الأربعاء ١٢ أيار (مايو) ٢٠١٠
بقلم ماهين شيخاني

زائر الليل

كان اليوم الثاني من عودتهما بعد قضاء ثلاث أيام من العسل وذلك لظروفهما المادية، و لسوء الأحوال الجوية حيث صادف زواجهما في فصل الشتاء. وقد اتفقا مع نجار الموبيليا على أن يكون الأثاث الغرفة حين عودتهما جاهزة حسب وعده لهما، حيث استلم معظم نقوده، ولكن النجار نكث بوعده ولدى عودتهما كان نصف المواد غير جاهز، كل ما قام بتجهيزه السرير أما الخزانة كانت الأبواب غير جاهزة. حيث أصبح منزلهماالصغير المكون من غرفة - بالاسم صالون - وغرفة منامة محصورة لا يستطيع المرء التحرك بداخلها، غير مرتب لا يمكنهم استقبال الضيوف.

رن جرس الباب، سألته من يكون في هذا الوقت المتأخر من الليل.

 أكيد أحد من أهلي، قد يكون أخي جالباً بعض من الحلويات، أحب أن «يضيفنا» قبل أن يذهب إلى منزله.

كانت السماء ملبدة بالغيوم وأنوار الشارع منطفئة واحتمال الكسر وارد، لأن أولاد الحارة يقذفون بالحجارة إلى عامود الكهرباء وكأنه دريئة يتدربون عليها للرماية.

فتح الباب ودون أن يمد رأسه للخارج منتظرا الطارق للدخول، فجأة ظهر أمامه شبح شخص ملثم، ذي هامة كبيرة، هزه الخوف الكامن في داخله، كاد قلبه يقفز خارج صدره، ارتعدت أوصاله لاشعورياً ولم يعد قادراً على النطق، تسمر في مكانه للحظات،كان ضوء المنزل ينعكس إلى وجهه الملثم، لم يتراءى له سوى عيناه الجاحظتين، ولم يدر كيف بدر منه صوت خافت:
 أهلا وسهلا، هل من خدمة أقدمها لك.
 لم ينطق!!!.
 قال في سره: لعله يبحث عن بيت أحد السائقين، أو أحد معارفه ولم يعد يتذكر الاسم. هناك أناس ينسون الأسماء بسرعة، وقد يكون هذا واحد منهم ومصاب بهذا المرض اللئيم، عسى خيراً يا أخ، هل تبحث عن أحد في هذا الليل..؟
 ظل الملثم صامتاً، وعيناه تتفحصان صاحب الدار من رأسه إلى أخمص قدمه، تحرك صوبه ودون أن يستأذن له بالدخول ولج الدار، لم يعد يتمالك نفسه، غمر بحر من الحيرة والارتباك، مدد يده المرتجفة إلى صدر الملثم لصده وباليد الأخرى لنزع اللثام ليكشف عن وجهه وبرهبة سيطرت على كيانه سأله: عفوا لحظة، إلى أين..؟. وماذا تريد؟.
 تأتأ قائلاً: دعني أدخل وأشر بكلتا يديه حركات إيمائية على انه جائع، ثم ردد بثقل : جائع، طعام!.
 استغرب لهيئته، تردد في دخوله، كونه يعلم إن دخوله في هذا الوقت المتأخر من الليل لمنزله غير مأمون قد لا تحمد عقباه، وذا الشخص غريب ليس من بلدته ولا حتى من قراها، انه في الأربعينيات من العمر وقال في سره: لو من منطقتنا لرأيته أو لمحته ذات مرة في السوق، في الأعراس أو العزوات، غريب أمر هذا الرجل، ولكن كلمة (جائع) آلمه ومزقه من الداخل، سيطر على جسده قشعريرة جعله ينصرف من مخاوفه وتردده وأدخله إلى الصالون.

كانت عروسه مترددة لا تجرؤ دخول الدار، ترتعد وجلا ًوتهمس: سأهتف لأهلك، إن أطواره غريبة، ثم اقتربت بخوف من الباب ومدت عنقها وقالت:
 انظر..!. كيف تمدد واستلقى على البساط، وسحب وسادة دون أن ينتظرك، غداً سأحرق تلك الوسادة لأنها تعشش فيها قمله، مستحيل أن يكون شخصاً سوياً، إن تصرفه وحركاته تدل على إنه مختل عقلي، زفرت بغيض واستأنفت: هل من الحكمة أن تسمح لإنسان تجهله لا تعرفه، لو كان في وضح النهار لقلنا فقير أو معتوه وجائع وأدخلناه ، لماذا سمحت له بالدخول، ألا تخاف على أنفسنا، في هذه الأيام من لا يحسب لا يسلم؟.
 لا يجوز يا امرأة أنه جائع وطرق بابنا، المقدر والمكتوب ليس له من هروب، اذهبي واحضري الطعام ولا تنسي الشاي..؟.

كان الضيف لا يأبه بما يدور من حديث بين الزوجين، ينظر للسقف وللستارة المؤقتة للنافذة ومد يده للستارة لمسها و«دعكها» بين أصابعه ورفعها قليلاً، وبدأ يلتفت يمنة ويسرة ولا يتفوه بشيء وحدقتاه كبندول الساعة لا تهمدان، حاول أن يأخذ منه معلومة، حادثه، سأله عن اسمه ومن أي مكان، هل له أقارب هنا في المنطقة، لكن دون جدوى.

لدى حضور الطعام، تناول بضع لقيمات لا تدل على إنه كان جائعاً كما ادعى، وشرب كأساً من الشاي الساخن وقبل أن يكمل المضيف كأسه، سمع رنة غريبة ظنها من هاتفه المحمول في غرفة المنامة، توجه لجلبها إلا أن الهاتف لم يكن متصلا، وما إن رجع إليه رآه قد انتصب واقفاً، رفع كفه المبسطة كتحية شكر وبعجالة انتعل الحذاء وغادر.
 تنفسا الصعداء وكأن هماً كبيراً قد زاح عن كاهلهما.

بعد إغلاق الباب مباشرة، لاحظا بأنه قد ترك حذاءه، وانتعل حذاء آخر، أسرع نحو الباب للحاق به، لكنه اختفى بلمح البصر في ذاك الشارع الطويل، وغادر النوم جفونهما حتى طلوع الشمس، وترك في ذهنهما أسئلة عدة لم يحصلا على إجابتها حتى اللحظة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى