الأربعاء ١٧ آذار (مارس) ٢٠١٠
بقلم محمد فهمي العلقامي

عم الحاج أحمد...!!! 

كعادتنا نحن الصغار نحب كل ما هو جديد وفي ذلك اليوم أحسسنا أن هناك شيئا مختلفا يحدث بمنزل عم أحمد
هذا الرجل الذي يملك من المال الشيء اليسير فهو يملك بضعة أفدنة في زمام قريتنا...كان لا يمشي إلا والعصا
الخيزران في يده حتى إذا رأيناه ابتعدنا عن طريقه مخافة تلك العصا...يعلو صوته بالصراخ تارة وأخرى يكون
هادئا يحمل الطيبة بين جنبيه..

نعود لما يحدث في منزله... أنوار وزينات تعلق.. يطلى البيت بألوان زاهية وقد رسمت صورة طائرة وسفينة كبيرة على الجدران الخارجية وكتبت عبارات «حج مبرور وذنب مغفور» علمنا أن عم أحمد يستعد للسفر لأداء الحج هذا العام بعد بضعة أيام...وفي اليوم التالي أقيم سرادق كبيرومدت الولائم...وعبر مكبرات الصوت أنشد المنشدون..وتقاطر الناس من أنحاء القرية للسلام والتهنئة وما أشد فرحتنا بتلك الأفراح والليالي الملاح التي نتحرر فيها من بعض القيود وتزيد حصة اللعب والمرح سافر عم أحمد وسط دعوات الأهل والجيران بالعودة سالما غانما بمصاحبة عدة سيارات ملئت بالمحبين والمودعين...

مرت بضعة أيام أهل علينا بعدها عيد الأضحى...صحونا مبكرين نلبس الجديد..ملأت التكبيرات أرجاء البلدة «الله أكبر
كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بحمده بكرة وأصيلا..لا إله إلا الله».... ذهبنا لصلاة العيد أمشي بجوار أبي رافعا قامتي أحاول أن أبدو رجلا كبيرا وسط الرجال...لا نمر على أحد إلا ونسلم عليه ونصافحه ونهنئه بالعيد ويرد علينا التهنئة بأحسن منها...انقضت الصلاة...رجعنا وكان حالنا في العودة مثل ذهابنا تهيئنا لذبح الأضحية التي رعيناها حق رعايتها طوال الأشهر الماضية استعدادا لهذا اليوم فهذا هو عيدها وعيد لحومها...تحلقنا حول الجزار أمام البيت وعندما سالت الدماء كبر الجميع وهللوا ثم قام البعض بغمس كلتا يديه في دمها ووضع آثار أصابعه الخمس على الجدران عدة مرات درءا للعين والحسد.....

تمر بضعة أيام والأنوار ما زالت معلقة على منزل عم أحمد...وها هو يعود..يتجمع الأهل والأصدقاء ويقام السرادق من جديد ويحضر الناس للتهنئة مرة أخرى...رأيته يقف في بداية السرادق مشرق الوجه تعلو وجهه ضحكة مجلجلة وبجانبه صندوق يعطي كل من يسلم عليه مسبحة خضراء والبعض الآخر يعطيه – طاقية شبيكة – ومن له مكانة كبيرة عنده يدس في يده قارورة عطر صغيرة بالإضافة للمسبحة....

دخلت مع أبي لنسلم فأعطى أبي المسبحة الخضراء وأعطاني الطاقية الشبيكة والتي ارتديتها على الفور..

وظلت على رأسي أتفاخر بها أمام الأطفال وأقول لهم كما قال عم أحمد – دي بركة من عند سيدنا النبي- عادت الأمور لطبيعتها وهدأت القرية وعاد كل شيء إلى ما كان عليه...رأيته من بعيد يمشي كالطاووس عباءته علي كتفيه يمسك عصاه في يده جريت نحوه لأسلم عليه فلن أنسى أنه أعطاني الطاقية الشبيكة وبادرته بالتحية –إزيك يا عم أحمد – ولم أكد أكمل الكلمة حتى احمر وجهه ورفع عصاه وقال عمك الحاج أحمد يا ابن ال............

وقبل أن تهوي العصا على رأسي كنت قد أطلقت ساقي للريح مبتعدا هذه المرة عن عطايا عم الحاج أحمد....!!!!!!!!!
 
 


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى