الجمعة ١ تموز (يوليو) ٢٠٠٥
أدباء مصريون من أجل التغيير ..
بقلم أحمد الخميسي

التعبير عن الموقف أم الوجود ؟

أصدرت كوكبة من الأدباء والفنانين المصريين المعروفين بيانا موجزا باسم " إعلان مبادئ " يعبرون بكلماته عن " أشواق المجتمع المصري إلي الحرية والتغيير " ، ووقعه الكاتب الكبير بهاء طاهر ، وشاعر الشعب أحمد فؤاد نجم ، والروائي المرموق محمد البساطي ، والكاتب محفوظ عبد الرحمن ، والروائي علاء الأسواني ، والشاعر محمد عفيفي مطر ، والمخرج المعروف على بدرخان ، وأسماء أخرى من بينها اسمي . وتضمن البيان تسع نقاط محددة ، تعبر إجمالا عن مطالب التغيير السياسي والاجتماعي ، المعروفة والملحة ، وفي مقدمتها : التأكيد على مبدأ الحرية ورفض الرقابة ، إلغاء القوانين المقيدة للحريات وخاصة قانون الطوارئ ، وإطلاق حرية تكوين الأحزاب وإصدار الصحف ، والإقرار بحق المواطنين في الإضراب والتظاهر ، ورفض التمديد أو التوريث ، وتحديد صلاحيات رئيس الجمهورية ، ورفض كافة أشكال التدخل الأجنبي ،! والتطبيع مع العدو الصهيوني .

ويأتي ذلك البيان المسمى " إعلان مبادئ " في سياق صحوة سياسية نسبية لفئة المثقفين شملت المحامين والقضاة والمهندسين والأطباء وأساتذة الجامعة والصحفيين والطلاب والمفكرين ، وهي صحوة بدأت منذ خمسة أعوام خلال الغزو الإسرائيلي البربري لجنين ، ثم تأججت مع الغزو فالاحتلال الأمريكي للعراق. فقد أحس الكتاب والفنانون مع غيرهم ، وربما قبلهم ، بخطر التوحش الاستعماري المتربص عند حدود الوطن وفي داخله معتمدا على طابور خامس من منظمات أهلية ممولة من المخابرات الأمريكية تحت أقنعة متعددة ، تبذل كل جهدها في سبيل تجزئة القضايا الكلية في الوعي العام ، وتحويل حقوق الأوطان إلي حقوق إنسان لا تجمعه بغيره قضية عامة ومشتركة هي قضية التحرر والتقدم .

وقد حاول المثقفون التعبير عن موقفهم الوطني منذ عام 1981 حينما تحرك سعد الدين وهبة لإنشاء جمعية للمثقفين بديلا لاتحاد الكتاب ، ثم أصبح بفضل هذه الجمعية رئيسا لاتحاد الكتاب الرسمي ، وشهدت السنوات الخمس الأخيرة خمس محاولات لتجميع الكتاب لم يكتب لواحدة منها الاستمرار : أولا الإعلان عقب أزمة الروايات الثلاث عن تأسيس " جماعة الكتاب المستقلين " ، ثم " اتحاد كتاب مستقل " ، وسعى الأستاذ محمود أمين العالم لتكوين " جبهة المثقفين " ، ثم دعت بعض الجهات الحكومية إلي عقد " مؤتمر للمثقفين " لم ينعقد ، وأخيرا قام البعض عقب رفض صنع الله إبراهيم لجائزة الدولة بتأسيس سريع لجبهة كتاب تحولت بعد لحظات من الإعلان عنها إلي حبر على ورق . وكان الدافع الأول الطاغي خلال كل تلك المساعي هو أولا الشعور بالغضب مما يجرى ، والرغبة العارمة في الاحتجاج النبيل على ما يحدث من حولنا ، وكان السبب ال! رئيسي أيضا في تعثر كل تلك المساعي هو رغبة الكتاب في التعبير عن موقفهم ، وليس وجودهم .

ويكفي للتعبير عن موقف الأدباء والفنانين بيان مثل الذي صدر ، لأنه يحدد بوضوح الأدباء والفنانين الوطني الذي ينطلق من أنه ليست هناك ثقافة محايدة ، وأن للأدباء موقفهم من الهموم العامة كموضوع الإصلاح السياسي ، والتطبيع ، والصراع العربي الإسرائيلي ، وثقافة السلام التي تحذف بموجبها خرائط فلسطين من برامج التعليم ، وأزمة الثقافة ، وأزمة الوطن الذي شهد أدباؤه كيف مرت سفن الغزو الأمريكية في قناته نحو العراق ، ويلمس أدباؤه كيف يعاني تسعة ملايين مواطن من البطالة ، وكيف يعيش 35 % من أبناء هذا الوطن في مساكن عشوائية ، وأربعة ملايين أسرة بدون مأوى ، وكيف يحيا 45 % من الفلاحين بلا أرض ولا سقف ، إنه وطن يتحرك على أرضه 18 مليون أمي ، ويضاف إلي ذلك مؤخرا هتك عرض النساء في المظاهرات ؟ . إن و! طنا بهذه الصورة لابد أن يستفز ضمير الكتاب ليعلنوا موقفهم . ألم يقل يوسف إدريس ذات مرة موضحا سبب انشغاله عن الأدب بهموم الصراع الاجتماعي : " كيف يمكن أن أنشغل بالأدب وستائر البيت تحترق ؟ " . ثم هل عرف تاريخ الأدب كاتبا كبيرا ليس له مشروع لتغيير العالم ؟ . أليس الأدب في حد ذاته عملية إعادة صياغة للعناصر القائمة ؟ أي بناء العالم بشكل جديد ؟ وتخيله بصورة أجمل ؟ إن الأديب هو مواطن أولا وقبل كل شئ ، لكنه مواطن صاحب قدرات إبداعية خاصة ، يستقبل العالم بصفته صورا أدبية ، أو حالة شعرية ، أو مشاهد سينمائية ، أو شخصيات تنطوي على مغزى عام . ولهذا كان المواطن في كل أزمة وطنية عامة يغلب على الأديب ويدفعه إلي زحام الناس وحركة المجتمع .

إلا أن " التعبير عن الموقف " ليس وجودا مستمرا لحركة الأدباء . فقد يشتعل ذلك التعبير ثم ينطفئ كالماغنسيوم ، ما لم يجد الأدباء والفنانون الصيغة التي تمكنهم من تحقيق تطلعاتهم الوطنية العامة في صورة محددة في مجال عملهم أي الأدب والثقافة . إن الأدباء الذين يعبرون عن " أشواق المجتمع المصري إلي الحرية والتغيير " لابد أن يجدوا صيغة لذلك التعبير في مجال عملهم النوعي ، أي بخلق منظومة عمل تسعى لبلورة التيار الوطني في الثقافة المصرية ، والتصدي للبنود الثقافية في معاهدة كامب ديفيد ، ومواجهة " ثقافة السلام " التي يريدون بها محو تاريخ المقاومة الوطنية للاستعمار ، ومكافحة الثقافة الرسمية المترهلة، وإعادة الاعتبار للكتاب ذوي التاريخ الوطني ، وغير ذلك من مهام هي بطبيعتها في صميم العمل الثقافي اليومي .

إن ما نحتاجه الآن ، هو شئ أكثر من التعبير عن الموقف . إننا بحاجة للتعبير عن وجودنا ، من خلال شكل منظم ، ووسائل محددة ، تكفل لنا حركة مستمرة لمواجهة التوحش الاستعماري الذي يهددنا ، ومواجهة الاستبداد الاقتصادي ، والسياسي ، والاجتماعي . إننا بحاجة إلي تنظيم " ضمائرنا " لتعمل كل ساعة . وليكن البيان الذي صدر نقطة انطلاق .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى