الخميس ٥ آب (أغسطس) ٢٠١٠
بقلم عظيمة ريحاني أردبيلي

الوطن في شعر نزار قباني

 إعداد: عظیمه ریحانی اردبیلی
 الجامعه آزاد الاسلامیه فرع علوم وتحقیقات

الملخص

تهدف هذه المقالة إلی دراسة شعر نزار السیاسي مؤکّداً علی مقولة الوطن لأنّ مفهومي الوطن والوطنیة عند نزار قبّاني مفهوم ترکیبي، أي أنّ صورة الوطن عنده تتالّف کالبناء السمفوني من ملایین الاشیاء ابتداء من حبة المطر الی ورقة الشجر والی المشط المسافرفي شعر حبیبته الی سجّادة صلاة أمّه و... ثمّ تناولت الدراسة، الشعب العربي والکشف عن وضعهم الثقافي والاجتماعی والاقتصادي و...ثم الاشارة الی بعض رموز في هذا الوطن أي السلطان، الخلیفة ،الشاعرو الفکر.

الکلمات الرئیسیة:
الشعر السیاسي، الوطن، السلطان، الفکر

المقدمة

نزار قبّاني هو الشاعر الذي حظي بشهرة البالغة في الشعر العربي المعاصر حیث وصل الی قمة عالیة في الشعرالعربي،لانّه منذ البدایة اهتمّ بالقضایا الّتي ترتبط ارتباطا وثیقا بالمجتمع. انّ شخصیته ومایتمتع به من ثقافة ادبیة وفکریة وموهبة خلّاقة،هي الّتي جعلت شعره في مستوی عال من اهتمام والشهرة، حیث راح شعره یدخل بیوت الناس من أبوابها ونوافذها کالشمس .

الشعرالوطني یحتل مکانة مرموقة في اشعاره السیاسیة ، صورة الوطن عنده تتالف من ملایین الاشیاء، یتحدّث الشاعر فی اشعاره الوطنیة عن القضایا المرتبة بالوطن، عن الشعرا و الکّتاب و الحکّام والسلاطین و الفکروالمفکّرین و أیضا المرأة، لانّه یری أنّ المرأة تعدّ جزءاٌ أساسیاٌ من الوطن لا انفکاک لها و الکشف عن مواضع آلامها و مشاکلها هو في الحقیقة معالجة آلام الوطن و مصائبها.
علی الجهة المقابلة لشعر الحب و الغزل یاتي شعر نزار السیاسي المتعلق بحدیثه عن الوطن و ما یعتریه من متغیرات و ماتجري به من احداث وان کان نزار قد افرد الحدیث عن الحب و المراة والغزل نجده شاعراً محباً لوطنه شدید الحب له. الوطن عنده یشتمل علی کل مایوجد و کل مایحاول الشعب أن یصلوا الیه من آمالٍ و أهداف. کتب الشاعر منذ توجهه الی الشعر و اصدار دیوانه الاوّل حتی وفاته (1998) عن کلّ شیء، عن المراة والعشق و السیاسة و الوطن للتعبیر عن افکاره و مشاعره و التغییر في نظرة الشعب الی قضایا الوطن العربي

الوطن

یعتمد الشاعر علی طریقتین فی التعبیر عن مقولة الوطن :
 الاولی : هي طریقه الالفاظ العامة التي لا تقترن بمکان جغرافي محدّد، و انّما تدلّ علی الوطن العربي کاملا، و هذه الالفاظ هي: (الوطن، الدولة، البیت، الدار، البلد ، المدینة و الارض) وهنا تظهر الدلالات السلبیة للوطن؛ اذ تأتي هذه الدلالات مقترنة بالقمع والظلم واحیانا ترد اللفظة في التشکیلات الدلالیة بمعناها المرجعي الحقیقي. [1] کما یقول :

لا...
لیس هذا وطني الکبیر
لا
لیس هذا الوطن المربّع الخانات کالشطرنج
هو الذي قال لنا مدرس التاریخ في شبابنا
بانّه موطننا الکبیر
... ... ...
لیس هذا الوطن المصنوع من عشرین کانتوناً...
ومن عشرین دکاناً
ومن عشرین صرّافاً
وحلاقاً
و شرطیاً
وطبّالاً...و راقصةً
یسمّی وطني الکبیر
لا
لیس هذا الوطن المحکوم من عشرین مجنوناً
و من عشرین سلطاناً
ومن عشرین قرصاناً
ومن عشرین سجاناً
یسمی وطنی الکبیر
... ... ...
لیس هذا وطني الکبیر

 تظهر الطریقة الثانیة في التعبیر عن مقولة الوطن من خلال ذکر الشاعر لالفاظ دالة علی أمکنة محدّدة: (بیروت، لبنان، دمشق، فلسطین، القدس، یافا...) فظهرت الدلالة الایجابیة للوطن، من خلال اقتران مقولة الوطن بدلالات الحب، الانوثة، الولادة و الحلم. [2] کما نلاحظ تظهر دلالة الأمل والتفاؤل في التشکیل الآتي:

غداً...غداً...سیزهر اللیمون
وتفرح السنابل الخضراء و الغصون
وتضحک العیون
وترجع الحمائم المهاجرة
..........
ویرجع الاطفال یلعبون
ویلتقی الآباء و البنون
علی ریاک الزاهرة [3]

نلاحظ انّ الشاعر قد جمع جزئیات الحیاة (اللیمون، السنابل، الاغصان، الحمائم، الاطفال،...) للدلالة علی الامل، لکنّ هذه الجزئیات تمثل الحیاة في أوسع صورها. [4]

انّ نزار في عاطفته جرئ دائما،یدعو للحیاة ویقضتها وعنفوانها ولا یعرف الیأس فهو مرتبطة في غزله بهذه المعاني،معنی تقدیس الحیاة ویقظة الجسد وحیویة العشق الّذي هوعنده قوة دافعة تحافظ علی الحیاة وتمنحها الدیمومة والبقاء.فالعشق عنده انتصار علی الموت ومجابهة له. [5]

الوطن و الوطنیة عند نزار

یشتمل الوطن علی حسب راي الشاعر علی کل ما یحدث في الوطن، کل ما یوجد و کل ما یحاول الشعب أن یصل الیه من آمالٍ و اهدافٍ، حیث یقول الشاعر نفسه في هذا المجال:"انّ مفهومي للوطن و الوطنیة مفهوم ترکیبي و بانورامي، و صورة الوطن عنده تتألف کالبناء السمفوني من ملایین الاشیاء... ابتداءً من حبة المطر، الي ورقة الشجر، الی رغیف الخبز، الی مزراب الماء، الی مکاتیب الحبّ،الی رائحة الکتب ، الی طیارات الورق، الی حوار الصراصیراللیلیة، الی المشط المسافر في شعر حبیبتي، الی سجادة صلاة امّي، الی الزمن المحفور علی جبین أبي. [6]

یدّعي الشاعر انّ شعره کلّه، ابتداءً من اوّل فاصلة حتی آخر نقطة فیه وبصرف النظر عن المواد الاولیة التي تشکّله، و البشر الذین یملؤونه من رجال و نساء و التجربة التي تضیئه سواء کانت تجربة عاطفیة او سیاسیة...هو شعر وطني. [7]

عند قراءة اشعار نزار السیاسیة، ندرک بوضوح انّه یتحدث عن الشعب العربي و یکشف عن وضعهم الثقافي. خلاصة آراءه هي انّهم:

الف- یعتقدون بالقضاء و القدراعتقاداً شدیداً:

یتسلّون بأفیون نسمّیه قدر
وقضاء
في بلادي،
في بلاد البسطاء... [8]

ب]] یعتقدون بالأولیاء حیث یطلبون منهم الرزق و الاطفال:

ویهزّون قبور الأولیاء
علّها ترزقهم رزّاً...وأطفالاً...
قبور الأولیاء. [9]

ج]] یعیشون في حالة الفقرالشدید حیث یرکضون بلانعال وهم یومنون بأربع زوجات لایرون الخبز الاّ في عالم الخیال و یسکنون في اللیل بیوتاً من سعال و لا یستطیعون أن یشتروا الدواء للتخلّص من الموت:

فالملایین التي ترکض من غیر نعال
والتي تؤمن في أربع زوجاتٍ...
وفي یوم القیامة...
الملایین التي لاتلتقي لا خبز الّا في الخیال
والتي تسکن فياللیل بیوتاً من سعال
ابداً ما عرفت شکل الدواء
تتردی جثثاً تحت الضیاء. [10]

د]]یستطیعون أن یعبّروا عن أفکارهم وآراءهم. محاصرون في بیوتهم تحت مراقبة شدیدة من جانب جنود السلطان:

ما قیمة الشعب الّذي لیس له لسان
لانّ نصف شعبنا محاصر کالنمل والجرذان
في داخل الجدران. [11]

ه]]قضوا عشرین سنة «1948-1967»في أسوأحالةاجتماعیة واقتصادیة وثقافیة عاشوا کالأغنام ،لا حریّة لهم للتعبیرعن عقائدهم وأفکارهم،هم في الحقیقة لعب بید السلطان والحاکم:

وهکذا، یا سادتي الکرام
قضیت عشرین سنة
أعیش في حظیرة الأغنام
أعلف کالاغنام
أبول کالاغنام
أدور کالحبّة في مسجة الامام
لا عقل لي...
لا رأس...
لاأقدام [12]

بعد الخامس من حزیران عام 1967وهزیمة العرب النکراءکان من المتوقّع أن تتّحد الدول العربیة ازاء قضیة فلسطین والاحتلال الصهیوني ،ولکنها کما یقول الشاعر اتّجهت هذه الدول نحو الفرقة وصار العالم العربي ممزّقا مبعثرا کالأحجار، منشغلا بأعماله الیومیة:

یأتي حزیران ویذهب ...
والفرزدق یغرز السکین في رئتي جریر
والعالم العربي شطرنج
وأحجار مبعثرة
واوراق تطیر [13]

في قصیدة أخری، یبیّن نزارهذه الواقعیّةفي العالم العربي،یری أن خریطة العروبة صارت خریطة ممزقة في کل شبر من تراب الوطن العربي،أعلنت خلافة کل یمیل الی جهة ،منشغل بمخطّطاته،غیر مهتم بالوحدة والأخوة .یستهزئ الشاعر بالحکومات العربیة ویسمّیها «سلطنات القش والکرتون»التي قدرتها قدرة صوریّة مزیّفة لا حقیقیّة أمام اعتداءات العدوّ الصهیونيّ:

انظر کالمشدوه...في خریطة العروبة
في کل شبر أعلنت خلافة
وحاکم بأمره...
وخیمة منصوبة
تضحکني الأعلام...والأختام...
والممالک الترکیبیة...
وسلطنات القش والکرتون
والشرائع العجیبة...
ومشیخات النفط...والزواج بالمتعة...
والغرائز المشبوبة [14]

یتّهم الشاعر العرب بنکران الجمیل أمام زعماءالعرب المخلصین والحقیقیین الذین یجاهدون في سبیل تحریر الوطن وتخلّصهم من نیرالاستعمار والاستغلال:

لیس جدیدا علینا
اغتیال الصحابة والاولیاء
فکم من رسول قتلنا...
وکم من امام ذبحناه وهو یصلّي صلاة العشاء...
فتاریخنا کله محنة...
وایّامنا کلّها کربلا.. [15]

وفي قصیده أخری یعرّف الشاعر الشعب العربي شعبا یتغیّر ویتحول في الظروف المختلفة الی شخصیّات متناقضة ، فهو شعب مذبذب:

فنحن شعوب من الجاهلیة
ونحن التقلب...
ونحن التذبذب ...
والباطنیّة...
نبایع أربابنا في الصّباح
ونأکلهم...حین تأتي العشیّة [16]

فالشاعر هو صوت أمّته وسوطها،فاذا ماانتقدها وعرّاها فلیس ذلک لیکشف عوراتها ویهجوها،بل لکي یحثّها علی النهوض والسیر الی الأمام بدلا من الخنوع والاستکانة والاستسلام لمرض فقدان المناعة...ویبلغ ذروة هجائه لامّته عندما یقول عنها:«امة کالماشیة تبول علی نفسها»... [17]
انّ نزارقباني یبیّن أکثرمن مرّة عدم اهتمام العرب بقضیة فلسطین بتعابیر مختلفة:
لم نزل ...لم نزل نمصمص قشرا وفلسطین خضّبتها الدماء [18]
الوطن العربي من وجهة النظرالشاعر،محاصربین أسنان الخلافة والوراثة والامارة والخطابة القصائد والنصوص المسرحیّة. [19]هو یعتقد انّ الاستبداد والارهاب سیطران علی البلاد العربیة،.حیث انّ الانسان بامکانه أن یکتب ضدّالله ولکنه لا یستطیع أن یکتب ضدّالحکومة. [20]

یمجّد نزار قباني الجنديّ العربي الّذي یدافع عن وطنه ویحترق في لهب المجد والعزّة ویقاوم ضد الصّهاینة وفي المقابل یذمّ الّذین قد أدمنوا بالکلام والخطابة وبعملهم هذا قد مهّدوا الطریق لضیاع فلسطین والقدس المقدّسة:

لو یقتلون ...مثلما قتلت
لو یعرفون أن یموتوا...مثلما فعلت
لو مدمنوا الکلام في بلادنا
قد بذلوا نصف الّذي بذلت
لو أنّهم من خلف طاولاتهم
قد خرجوا...کما خرجت أنت...
واحترقوا...
في لهب المجد،کما احترقت ...
لم یسقط المسیح مذبوحا...
علی تراب الناصرة [21]

الحدث المهمّ الّذي وقع في الوطن العربي في عصرنا الحاضر هو قضیّة حزیران وهزیمة العرب أمام الیهود. یعتقد الشاعر أنّ العرب جمیعهم شرکاء في هذه الهزیمة ولیس أحد بریئاً منها:

ما لنا مالنا نلوم حزیران
وفي الاثم کلّنا شرکاء
من هم الأبریاء؟نحن جمیعا
حاملوعاره...ولا استثناء
عقلنا...فکرنا...هزال أغانینا
رُوانا ...أقوالنا الجوفاء
نثرنا ،شعرنا،جرائدنا الصفراء
والحبر...والحروف الاماء [22]

الشاعر یشکو من سلوک الأنظمة العربیّة حیال قضیّة فلسطین ویعتقد أنّ هذه الأنظمة وحکّامها هم المیّتون وانّ الشعب العربي هو الواعي المستیقظ .یعرّب نزار عن أسفه الشدید ویتطرّق الی هذه القضیّة ویتکلّم عن واقع فلسطین والعالم العربي المرّ،حیث یری أنّ فلسطین تغوص في دمها والعرب مشغولون بعبادة الجنس والذّهب والمال والنفط:

ومن یعید لک البیت الّذي خربا
أیا فلسطین ...من یهدیک زنبقة
تلفتي...تجدینا في مباذلنا
من یعبد الجنس، أو من یعبد الذّهبا فواحد...
أعمت النّعمی بصیرته
فللخني ...والغواني...کلّ ما وهبا
فواحد ...ببجار النفط مغتسل
قدضاق بالخیش ثوبا، فارتدي القصبا
ان کان من ذبحوا التاریخ هم نسبي
علی العصور، فاني أرفض النّسبا [23]

السلطان والخلیفة في الوطن العربي

السلطان في الوطن العربي-علی حسب الشاعر-سلطان مستبدّ برأیه.هو الّذي یحکم ویأمر ویقرّرمصیر الناس في الحیاة.في مثل هذا المجتمع المنغلق،یعیش الناس کالماشیة،لیست لهم قدرة علی اتخاذ القراروتقریرمصیر حیاتهم.للخلیفة،في أشعار نزار السیاسیة صورة قبیحة،لانّه لا یهتمّ بأمور الرعیّة اهتماما بالغاً. تغوص البلاد في الفقر الشدید ،والتخلّف الثقافي وانّه یقضي أیّامه بالترف والبذخ ،لا یعرف معنی الجهاد في سبیل الله والدفاع عن الوطن، الشیء الوحید الذّي یفکر به هو الوصول الی طموحاته وآماله واشباع غرائزه الجنسیة: [24]

أدخل مثل البرق من نافذة الخلیفة
أراه لا یزال مثلما ترکته
منذ قرون سبعة
مضاجعا جاریة رومیّة
اقرأ آیات من القرآن فوق رأسه
مکتوبة باحرف کوفیّة
عن الجهاد في سبیل الله والرسول
والشریعة الحنیفة [25]

یتّهم الشاعر حکّام العرب بعدم الاهتمام الی قضیّة فلسطین،هم یرفعون الهتافات والشعارات فقط ولا یتّخذون خطوات حاسمة لتحریرها:

وصارت لغة الحکّام صنعا...وعجین
خدّروني...
بملایین الشعارات ...فنمت
أروني القدس في الحلم ...ولم
أجد القدس، ولا أحجارها،حین استفقت [26]

یعتقد الشاعر انّ نظرة حکّام العرب الی أفراد شعبهم نظرةظالمة غیر واقعیّة ،هم الّذین یتّخذون القرار ولا جرأة للرعیّة أن یقرّروا مصیرهم في الحیاة خوفا من الاغتیال والهلاک .
نلاحظ في قصیدة«هوامش علی دفتر النکسة»أن لفظة «السلطان» تحمل دلالات سلبیّة، هي دلالة القمع المتمثل بالسلطان المستبد الّذي یضغط علی الانسان ویقمعه: [27]

لو أحد یمنحني الأمان
لو کنت أستطیع أن أقابل السلطان
قلت له
یا سیدي السلطان
کلابک المفترسات مزّقت ردائي
ومخبروک دائما ورائي
عیونهم ورائي
أنوفهم ورائي
یستجوبون زوجتي
ویکتبون عندهم أسماء اصدقائي [28]

الشعراء والکتّاب في الوطن العربي

الشاعر في رأي نزار قباني في الوطن العربي کدرویش یترنّح في حلقات الذکر، لیس عالما بواجبه الاصلي،وهو التعبیر عن آلام المجتمع ومشاکله والالتزام نحو قضایا وطنه ،یذمّ نزار الشعراء الّذین یقضون أیّامهم في بلاط السلاطین والحکّام ویسوقون عربتهم ویمسحون معطفهم ویصبّون لهم أقداح الخمر. باعتقاد الشاعر أنّ ا لشعراء العرب في عصرنا الحاضر لا جرأة لهم أن یعبّرواعن آراءهم وأزمات المجتمع الفکریّة والثقافیّة والاجتماعیّة والسیاسیّة،باعتقاده خصیان الفکر أسوأ شیء یمکن أن یحدث في المجتمع:

الشعر لدینا درویش
یترنّح في حلقات الذکر
والشاعر یعمل حوذیّا لامیر القصر
الشاعر مخصيّ الشفتین ...بهذا العصر
یمسح للحاکم معطفه
ویصبّ له أقداح الخمر
الشاعر مخصيّ الکلمات
وما أشقی خصیان الفکر [29]

یشید الشاعربأعمال شعراء الأرض المحتلّة نحو« محمود درویش »و«فدوی طوقان»و«توفیق زیاد» الّذین یلتزمون بقضایا وطنهم ویعبّرون عن مشاعرهم الطیّبة حیال القضایا الوطنیّة ویثیرون روح المقاومة في قلوب المناضلین الفلسطینیِّین . یهجم «قباني» في قصیدة اخری علی الشعراء الّذین یضربون شعبهم بسیف الکلمات ،لهذا یعیش الشعب العربي خارج الواقعیّة،لایهتمّون بقضایا المجتمع الأساسیة بل یتسلّون بأشیاء لا ترتبط بمصیر المجتمع العربي والاسلاميّ:

لو کانت تسمعني الصحراء
لطلبت الیها...
أن تتوقف عن تفریخ ملایین الشعراء
وتحرّرهذا الشعب الطیّب من سیف الکلمات
مازلنا منذ القرن السابع نأکل ألیاف الکلمات
نتزحلق في صمغ الراءات
نتدحرج من أعلی الهاءات
وننام علی هجو الجریر ...
ونفیق علی دمع الخنساء [30]

یری الشاعر أکثر الکتّاب في الوطن العربي عملاء مرتزقة للسلطان ،یکتبون کما یرید السلطان،لا یهتمّون بشعبهم ولا یقومون بعمل لتوعیتهم و تثقیفهم وهو یتّهم کتّاب العالم العربيّ بعدم ممارسة التفکیر،لانّهم لم یسمحوا لأنفسهم أن یدافعوا عن مواطنیهم ویرکبوا الخطر في سبیل التعبیرعن الحقایق والدفاع عن حقوق مواطنیهم.الشاعر یذمّ کتّاب العرب لانّهم بعد حزیران 1967 وهزیمة العرب لم یقوموا بمهمّتهم الرئیسیّةوهي توعیة الشعب بل تسلّوابالأعمال الّتي لیست لها قیمةودور مصیري في قضیّة فلسطین وتحریرها.

الفکر في الوطن العربي

یعتقد الشاعر أن المجتمع الّذي یصیرالفکر فیه لعبة بید الحکّام وأصحاب القدرة، ویداس الانسان وحریّته تحت أقدام الطغاة ولا تقوم الصحف والمجلات بدورها الأصلي وهو نشر المعلومات وتوعیة الشعب ورفع مستوی العلمي والثقافي والسیاسي والاجتماعي في المجتمع ، لا یحصل التقدم في هذا المجتمع أبداً ،بل یسیر المجتمع یوما فیوما نحو التخلّف في شتّی المجالات.انّ نزار کثیرا ما یدافع عن حریّة الرأي والکلام ویعتقد انّ کبت الحریات الاساسیة سبب رئیسیّ للسقوط الشعوب مهاوي الجهل والحرمان وتخلّفها عن رکب الامم المتقدمة الواعیة.

انّ آراء نزارالفلسفية لا تغوص الی أعماق الفکر لکنّها نظرات تأمّلیة تعتمد علی النظرة الواعیة یبثها في تراکیب سهلة بسیطة بعیدة عن التعقید ،یلحقها بالصورة المناسبة والفکرة الّتي ینوي ایصالها ...فنراه یعتمد علی الاشیاء البدیهیة فلا یستغرق في النظر العقلي ولا یشطح في تأملاته فهو یسبح مع فکره علی الارض الواقع ،لا یدور بعیدا عن الناس . [31]

في القصیدة التالیة یشیر الشاعر الی قضیّة حریّة الرأي ویشکو من فقد هذه النعمة الثمینة في المجتمع العربي:

ولم تزل
حریّة الرأي هنا
دجاجة مذبوحة
بسیف کلّ طاغیة [32]

في رأي الشاعر،الشعب الّذي لا یجروا أن یعبّرعن أفکاره وآراءه، لا قیمة له عند شعوب العالم ولا تحسب له أيّ حساب :
ما قیمة الشعب الّذي لیس له لسان؟ [33]

نزار قبّاني یقول في قصيدة «یومیّات امراة لا مبالیة »أنّ ضوء الأحمر یقف ضد العقل في الوطن العربي ویمنعه من التفکیر والکلام أو الجدل في مختلف العلوم وعلیه أن یبقی واقفاً في جموده ورکوده :

لا تفکر أبداً...فالضوء الأحمر
لا تجادل في نصوص الفقه...أو النحو...أو في الصرف
أو في الشعر...أو في النثر
انّ العقل ملعون ومکروه ومنکر. [34]

اضافة علی کلّ ما أشرنا الیه، القمع والارهاب والاضطهاد-حسب رأي الشاعر-من قضایا الوطن العربي ومن البدیهي أنّ الأدب لا یقدر أن یلعب دوره الاصلي في مثل هذا الظروف.

من أین یأتي الشعر؟حین نهارنا

قمع وحین مساونا ارهاب

سرقوا أصابعنا ...وعطر حروفنا

فبأيّ شيء یکتب الکتّاب؟ [35]
النتیجة
من خلال الدراسة المختصرة نستنتج بأنّ نزار ،حطّم أصنام البلاغة واخترق جدار الأخلاقیات التقلیدیّة وعمل، کما کان یقول،علی تحریر الانسان العربي وتحریر امّته ووطنه من التخلّف. انّ نزارقباني کان صوت امّته وسوطها، فاذا انتقدها وعرّاها ،یحثّ علی النهوض والسیر الی الامام لانّه شاعر محب لوطنه شدیدالحب، وراح یطرح مشاکل وطنه علی الورق من غیر تکلّف ولا أقنعة ولا زیف.

المراجع:

  1. أبو غالي ،مختار علي،المدینة في الشعر العربي المعاصر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الکویت،1995 م
  2. ثابت، محمّد،الروائع نزار قباني،دار الروائع للنشر والتوزیع،ط3،2003م
  3. خلیل جحا، میشل، الشعر العربي المعاصر من أحمد شوقي الی محمود درویش، ط1، دارالعودة، بیروت،1999م
  4. الطالب،هایل محمّد، قراءة النص الشعري لغة وتشکیلا،دراسة لسانیة تطبیقیة ، دارالینابیع، دمشق، 2008 م
  5. العشماوي، محمّد زکي،أعلام الادب العربي الحدیث واتّجاهاتهم الفنیّة ،دارالمعرفة، الاسکندریّة، 1997م
  6. قباني، نزار، الأعمال السیاسیةالکاملة،الجزءالثالث،منشورات نزار قباني،بیروت ،ط4،1986م
  7. قباني، نزار،الاعمال الشعریة الکاملة،الجزء الاوّل،منشورات نزار قباني،بیروت،ط13، 1993م
  8. قباني، نزار،الاعمال الشعریة الکاملة،الجزء الثاني،منشورات نزار قباني،بیروت،ط15،1983م
  9. میرزائي الحسیني، محمود،الشعر السیاسي عند نزار،دراسة أدبیّة نقدیّة،طهران،1378ه

[1الطالب، ص 195

[2الطالب،195

[3قباني،الاعمال السیاسیة ،ص161

[4الطالب،ص239

[5العشماوي،ص151

[6قبّاني،قصّتي مع الشعر،ص173

[7قبّاني،قصّتي مع الشعر،ص174

[8قبّاني،قصیدة خبز وحشیش ،ص19

[9قبّاني،قصیدة خبز وحشیش ،ص19

[10قبّاني، قصیدة خبز وحشیش وقمر، ص23

[11ثابت،ص133

[12قبّاني،قصیدة استجواب،ص132

[13قبّاني، قصیدة جریمة، ص235

[14قبّاني،قصیدة قراءة، ص310

[15قبّاني،الاعمال السیاسیة،ص355

[16قبّاني،الاعمال السیاسیة،ص358

[17خلیل جحا،ص327

[18قبّاني،الاعمال السیاسیة،ص398

[19قبّاني،الاعمال السیاسیة،ص239

[20قباني،الاعمال السیاسیة،264

[21قبّاني،الاعمال السیاسیة،ص321

[22قبّاني،الاعمال السیاسیة،ص422

[23قبّاني،الاعمال الشعریة،ص422

[24الحسیني،ص157

[25قبّاني،الاعمال السیاسیة،ص253

[26قبّاني،الاعمال الشعریة،ص271

[27الطالب،ص244

[28الطالب،ص245

[29قبّاني،الاعمال السیاسیة، ص154

[30قبّاني،الاعمال السیاسیة، ص217

[31حبیب ،ص 251

[32قبّاني،الاعمال الشعریة،ص564

[33ثابت،ص133

[34أبوغالي،ص113

[35قبّاني، قصیدة أنا یا صدیقة، ص637


مشاركة منتدى

  • سلام وحب
    قرائت المقال ( الوطن فی شعر نزار قبانی ) ورأیت فیه اخطاء کثیرة للاسف
    ویالیت قبل طبعه ونشره ترفع الاخطا حتی لا تکون علی حساب الموقع......
    ولاشک ان الموضوع جدیر للبحث جدا
    واود التعرف علی کاتب المقال وشکرا

  • إختيار هذا الموضوع أمر جيد من حيث المبدأ , ولكن بالنسبة لطالبة في قسم البحوث رغم حرصها على جدية البحث غير أنها وقعت في هفوات من خلال كتابة مفردات البحث, كان ينقص البحث الإعتناء بموضوع الاقتباس من نصوص الشاعر, أحيانا لا يفهم القارئ أين ينتهي الإقتباس وأين يبدأ كلام صاحبة البحث, رغم ذلك المحاولة جيدة وأتمنى لصاحبة البحث الأستفادة من تجربتها هذه وأن تستمر بهذا العمل.الجاد كون القباني يمثل ذروة الشعر العربي في القرن العشرين. ما نقرأه في دورياتنا اليوم مع الأسف بسبب ما يسمونها الحداثة تعيد قراءة النص مرة بعد أخرى ولا تفهم ماذا يريد الشاعر قوله, إذ أخذ الشعر الحديث تحت يافطة الحداثة إلى التعمية والغموض وتشويه الصورة الشعرية والمجانية. تحياتي لكم

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى