الاثنين ٣ أيار (مايو) ٢٠١٠
بقلم طه هنداوي

القيم في التراث الشعبي

(المثل الشعبي-الحكاية الشعبية-السيرة الشعبية-الأغنية الشعبية)

مقدمة

إن الثقافة الشعبية المصرية عريضة، تضرب في أعماق التاريخ، فهي لا فرعونية ولا عربية، ولا أفريقية، إنما هي كل هذا في الوقت معاً، ذلك أن هذا التراث في جوهره وبرغم تعدد أصوله ومصادره قد نشأ في أرض مصر وصاغه أبناؤها وهضموه وتمثلوه، فهو يعبر عن ذواتهم وآمالهم وأحلامهم وآلامهم وكفاحهم وقيمهم.

كما أن التراث الشعبى من فنون وآداب شعبية يعبر عن الحياة بما فيها من أفراح وأحزان دون كذب أو رياء، فهو تراث فكرى لحياة الشعوب لما يتضمنه من قيم روحية، وفنون أدبية شعبية، وموسيقى ورقص، ومما يجدر ذكره أن التراث الشعبى فى الاصطلاح العلمى الحديث يشمل القصص الشعبية التى تنتقل من جيل إلى جيل، وهو تارة على هيئة أغاريد أو قصص موسيقية راقصة، هذا الانتاج الفنى الشعبى نسمعه فى الأغانى الشعبية، والأغانى الدينية، وقصص الربابة، والمداحين، ونسمعه فى أدب المناحة، وأدب الآبار، والمثل السائر، و الأحاجي وحكاوي الأطفال، المواليا، الزجل، التواشيح، الدوبيت، الأهازيج، فنون النثر الشعبية، الملحمة ، السيرة الشعبية ، الأسطورة ،القصص الخرافية، الألغاز والنوادر.

ومما لا شك فيه أن القصص الخرافية تتضمن معانى خلقية، ومثلا وقيماً اجتماعية بالاضافة إلى المعلومات الجغرافية كأسماء البلدان والنباتات والبحار والحيوانات والجبال والصحارى، زيادة على ذلك أنها تزود الاجيال بمعرفة اصولهم وقبائلهم التى انحدروا منها، ودراسة الملاحم تبث الحماس وتذكى النفوس بالشعور القومى، فهى ربط الماضى بالحاضر كما أن أدب المدائح يكشف لنا عما يعتمل فى نفوس الشعب من أوهام ومخاوف حيث تتجسد تلك المخاوف فى الأمراض النفسية والجسمية والأزمات التى يتصدى لمجابهتها الدراويش والأولياء، فهم أبطال يدافعون الشرور فى نظر العامة، ودراسة الأمثال والحكم تفيدنا فى اكتساب تجارب الأجداد وخبراتهم. فهى بمثابة الشعارات التى توجه سلوك الأفراد، كما أن دراسة النوادر والألغاز تقوم بدور الترفيه عن النفس والتسلية. وإذا تركنا النواحى الموضوعية فدراسة الأدب الشعبى أيضا تفيدنا فى النواحى الجمالية كالصور الحية التى نلمسها فى الأزجال والتواشيح، والاهازيج، وأغانى الفلاحين و الرعاة.

المثل الشعبي

المثل يحمل فلسفة الجماعــة ويتمثل و يعبر عن رؤية القائل و ينتصر لأهدافه ،وهذا النص الذى ينتقل عبر الأجيال إنما يمثل اتجاه الجماعة، والمثل يقوم بدور حيوى فى تأكيد مفاهيم الجماعة ولا يذيع النص ولا ينتشر إلا بعد التصفية الشعبية حيث تستبقى الجماعة ما يناسبها وتنصرف عما انتهى دوره وهو ما يؤكد أن النصوص الشعبية عمومًا ليست مفروضة على الجميع ذلك أن علاقة المجتمع بهذه النصوص علاقة نفعية، كما أن نصوص الأمثال تدخل فى بنية العلاقات الاجتماعية على مستوى الأفراد والجماعة و تعبر عن تفاصيل العلاقات على مستوى الأفــراد وعلى مستوى الأسرة والفئات وعلى مستوى النشاط الحرفى، ومما لا شك فيه أن نصوص الأمثال غنية بتفاصيل العلاقات الاجتماعية على مستوى الفرد والجماعة وهو يدل على أن المجتمع المصرى مجتمع أسرى وهذه الظاهرة هى إحدى أبرز مكونات الشخصية المصرية والتي تعبر عنها كافة النصوص الشعبية مما يكن معه القول بأن هذه النصوص يمكن أن تضع الرؤية السليمة أمام صاحب القرار السياسى أو الاقتصادى أو الاجتماعى.( 2)

ويتمثل ذلك فيما يأتي:

* الصحبة والعشرة:

 الجار قبل الدار
 خد الرفيق قبل الطريق
- جنة من غير ناس ما تنداس.
 الناس لبعضها.
 لاقيني ولا تغدينى.

* التعاون:

 إيد على إيد تودّى بعيد.
– إيد لوحدها ما تسقّـّفش
- القفة أم ودنين يشلوها اثنين.
 من قدم السبت يلقى الحد قدامه
 من خدم الناس صارت الناس خدامه.

* المعاملات:

 قول فى وشه و لا تغشه.
 اللى أوله شرط أخره نور.
 في الوش مراية وفي القفا سلاية.
 تعرف فلان؟ أعرفه. عاشرته؟ لا ما عاشرتوش. تبقى ما تعرفوش
 امشى عدل يحتار عدوك فيك.
 حرص من صاحبك و لا تخونه.

* الحيطة والحرص:

 المال السايب يعلم السرقة.
 الباب المقفول يرد القضا المستعجل.
 الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح
 اسأل قبل ما تناسب يبان لك الردى من المناسب.
– ابعد عن الشر وغني له.
 ما ينوب المخلّص إلا تقطيع هدوم
– يا واخد القرد على ماله يروح المال ويفضل القرد على حاله.

* الحث على العمل:

 الإيد البطالة نجسة.
 الشاطرة تغزل برجل حمار.
 اسعى يا عبد وأنا أسعى معاك و إن نمت يا عبد مين ينفعك.

*الترابط الأسري:

 أعز الولد ولد الولد.
 أم البنات حاملة الهم للممات.
 إبنك على ما تربيه .
- ما يحمل همك إلا أخوك و ابن عمك.
 أنا وأخويا على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب.
 قالوا جالك ولد قلت انشد ضهري وانسند

الحكاية

مصطلح فضفاض يستوعب ذلك الحشد الهائل من السرد القصصي الذي تراكم على الأجيال والذي حقق بواسطته الإنسان طثيرا من مواقفه ورسب الجانب الكبير من معارفه وليس وقفا على جماعة دون أخرىولا يغلب على عصر دون آخر(3 )، والحكاية الشعبية ليست ابتكارية لحظة معروفة، وتنتقل شفاهة، وتتصف بالمرونة حيث يمكن أن يضاف إليها أو يحذف منها.

والأسطورة من أشكال الحكاية والتي تجسد قيم وعقائد بعينها كعقيدة الخلود بعد الموت كما في أسطورة إيزيس وأوزيريس، كما ان هذه الأسطورة قد انفرطت عقدتها إلى محموعةمن العادات واالتقاليد وحولها تدور الحكايات والقصص، ومنها ما يفسر بعض الظواهر مثل ارتباط الشمس بالنيل والفيضانات وغيرها.

كما أن حكاية الحيوان تستهدف غاية أخلاقية، وهي قصيرة تقدم بأحداثها حيوانات تتحدث وتتصرف كالإناسي وتحتفظ بسماتها الحيوانية لتدعيم قيمة أخلاقية أو مثل أخلاقي أو نقد سلوك الناس وتصرفاتهم.

ومن تلك الحكايا "كليلة ودمنة" التي ترجمها ابن المقفع عن الهندية "بانجاتانترا"حيث يرسم فيها قيم الاعتدال أو التوسط عن طريق التكثيل والوعظ، وأيضا في "ألف ليلة وليلة" وما فيها من إلحاح أيضا على التعقل في السلوك والامتناع عن الشطط والتهوربسرد القصص الذي استطاعت شهرزاد بواسطته أن تحمي بنات جنسها من رعونة شهريار(4)

السيرة الشعبية

وهي حكاية طويلة ذات حلقات يحفظها متخصصون متفرغون يحترفون تقديمها لجماهير المستمعين في الأعياد والمواسم والأسواق، ومن التقاليد التي تقترن بالسير الشعبية ذلك الاستهلال والختام بالصلاة على النبي مع تأكيد المحترف على صفته العربية مما يبعث في النفس التوازن والاعتصام بالفتوة الغربية.

ومن أشهر السير الشعبية " سيرة سيف بن ذي يزن"حيث يجسم النضال في سبيل الحرية ورغبته في تحرير التراب العربي الذي أغار عليه أعداء العرب، وكان ينزع إلى تحقيق االمساواة بين الناس كافة ويمنع الظلم.

كما أن سيرة" بني هلال" وسيرة الظاهر بيبرس تحكي الرحلة من واقع يؤكد العجز والقيد إلى مثال يشيع منه العدل ويتسع فيه الشعور بالقدرة فتتحرر الإرادة كما يتحرر الفكر والضمير.(3)

الأغنية الشعبية

وهي مصطلح لم تعرفه اللغة العربية إلا حديثا، والمصطلح الألماني (Volkleid) قد اصطنعه هردر(Herder ) في الثلث الأخير من القرن الثامن عشر.

والأغنية الشعبية من إبداع شخص واحد، ثم راحت الجماعة ترددها وتعدل وتبدل فيها حتى أصبحت ملكا لها تعبر عن مشاعرها وآمالها وأحلامها، كما أنها تتنوع وتختلف من مكان إلى آخر ولكن يبقى الأصل الموسيقي ثابتا .
وتدور الأغنية الشعبية المصرية في جوهرها حول الحب والزواج والموت والبكائيات، كما ترتبط بالزراعة وفلاحة الأرض، كما نجدها في نداءات البائعين والشحاذين، والزجل والموال وأغاني البدو الشعبية والدينية والتواشيح والسير الشعبية وأغاني الشعراء الجوالين والمسحراتية في رمضان (1)

والأغاني الشعبية لها شأن عظيم في معرفة ثقافة الشعب، وتكشف عن شخصيته وروحه وسلوكه ومثله العليا وتحض على الشهامة والرجولة والصبر والثبات للمحن.

فماذا تكشف الآن؟

المراجع

1-إبراهيم زكي خورشيد:الأغنية الشعبية والمسرح الغنائي، المكتبة الثقافية، الهيئة المصريةالعامة للكتاب، 1985 م

2-إبراهيم شعلان :المأثورات الشعبية والتنمية الاجتماعية، فعاليات المؤتمر الثالث للمأثورات الشعبية بالقاهرة من 27-30 نوفمبر 2006م (المجلس الأعلى للثقافة)

3- عبد الحميد يونس : الحكاية الشعبية دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، ع 200 ،1968 م

4- فاروق خورشيد:عالم الأدب الشعبي العجيب، مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1997 م
الباحث


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى