الجمعة ٥ آذار (مارس) ٢٠١٠
بقلم هاني محمود

هل اخترت الجوعَ يوما؟!

انتبه فجأة إلى الخاطر المريع. فأغلق الكمبيوتر وارتدى ملابسه سريعا وخرج.

وفى الطريق راح يدير الخيارات فى رأسه. كلها انتهت به إلى خيار وحيد، أن يواصل السير.

لحق بالخاطر السابق خاطر أشد خطورة، أليس فى السير استهلاك لما بقى فى جسده من قوة ؟! بلى السير قد يقترب به من الخاطر الأول. تساءل : متى تخور قواه؟ وهل سيجد من ينقذه؟

ابتسم فى توتر. واختار شارعا مأهولا. عساه حين يسقط يجد من يحمله إلى المستشفى. ارتاح إلى قراره بمغادرة الشقة الخاوية على عروشها. لكن قراره بعدم الذهاب إلى بيت أبيه لم ينل نفس الارتياح. زفر، ألا توجد حرية بلا ثمن؟ أحسَّ بالغيظ من نفسه، وواصل السير.

تساءل: هل سيضطر إلى بيع هاتفه المحمول، وقفز إلى ذهنه خيار بديل، أن يزور صديقه، ويطلب بعض الطعام أو سلفة عاجلة، لكنه استبعد الخيار سريعا. فاليوم جمعة. ونفسه لا تطاوعه. مجددا أحسَّ بالغيظ منها. وقرر ألا يطاوعها فيما تشتهيه حين يمتلئ جيبه بالنقود من جديد. تذكر رغيفى الحواوشى اللذين التهمهما الأسبوع الماضى. وتمنى رغيفا ساخنا بخمسة قروش. لكن صداعا مفاجئا أفسد عليه متعة التمني، وراح يضرب رأسه بانتظام. ترى هل بدأ الجوع يؤثر فى خلايا مخه؟ ربما. فهذا يومه الثاني الذى تتغذى فيه عروقه على الماء.

للمرة الأولى يشعر باحترام بالغ تجاه المثل القائل: القرش الأبيض ينفع فى اليوم الأسود

ضجيج الشارع المزدحم بالناس كان يحمل إلى نفسه بعض الاطمئنان، لكن حلقه الجاف وعينيه المرهقتين كانا ينذر بما هو أسوأ. للمرة الثانية يرفض خيار بيع هاتفه المحمول، ويواصل السير. راقته نفسه المتمردة. والتمس لها بعض العذر. ففي كل مرة كان البيع يعنى الخسارة.

تساءل لماذا لم يفتح حسابا جاريا مع البقال القابع قريبا من شقته؟ وتمنى لو كان قد فعل. وعاهد نفسه لئن عاد سالما إلى شقته ليبدأن فى إجراءات فتح الحساب.

لا يعرف لماذا -مع جوعه- لم يشته شيئا من دكان البقال، حين مرَّ به وهو خارج من الشقة قبل ساعات. هل أصبح يملك مهارة التكيف مع الجوع؟ لا يدرى

كان حلقه الجاف وأمعاؤه الخاوية يسببان له نوعا من التوتر، لا يخفف منه سوى وجوده بين المارة ووجود الهاتف المحمول فى جيبه. اطمأنَّ إلى هذين الخيارين، وواصل السير.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى