الاثنين ١٩ نيسان (أبريل) ٢٠١٠
لا أحد كامل إلا
بقلم لمى نور الدين محمد

الضفدع كامل

 
 
حدث في بلاد العجائب، أن شريعة الغاب قد سادت و تحكمت، و أمسى من المستحيل التفرقة بين المورّثات والحقائق.

و بلاد العجائب تلك ليست (مكانا) محددا، و لا هي تبدأ عند حفرة معروفة، بل هي (زمان) واحد يعيد نفسه منذ لحظة لا تأريخ فيها، و لا عولمة..ينتهي هذا الزمان – حسب تنجيم معظم العقلاء – في حفرة معروفة. 

و إن كانت «أليس» تدخل بلاد العجائب في أحلامها، لتستيقظ بعد ذلك على واقع حقيقي، ففي بلاد العجائب الحقيقية لا حاجة للحلم و لا حتى للنوم. 

إذا خرج أحدهم من بلاد العجائب، ستحدث الأعجوبة الأكبر، و سيظلّ فيها!

فالكم الهائل من الأساطير، التعاويذ، التقاليد و الأعراف الذي يحكم تلك البلدان يلاحقه إلى الأحلام، و يسكن في الأيا.

«فقمة» هو الاسم الحركي ل«كامل»..أحد رجال بلاد العجائب، رجل مكرر بامتياز، و ليس في حاجة إلى مفاتيح كثيرة لرسم صورته.. فهو يشبه (الفقمة) في الوجه و اللون، أصلع و قصير القامة، ذو (كرش) متهدل، مملوء بستين سنة من النهم و الجشع. 

و ل"فقمة" هذا وأمثاله قصص عجيبة، قد تتسبب في (جلطة) الكثير من سكان المريخ أو المشتري أو أيّا من الدول الغربيّة التي يشك بأنّها كوكب آخر غير الكوكب الأرضي الذي اعتنق سكان بلاد العجائب فيه نظريّة:

نحن الأفضل..و نحن الصح!

وبذلك أغلقوا المنافذ في وجه كل مركبة تحمل تغييرا، أو حتى (صرصورا) مخالف للسائد الموّرث. 
كان يوما عاديا جدا عندما دخل "فقمة" الحي منذ عشر سنوات.. جارا طفلة لا يتجاوز عمرها الرابعة عشر على أكثر تقدير، كزوجة له.

و بترحيب من الجيران حلّ بينهم كإنسان طبيعي، و محترم. 

لم يخطر لأحدهم وجود خلل ما إلى أن توفي، و اكتسب الحي "قمر" التي منحت بلاد العجائب مجنونة جديدة. 
لم تكن "قمر" تشبه القمر و لا حتى النجمة، كان لنحولها الشديد، مع الانحناءة الذليلة في ظهرها وقع ليلي لا ضوء فيه. 

حصلت على شهرة مدويّة في (الحارات) القريبة، و لحقها العديد من الأطفال الضاحكين و الصارخين: مجنونة (الصباط). 

كانت تركض بخفة، و بفردة حذاء واحدة و تغني:

بين المشرق و المغرب..ضاعت فردة (صباطي)..أنا (ما )زعلت عليها..زعلوا عليها (جراباتي)... 
و اعتقد الجميع أنّها نسيت الكلام، لأنها لم تكن تنطق بحرف إلا بالأغنية السابقة.

ما من شيء سحر " قمر" و جعلها تتحدث سوى الضفدع كامل، المملوك من قبل "نزهة" ابنة الخياطة، يتيمة الأب.
و الضفدع كامل دميّة خضراء من قماش رخيص، صنعت معالم وجهها من الأزرار و الخيطان. 
كانت " قمر " تتبع " نزهة " كظلها و تمنحها كل النقود التي كان الناس يتصدقون بها عليها في مقابل أن تسمح لها بالاقتراب من الضفدع لتغني له بصوت هادئ و تحدثه:
 (ماحدا كامل غيرك يا أخضر).

 هل ما زلت تظهر في ذلك الصندوق؟!

 و أين جميع الأصدقاء؟!

 قل لهم أن يأتوا فقد رحل الشرير.

 (ما حدا كامل..غير الضفدع كامل)...

عندما اختفى الضفدع كامل من بيت الخياطة، توجهت أصابع الإتهام إلى (مجنونة الصباط).

و مع أن أم "نزهة " أقنعت ابنتها بأنها ستصنع لها ضفدع كامل جديد، و أقفلت الحديث في الموضوع، لكن أهل الحي لم يقبلوا بوجود سارقة لا إنسانيّة بينهم.

و قام أحد المستقيمين بالبحث عن أصل و فصل«فقمة» إلى أن وصل إلى بعض أقاربه، و دعاهم إلى لمّ عرضهم السائح في الطرقات. 

لا أحد يعلم ما الذي حدث لاحقا لمجنونة (الصباط)، و لا أحد يهمه أن يعرف لماذا حلّ في منزلها سكان جدد،المهم أن الأمان قد عاد إلى الحي!

 
اليوم و بعد مضي عشرات السنين على ضياع أو تضييع فردة (صباط) «قمر»، لا يزال الكثير من سكان الزمان المجتر يضيعون أحذيتهم بين الشرق و الغرب فيمشون (كالعرجان)، و كل ما ازداد طول كعب (الفردة) الضائعة، كلما ازداد العرج و تحوّل صاحبه إلى عزاء (الجرابات).

و تتحول الاغنية تدريجيا إلى:

بين المشرق و المغرب ضاعت فردة (عقلاتي)..أنا (ما) زعلت عليها..زعلوا عليها (جراباتي).
 
(الصبابيط) نفسها التي تسمح بدخول الكهرباء، الهواتف المحمولة، أفخم أنواع السيارات و العطور، و حتى القنوات (المشفرة)..هي نفسها التي( تدعس) الأفكار الجديدة و تخافها، و هي ذاتها التي تدوس على كل تغيير قد يذهب بمكتسبات تكمن شرعيتها في طول عمر الخوف من تغييرها. 

و(ما حدا) كامل غير..الضفدع كامل... 
 


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى