الخميس ١١ آذار (مارس) ٢٠١٠
بقلم فلاح جاسم

بـِنت الديك

الديك الفصيح وهو بالبيضة يصيح، هكذا كانت تقول والدتي – رحمها الله –، لكن ربما لو أنها عاشت حتى يومنا هذا لغيرت رأيها، ولعرفت بأن زمن الديَكة أصبح من الماضي التليد، وأصبح السلوك " الديكي " تراث يُدرّس ليس إلا، ربما بسبب تدخلات من طيور أخرى، ذات سطوة ومناقير معقوفة، تمنع تلقين " الكتاكيت " الصغاربأفكار لاتتماشى مع تطلعاتها في المنطقة، التي تسعى دائما لجعلها منطقة " منزوعة الديَكة " وإن وُجِد فهو ديك يجب عليه أن يلبي مصالحها، ويكون بدون عُرف، حتى وإن كان، فعـُرفه يجب أن يكون صناعياً يضعه في حالات خاصة جداً وعلى نطاق ضيق، للتباهي به أثناء حفلة مواسم تفقيس الصيصان فقط.

لم يَدُر بخلد والدتي يوماً ما بأن سلوك الدجاج سيصبح علماً يُدرّس، لمعرفة طريقة تفكير الديَكة والسيطرة عليها، وتخليص العالم من شرورها، حتى يصبح العالم أكثر أمناً، وبدون أي مطامع ديكية. لذلك هيأ زعيم الغربان خطة إستراتيجية للقضاء على كل ديك مشاكس، وبدأ بأكثرها عنفواناً، لسببين؛ أولهما لكسب الرأي العام "الغرباني" العالمي، وبذلك تحظى هذه الخطة بالدعم المادي والمعنوي الذي يضمن نجاحها. والسبب الثاني، حتى يكون ذلك الديك المتبختر، المغرور بصوته المردد للحنه في غـُرة كل فجر أن العالم ليس غابة، والدنيا ليست فوضى، وأنه ليس من حقه التباهي بالعُرف الأحمر فوق رأسه، فعُرف مكافحة السلوك الديكي يقضي بالتخلص منه، بمباركة الديكة وإجماع الدجاجات بنسبة مئة بالمئة.

الخطة تقتضي محاصرة خُم ذلك الديك، ومراقبته مراقبة جوية دقيقة من قبل الغربان الأشدّ والأبعد نظراً، في نفس الوقت يقوم الدواهي من الغربان بتجنيد بعض «الديَكة» والدجاجات الداخلية لإعطاء بعض المعلومات السرية عن الخـُم، وإغرائها ببعض حبوب الذرة الصفراء اللامعة، التي تجعل أكثر الدجاج يفقد صوابه لرؤيتها- إلا من رحم ربي-. سارت الأمور كما خـُطط لها، بل أفضل، لأن دائماَ هناك جيش من الأنتهازيين تتقاطع مصالحهم مع الغربان فيستفيدون ويفيدون، وعلى استعداد للتضحية بكل شيء من أجل ذلك الهدف، لأن في النهاية غايتهم نبيلة وهي تخليص الخـُم من بطش ذلك الديك المتغطرس، الذي كان زعيم الغربان يقول : بأنه على صلة وثيقة، ويقدم الدعم المعنوي واللوجستي للديكة الأخرى المناوئة لسلوك الغربان ومطامعها في المنطقة.

للأسف لم يكن هناك خيار أفضل من تدمير ذلك الخـُم الذي يشكل بؤرة لعدم الإنضباط والتوتر بين جميع الدجاج في العالم، ويُعاد إعمار الخـُم بعد تسويته بالأرض، حسب ميزانية تضعها لجنة مشهود لها بالنزاهة والخبرة، والبراغماتية، وتوضع خطة لإعداد الخطة، وتوضع ميزانية خاصة لتسويق خطة الخطة، والخطة نفسها، وتخصم جميع المصاريف والتكاليف من مخصصات ذلك الخـُم من الحبوب على مدى خمسين سنة قادمة.ويكون ذلك ثمناَ لتنفس الحرية في فناء الخـُم، حتى يكون أنموذجا وخمـّاً مثالياً. وأصبحت أي دجاجة تتباهى بإسمها ؛ بأنها بنت الديك عُرضة للحبس والتنكيل وانتهاك العرض.

ومنذ ذلك الحين أي دجاجة تحافظ على كيانها وتحترم نفسها، تترحم على ذلك الديك الذي كان موضع شك واتهام، لكن في سرها فقط... أصبح الدجاج يطير فوق عالي السحاب كالغربان، ولاأحد يستغرب ذلك... وأصبح لحم الدجاج الذي لايطير مستباحا وحلالاً، بفتوى رسمية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى