الخميس ١١ آذار (مارس) ٢٠١٠
بقلم أمينة شرادي

نشوة القهوة

انبلج الظلام ببطء كعملاق يمشي الهوينى. استيقظت المدينة من نومها الهادئ على ضجيج السيارات الذي استوطن أزقتها وشوارعها.اندلعت في الأفق أشعة ترسل خيوطها الذهبية لتدغدغ الأجساد النائمة. استيقظت عائشة كعادتها قبل الجميع، محاولة طرد النوم من جفونها النعسانة. فولجت إلى غرفة ابنتيها، تساعدهما على ارتداء ملابسهما للذهاب إلى المدرسة .سهى ومنال توأمان جاءتا إلى الدنيا بعد صبر طويل وحمل عسير. ثم اتجهت صوب المطبخ لتقوم بإعداد ما اعتادت أن تقوم به منذ سنوات.كان الفطور جاهزا على المائدة.أنجزت كل هذه العمليات الصغيرة و المتكررة في لحظة وجيزة و بسرعة قياسية. و يصاحب كل هذا الإعداد، بعض الضجيج الذي يقلق أحيانا راحة من مازال يغط في النوم. تتسابق بشكل عنيف مع عقارب الساعة"الوقت لا يرحم"تخاطب نفسها، تنفعل و تثور أعصابها إذا لاحظت تأخر "منال و سهى"في النزول.فهي تقوم بكل صغيرة و كبيرة في البيت.

استعدت للهجوم على أول درج مع ابنتيها، لكنها توقفت و عادت أدراجها لا تلوي على شيء كهارب من العدالة. تبحث عن حقيبة يدها الصغيرة.تركتها فوق سريرها.و أخيرا، السيارة تتحرك صوب المدرسة أولا ثم مقر عملها ثانيا.

اعتادت عائشة على القيام بشيء يخصها قبل أن تبتلعها دوامة العمل، كانت تعرج على اليمين بالقرب من مقر عملها، في أحدى المقاهي الصغيرة و الأنيقة، تجلس قرب النافذة المطلة على الشارع و تحتسي قهوتها.تعتبرها عائشة من العادات الجميلة التي انفلتت من رتابة الزمن. وتأصلت هذه العادة بعد الزواج والإنجاب.استحالت مع الزمن إلى طقس مقدس لا يحق لأحد الاقتراب منه. ابتهاج لحظاتها الآتية مرتبط بتلك اللحظة التي تطلب فيها قهوتها و تحتسيها بتلذذ و تسافر بها بعيدا دون رقيب.تقبض على زمنها التائه بين دروب الحياة كالزئبق و تعيده إلى مجرى الحياة. حتى تنتعش كل قواها الفكرية و الجسدية و تستطيع أن تواجه ضجيج الأواني و صراخ الطفلتين.

جاءها خبر في يوم من الأيام العادية، من عند إحدى صديقاتها في العمل يؤنبها على ارتياد المقهى و شرب القهوة بين جدرانه.كانت عائشة تدرك بأهم سيتكلمون ويحللون و يحكمون لكن ليس بهذه القوة و الجرأة. قالت لها صديقتها:

 الكل يتساءل عن سبب شربك للقهوة هناك.أليس لديك بيت؟.

ابتسمت بثقة كبيرة و قالت:

 بلى.لكن الاستمتاع بتلك اللحظات وفي ذلك المكان لا أجده بالبيت.

اقتربت منها أكثر كأنها ستفشي سرا و قالت بصوت خافت:

 أنا فقط أخاف عليك من كلام الناس وألسنتهم النارية.

صمتت صمت القبور و رمقتها بنظرة معاتبة.ألحت صديقتها في الكلام كأنها المسئولة الرئيسية.

أجابتها وهي واثقة مما ستقوله:
 ليتهم يدركون قيمة تلك اللحظة التي أعيشها، لنفضوا من حولي و دأبوا في البحث عن زمنهم الضائع.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى