الأحد ٢٧ حزيران (يونيو) ٢٠١٠
بقلم راوية رياض الصمادي

سيث ليرر يؤرخ لقارتين

مستثنيا أدب الأطفال في باقي القارات

إن الكتاب يلقي الضوء على مراحل نمو الطفل "وأن أول ما يتعلق به الطفل هو الحروف في الكتب التي يعرضها الأب أو الأم".وإن المؤلف سيث ليرر يحاول أن يعرض تجربته الشخصية عندما قرأ أول كتاب، وهو عندما يقول "لقد فكرت في الأمر من وجهة نظر شخصية وأنا أراقب طفلي كيف كبر وأصبح قارئاً". إلى منهج مهم في الحياة وهو يدور في محوره حول القراءة.

لمن لا يعرف سيث ليرر فهو عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، هو أستاذ المتميز في قسم الأدب. "أدب الأطفال" تم اختياره من قبل لجنة دولية من النقاد البارزين والكتاب وهذه اللجنة كانت مؤلفة من تيري القلعة، جاريت ستيورت، مايكل وود، جون كيرجن، ألين سكيري، وألين شوآلتر. كل واحد منهم عمل على ترشيح كتاببين.

ومن كتب النقد الأدبي العامة باللغة الإنجليزية والتي نشرت خلال السنوات الأربع الماضية كانت مؤهلة للترشيح وبعد قراءة كل الكتب المرشحة، فاز الكتاب الذي فاز عام 2009 بجائزة حلقة نقاد الكتاب الوطني.

الكتاب هو نوع من "سيرة ذاتية فكرية"، نقدت ماري التتار من جامعة هارفد كتابه قائلة "تاريخ قوي بشكل مذهل ومعقد لأدب الأطفال فهو ينشط بدلاً من أن يستنفذ".

يحاول ليرر أن يعطينا الحقائق، فهو ينسج قصصاً في حساب ما يتحرك في الفكر، وهو يعتبر دليل مثالي للطلاب الجدد في مجال أدب الأطفال، فهو يجسد تماماً حب الأدب الذي ينمي فهم الطفل إلى مراحل البلوغ، إنني أعتقد بأن ليرر أنجز وبشكل غير مسبوق عملاً سحرياً، على عكس العديد من الكتيبات التي تستعرض لأدب الأطفال هذا النوع من الأعمال يمثل نقطة تحول حرجة في التاريخ. فهي تحتوي ثقافة وعلم قد تكون شاملة فهي سهلة المنال ومسلية، فليرر يأخذ الموضوع على محمل الجد من دون جعل محتواها ممل.

عند النظر في المقدمة التي تحدثت عن تأسيس نظرية جديدة إلى تاريخ أدب الطفل، هذا جعلني أتوقف كثيراً عند تاريخ أدب الطفل العربي، ويجعلك هذا تتسائل هل يوجد أديب أو ناقد أو شاعر أهتم بتجديد أو تأسيس نظرية جديدة، ليرر يحترم فكر الطفل لهذا فهو يبحث عن الجديد، قليلاً من أدباء العرب الذين يكتبون حول أدب الطفل، ولكن هل نقدهم وكتاباتهم تنبع من حب صادق، أم إنها إضافات جديدة يتم طرحها فقط لتدل على أن هناك من يكتب لأدب الطفل، متى سنجد في الوطن العربي أمثال ليرر يهتم بصدق وبدون التفكير بجائزة فهو يهتم بجودة العمل الذي يقدمه، ومن يختاره هم الذين يقرؤون عنه ومن ينتقده وليس هو من يحاول أن يثبت أستحقاقه للجائزة، متى تختفي من مجتمعاتنا مفهوم الفوز على حساب الجودة في تقديم ما هو خيرٌ للبشرية.

من خلال تصفحك لكتابه تجده في الفصل الأول يتناول أدب الطفل في الأعمال الكلاسيكية القديمة اليونانية والرومانية، وهو بعنوان "تكلم أيها الطفل". عبارة جعلتني أستفز من الداخل، إنني أستغرب الأدب العربي والأدباء، فأنا لكثرة ما قرأت لكتب الأطفال لم أجد في المكتبات العربية عملاً واحداً يتطرق إلى أدب الطفل في الأعمال الكلاسيكية القديمة على العهد العباسي، أو الأموي، أو البابلي، أو الفرعوني، أو أي حضارة تعاقبت على الوطن العربي، هل يعتبر الطفل في الوطن العربي شئ كما باقي الأشياء التي لا يجب أن يتحدث عنها العرب في كتاباتهم، متى سينصف الطفل ومتى سيكون له أدب معترف به، ولماذا يهتم الغرب بالطفل ويمجدوه حتى أنهم يفردون فصولاً عن الأعمال الكلاسيكية أو الحديثة أو أي مظهر من مظاهر الحضارة لديهم، لماذا في ثقافتهم يكمن الأحترام للطفل بينما ثقافتنا لا تعير الطفل إلا الفتات من مخزون تراثها .... أسئلة دون أجوبة دائماً لا تجدها إلا لدى المثقف العربي.

أشار إياد نصار في مقالته التي نشرت في الدستور 18/6/2010 أن الفصل الثاني من الكتاب تناول حكايات يعسوب، تلك الحكايات الرمزية عن الحيوانات وعلى ألسنتها ، بهدف تربية الأطفال الأخلاقية ، والتي وضعها الإغريقي يعسوب في القرن السادس قبل الميلاد. ما أستوقفني أن أغريقي فكر بالأطفال وكتب عنهم في القرن السادس قبل الميلاد بينما نحن العرب لم أذكر أنهم كتبوا للأطفال قبل هذا الوقت، وهذا التقصير جعل الأدب الموجه للطفل في الثقافة العربية قاصر رغم ما وصل إليه.

لقد ذكر ليرر عدد من الذين أثروا على أدب الطفل منهم جون لوك والقديس أغسطين وتأثير رواية روبنسون كروزو، وحكايات الجنيات والكائنات الخيالية، فصول الكتاب الأخيرة فصول تنوعت بعضها تحدث عن مراحل تطور الأدب الخاص بالطفل، حتى أنه أستعرض المراحل التي مر بها أدب الأطفال من العصر الفيكتوري والعهد الإدواردي، إلى مظاهر التطور في أمريكا وتمثيلاته، مستقبل الأدب الخاص بالطفل يعرضه بطريقة ساخرة ومضحكة ملمحاً إلى أن هذا العصر "عصر ساحر يقوم على توظيف الغريب والمضحك في سياق له معنى".

حاول الكاتب أن يكون مؤرخاً من خلال البحث الجاد والأصالة التي تتمثل في إضافات الكاتب، هناك علامات فارقة تم طرحها لها معنى ولها مغزى ولم يتم طرحها هكذا، هذا الكتاب فعلاً يحاول أن يقدم توضيحاً لماذا نقع في حب الكلمة المكتوبة.

يستعرض إياد نصار في دراسته النقدية عدد من الكتاب الذين ساهموا مساهمة لا يستهان بها حتى صارت جزءاً من ذاكرة أدب الطفل الحديث. في أحدى الفصول تطرق ليرر إلى الأعمال المسرحية منها مسرحية شكسبير فهو يؤكد أنها السبب في قيام مسرح الطفل الحديث، لماذا لا نناقش هذه الفقرة إنني أشعر بأن التراث العربي رغم عراقته ورغم كل ما كتب، إلا أننا لا نجد مسرحيات أثرت في أدب الطفل ولم يكن هناك فكر مسرحي مخصص للطفل، قد تكون الحركات الموجودة حالياً تواكب العصر في لغة أدب الطفل ولكنني أعتقد أنها غير مجدية فهي تحاول أن تقلد قوالب جاهزة ولا تحاول أن تكون مبدعة متجددة كما حاول الغرب قبل 2600 عام، أجد أن أدب الطفل العربي غير موجود رغم الأقلام التي تكتب له بالمعنى الذي أراه وأقرأه وأسمعه، أنه عبارة عن قوالب الأدباء يطبقونها، أما بالنسبة لأدب الطفل فهو غير موجود لدى العرب.

يتطرق الكتاب إلى أشهر أعمال أدب الطفل عبر العصور منذ الحضارة اليونانية، مروراً بالقرون الوسطى، ثم عصر النهضة فهو يذكر كل القصص والروايات التي كتبت عن الأطفال، يذكر إياد نصار أن ليرر يسقط من حسابه في سرد هذا الكم من القصص والروايات الأدب الشعبي التي في رأيه كانت ذات تأثير قوي في وعي الطفل حول العالم. ومن قصص الأدب الشعبي حكاية ألف ليلة وليلة، وهو يعترض ويستغرب لعدم وجود الكتب والحكايات العربية المشهورة مثل "البساط السحري" و"الحصان الطائر" و "ياسمينة والسندباد البحري" و "علي بابا" و " علاء الدين والمصباح السحري" ويذكر أنه تجاهل الأدب الصيني والياباني والهندي وأضيف الأدب الأسترالي والأدب الروسي الذي كان له بصمات واضحه وتأثير قوي في أدب الطفل للأجيال عديدة، ما أريد قوله للرد على أعتراضات إياد نصار، أن سيث ليرر كان متعمداً وبشكل خاص أن يؤرخ لأوروبا ولأمريكا اللاتينية على السواء ، وذلك واضح من خلال هذه الموسوعة التاريخية التي تؤرخ لشعوب على حساب شعوب أخرى، أن تجاهل هذا الكم الهائل من الآداب العالمية في رأي الخاص يجعل هذه الكتاب حكراً على فئة دون أخرى. فهو يسقط من دراسته عدد غير قليل من الأعمال التي أثرت بدورها على أدب الطفل، وبالتالي هذا الكتاب لا يعد موسوعة عالمية بالمعني الحرفي للكلمة بل هي موسوعة خاصة بعدد من الأعراق البشرية والتي تم إختيارها حسب ميوله الشخصية أو حسب ما يمرره لإبنه حتى يثقفه ثقافة معنية بالذات. وهذا نجده تماماً عندما يؤكده الكتاب "أن شخصية الطفل هي ما يقرأ، وهكذا فنحن تصنعنا الكتب التي نقرؤها". وتجد هنا تأكيداً لما سبق عندما يقول المؤلف " لا ينفصل تاريخ أدب الطفل عن تاريخ الطفولة، لأن الطفل ليس إلا صنيعة الكتب والنصوص والحكايات التي قرأها أو سمعها أو رويت له". وهذا رد واضح عندما قلت أن ليرر يتحكم بما يقرأ أبنه فهو عندما يذهب للمكتبة ويشتري أحد الكتب فهو ينتقي ما يقرأه فهو بذلك يقصي نفسه عن كتب تتحدث عن آداب أخرى. ربما لا تتوفر آداب عالمية مترجمة للغات الأخرى إلا أن هذا لا يعتبر عذراً فمع إنتشار الإنترنت ووجود مواقع خاصة بالترجمة وكونه عميد الآداب والعلوم الإنسانية وأستاذ متميز للأدب في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، كان يجب عليه أن لا يكون منحازاً أو غير عارف بالأدبيات الأخرى.

يلفت الكاتب النظر إلى نقطة مهمة حين يؤكد أن صعود نجم أدب الطفل الأمريكي كان مرتبطاً، إلى حد كبير، بانتشار فكرة إعارة الكتب في المكتبات العامة، أولاً أين ثقافة الطفل العربي من ثقافة القراءة قبل الإعارة، الكتب ترص في المكتبات دون أن يكون هناك من حملات لتوعية هذا الجيل والأجيال القادمة بأهمية القراءة التي ترفع الأمم بدل أن يحطها الجهل، ما يجعلني في بعض الأحيان أشعر بالغيرة عندما أتابع عبر التلفاز عدد من القنوات، مثل الليابان أو بعض الدول الأوروبية وتشاهد الراكب والماشي والقاعد يحمل كتاباً يقرأه أين العرب من هذه الثقافة اليابان بعد أن خرجت من الحرب العالمية الثاني مهزومة منكسرة وخلال سبع سنوات أصبحت من أكثر دول العالم تقدماً والسبب هو الكتاب والقراءة،في جميع مكتباتها تجد شعاراً عند المدخل، الشعار عبارة عن طفل يعمل بالحقل وبيده كتاب، أين ثقافة العرب من هذا؟ أنني أشعر بالحزن الشديد على جهل العامة بأهمية القراءة، لا يكفي أن نضع المبادرات ولا يكفي أن نوجد المكتبات، ما دام لا يوجد لدينا دافع قوي للقراءة والتعلم تجد الأب يخرج إبنه من المدرسة أو تجد الفتاة متلهفة بسن مبكرة على الزواج، القراءة تغرس من الصغر وليس عندما يشتد العود فلا يعود هنا وقت للقراءة، القراءة تعلم الصبر وتعلم الحكمة فأين الصبر والحكمة والقراءة من مجتمعاتنا العربية.
ركز الكاتب على الأدب الإنكليزي وإنتقى منه عدد من المؤلفين وختار العصر السابع عشر، والعصر التاسع عشر لأن أوروبا قبل ذلك كانت غارقة في عصر لم تكن فيه كثير من الأختراعات والعلوم الموجودة أما القرن التاسع عشر تطرق فيه إلى "سيد الخواتم"، في رأي الخاص هذه الرواية بعد أن تم ترجمتها كفلم عرض في دور العرض لا تعتبر موجهة للأطفال قد يكون عنصر التشويق عالياً فيها، واستخدام لغة الأساطير ولا معقول والمؤثرات الصوتية والتقنيات العالية ولكنها لا تخاطب عقول الأطفال بل هي تطرح فكرة الشر والخير من خلال الخاتم الذي يحاول بطل القصة القضاء عليه وبذلك ينتهي عصر الشر ويبدأ عصر الإنسان كما جاء في الرواية، حتى لو أنها كانت توحي بتعابير غير مباشرة أنها للأطفال إلا أنها ليست بفحواها تخاطب عقل الطفل الغير مدرك بعد لمقدار الشر والخير في تغيير المصير.

في "ربنسون كروزو" يركز الكاتب على مدى التطور الذي شهدته شخصية البطل ويذكر أن معرفة البطل هي نقلة نوعية في حياته وهو بذلك يؤكد بأن الإنسان لا يستطيع أن يحيا في جزيرة وحيداً إذا لم يمتلك المعرفة فالقراءة والتعليم الذي تلقاه في الصغر هو الذي أنجاه عندما كان وحيداً في الجزيرة، وهذه أعتبرها حقيقة لا جدال بها.

في مسألة التركيز على تقديم النصح للفتى وكيف يتصرف جيداً، ويراعي نظافته، ويتكلم بوضوح، ويهتم بدراسته فإن خير مثال على هذا التراث العربي بما فيها من قصص وعبر شملت الكبار والصغار على السواء وهذا نجده في سيرة الرسول بوضوح، وحكم لقمان، وتعاليم بوذا وغيرها من النصائح التي وجهت للأطفال والكبار على السواء، ولكن الغرب يرفض دائماً فكرة الحديث عن هذا، ويحاول التركيز على فلاسفتهم وأدبائهم وأنبيائهم متجاهلين ما لتأثير الآداب الآخرى على قصص الأطفال.

مستثنيا أدب الأطفال في باقي القارات

تعليق بقلم عائشة التركي:

سأبدأ من حيث انتهى المقال وهو أن أدبنا العربي قديما على الأقل لم يهمل الطفل كما ادّعت الدراسة التي تكلمت عنها، وأضيف إلى ماذكرت أنّ أدبنا العربي له خصوصية أنه أدب ظل لقرون طويلة قائما على المشافهة أي أن ما هو موجود من شعر وحكايات وخرافات....كلها كانت تتناقل شفويا ويوليها العربي وقتها كبير عناية ولا شك أن الخرافة وأشكال الحكي القديم كان منها ما هو موجّه إلى الطفل ومسهم في بناء المعرفة لديه.أما الحديث عن المسرح عند العرب وأثر غيابه في حياة العربي الثقافية فإن المسرح التعبيرة الثقافية الغربية الأشهر ،ولكنّ العربي لأسباب كثيرة أهمها اعتداده بشعره عزف عن المسرح ولكنّ حلقات الرواة في كل العصور العربية والتي كانت تقام في الأسواق ويحضرها الأطفال منصتين إلى الحكواتي كانت ضربا من المسرح إذا ما أضفنا إليها خيال الظل ومن كل هذا كان يتعلم الأطفال .
إن الدراسة الأمريكية التي تحدّث عنها المقال هي دراسة انتقائية .وهو شأن الغرب دائما في نظرته الإقصائية للآخر ولا أدل على ذلك من فعلهم بثقافة الهنود الحمر.وبالعودة إلى تاريخنا نرى ابن المقفع (724-759م) في كليلة ودمنة يجعل في كتابه نصيبا للطفل، وتحدث الجاحظ (159-255ه)عن تأديب الصبيان،اما ابن خلدون فنظّر لتعليم الأطفال مراعيا الجوانب النفسية والذهنية، وغيرهولاء كثير .ولكن هذا الدفاع عن حضارتنا لا يخفي ما نحن فيه من عزوف عن الكتاب والمطالعة ونحن جميعا نتحمّل المسؤولية فيه .فكيف يطالع الطفل ويغرم بالكتاب ووالده يدمن المقاهي والجلسات النرجيلة وأمه مسمرة أمام المسلسلات التركية..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى