الأحد ١٨ تموز (يوليو) ٢٠١٠
بقلم عادل سالم

الخيانة الكبرى

تعرفت علية من خلال الشبكة العنكبوتية، أعجبت بذكائه، وثقافته، وسعة اطلاعه، فيما انبهر هو بجمالها وحديثها العذب. كانت رسائله إليها تغريها دائما بالاستمرار بمراسلته، وزادت ثقتها به أن عرفت أنه من الجزائر، من نفس موطنها الأصلي، يعرف أهلها هناك وقد جاء حديثا إلى الولايات المتحدة ليقدم رسالة الدكتوراة في القانون الدولي.

كان مؤدبا بالحديث معها، وهو ما شجعها على التواصل معه. كثيرون كانوا يراسلونها لكنها بعد فترة تقطع علاقتها بهم، الرجال معظمهم من نفس الطراز ما أن يتعرف الواحد منهم على فتاة حتى يبدأ بالتلميح لها أنه يحبها ومغرم بها حتى قبل أن يرى صورتها. هالة ليست من هذا النوع من النساء فقد تعلمت خلال غربتها الطويلة عن الوطن كيف تعتمد على نفسها. هاجرت مع زوجها السابق الجزائري الأمريكي الجنسية قبل عشر سنوات، واحتدم الخلاف بينهما إلى أن طلقها.

رفضت نداء أهلها بالعودة إلى الوطن مخافة أن يحاول زوجها أن يخطف ابنتها حسب قوانين الجزائر، ففي الولايات المتحدة أمرت لها المحكمة لها بحق حضانتها لابنتهما الوحيدة. إنها امرأة مكافحة تعمل في شركة كبيرة وتعيل ابنتها.

تطورت علاقتها مع يزيد ابن بلدها الذي يدرس في جامعة منسوتا، نفس الولاية التي تعيش فيها، لكنها كانت تعلم أنها علاقة زمالة فهو متزوج وأب لعدة أولاد، وكان يعمل في أحد جامعات العاصمة كمحاضر في القانون الدولي قبل أن يرسل في منحة دراسية لإكمال دراسته العليا ثم العودة للوطن.

بعد شهور ليست طويلة عرض عليها زيارتها فرحبت به ورأت في الزيارة فرصة لسماع أخبار الوطن منه وأخبار الأهل بعد أن دمرت سنوات الحرب الجزائر.

كانت تعلم أن زيارته غير مقبولة في العرف الجزائري فهي مسلمة ومن عائلة محافظة، لكنها لم تكن من الجيل المحافظ الذي يقيد المرأة ويعدها عورة. فهي امرأة متعلمة، خريجة جامعة، تعمل وتعيل ابنتها، عصامية، مكافحة، ومن يقف حائلا بينها وبين الرذيلة سوى مبادئها والتزامها. ثم أن ضيفها أكاديمي معروف متزوج ولديه عدة أولاد، رجل مثقف وليس مثل الناس العاديين. ولو كانت تشك لحظة في نيته لما ترددت في رفض زيارته. في اتصال هاتفي حددت له الساعة الثامنة مساء. هذا الوقت مناسب لها وله، فلديها الكثير من الأعمال، وعليها أن تعتني بابنتها وتحضر العشاء قبل أن تستقبل أحدا في بيتها. لماذا بيتها؟ لماذا ليس في مطعم أو مكان عام؟ البيت للضيافة الرسمية، أما المطعم فقد يأخذ صفة علاقة عشاق، أو علاقة من نوع آخر.
ولماذا أدعوه للمطعم ما دام قد طلب أن يزورني في البيت؟ ستكون ابنتي عندي، فهي أنيسي كل ليلة. الساعة الثامنة مساء كانت هالة قد أعدت عشاء مناسبا لضيفها حسب الطريقة الجزائرية، وبعض الفواكه وبدأت تنتظره.

الساعة الثامنة مساء رن جرس هاتفها النقال، فتحت الخط:
 ألو
 أهلا هالة، أنا يزيد.
 هل وصلت؟
 أنا بالباب.

نظرت إلى ساعتها كانت الثامنة تماما حسب الموعد،
هزت رأسها فقد عرفت الآن أنه دقيق في مواعيده، يعجبها هذا النوع من الرجال الذين يلتزمون بمواعيدهم ويحترمون اتفاقاتهم، ويثابرون من أجل تحصيل العلم.

فتحت الباب، فإذا به أمامها. إنه يزيد الدكتور لم يحصل على شهادة الدكتوراة بعد. رجل في الثلاثينات من عمره، أبيض، حسن المظهر، شعره أسود، عيونه عسلية، حليق الذقن. رحبت به وطلبت منه الدخول كانت ابنتها في الداخل تنتظر معها. سلمت عليه فربت على ظهرها وقال لها:

 ابنتك تشبهك.

جلس على أحد المقاعد فيما جلست مع ابنتها على المقعد المقابل. بدأ حديثه معها عن الجزائر، والتغييرات التي حصلت عليها خلال السنوات الماضية، ودعاها إلى زيارة الوطن في أقرب فرصة.

سألته عن أهلها فحدثها عن معرفته ببعض الأقارب وعلاقته بهم. لم يقدم لها أخبارا غير متوقعة فالتطورات التكنولوجية جعلت كل الأخبار في متناول اليد، لكن قراءتها للأخبار على الشبكة أو سماعها عبر الفضائيات يختلف عن سماعها من شخص بشكل مباشر، فالأخبار الصغيرة لا تنقلها لا الفضائيات ولا مواقع الشبكة، كان الحديث شيقا وطويلا تناولا خلاله العشاء، ثم شربت معه القهوة وعندما دقت الساعة التاسعة آن موعد نوم ابنتها فسلمت عليهما وتوجهت إلى غرفتها للنوم.

انتهى الحديث عن الأهل والوطن فتشعب إلى الحديث عن الحياة الخاصة، وحياتها بالولايات المتحدة، وعلاقتها بزوجها السابق. لم تكن ترى مشكلة في حديثها عن عملها وسكنها مع ابنتها، فلم تكن هالة من النوع المحافظ من النساء، كانت من النوع الذي يرى في تحرر المرأة خطوة على طريق التطور. كانت واثقة من نفسها قادرة على مواجهة ما يعتريها من مصاعب. أما يزيد فقد كان لبق الحديث يعرف كيف يديره بالاتجاه الذي يرغبه، سأل بشكل واضح:
 هل تؤيدين العلاقة بين الرجل والمرأة حسب الطريقة الغربية؟
 لا ولكن أويدها حسب الثقة والاحترام المتبادل.
بعد صمت قال لها:
 ألا تفكرين بالزواج؟
 عندما يأتي رجل الأحلام.
 ماذا لو كان أمريكيا؟
 إن اقتنعت به ووثقت به.
 ماذا لو كان مسيحيا وغير مسلم.
 ديانته غير مهمة فهو حر فيما يقتنع به.
هز رأسه غير موافق وقال لها:
 ماذا عن الأولاد؟
فقالت له:
 وماذا يفعل الرجال بأولادهم من الأمريكيات؟
صمتت ثم أكملت:
 خصوصا بعد أن يطلقوا أمهاتهم؟
 لا أدري لكن ربما لا خيار أمامهم.
 وأنا نفس الشيء، لماذا المرأة عليها التضحية أكثر من الرجل؟
حديثها شجعه على الانتقال للجلوس بجانبها.
قال لها:
 لا أحب الفواصل بين الزملاء.
أحست أنه يدبر لشيء، لكنها عدلت من وجهة نظرها عندما تابع حديثه بسلام.
سألها:
 ألديك أصدقاء جزائريون هنا؟
 أربعة نساء وثلاثة شبان.
هز رأسه وقال لها:
 هل النساء جميلات مثلك؟
ثم وضع يده على فخذها وبدأ يحرك يده عليها.
اهتز بدنها، رفعت يده عنها وقالت له بغضب:
 ما الذي تفعله؟
 لمسة بريئة، ألسنا أصدقاء؟
 نحن أصدقاء بمعنى زملاء وليس بمعنى عشاق. ألست متزوجا؟
 وما علاقة الزواج بذلك؟
 لو كنت طالبا لشرحت لك لكنك أستاذ جامعي، انتهى لقاؤنا، إذا سمحت مع السلامة.
 أرجوك هاله افهميني، هذه حركة عفوية تعبر عن اعجابي بك.
 إعجابك بي؟ اخرج قبل أن أتصل بالشرطة، الذي منعني من الاتصال بالشرطة حفاظي على سمعة الوطن الذي يلطخ شرفه المثقفون أمثالك.

قطب يزيد حاجبيه وخرج فورا بعد أن اعتذر.
أقفلت الباب خلفه وجلست على المقعد غاضبة.
 لمسة بريئة؟! هكذا هم الرجال كذابون لا يعرفون معنى لحرية المرأة سوى حرية انتهاك جسدها، لا يفهمون معنى الصداقة بين الرجل والمرأة لأن المرأة لدى معظمهم حتى المثقفين منهم مجرد وليمة على السرير.

وضعت يديها على وجهها وبدأت تجهش بالبكاء كانت تحاول أن تبكي بصمت كي لا توقظ ابنتها.
بعد نصف ساعة، ذهبت إلى الكمبيوتر، دخلت إلى الشبكة وبدأت تراجع بريدها الإلكتروني.

حذفت رسائل يزيد كلها ووضعت بريده ضمن العناوين التي لا تستقبلها. لم ترد على أيه رسائل لزملائها الشباب، شعرت بالإحباط مما حصل اليوم. إنها نقطة تحول في حياتها، تحتاج إلى إعادة النظر في علاقتها مع الآخرين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى