريجيا، مع ابتعادهما..، يلقي الأول نظرة على ركام الجثث والأشلاء الآدمية، من حوله، ويقول):

 كيف هي الحياة في مزبلة؟؟؟

 ما يملأ العالم حولنا اليوم، لن يصبح غدا إلا صفحة في كتاب تاريخ منسي...

 هيا نسرع إذن كي نتم الصفحة، فلا شك أنهم ينتظروننا في الجبهة...

«يتلاشى الكلام تماما...»


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى