الخميس ١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٥
بقلم مهند عدنان صلاحات

جدل ... ما تبقى بيننا من حوار

(نحن كالجسد الواحد ... كالكرة الأرضية ... ولكنك نصف الكرة الشرقي ... وأنا نصفها الغربي والدموع التي سكبناها معاً صارت محيط من الدمع ... وأملنا صار يابسة شطرتنا جزأين ).

كانت هذه الكلمات آخر ما كتبت لي على خلف الصورة التي أهدتني إياها لكي أتذكرها إن مضت أيام ولم أراها بعدها ... أرجعت الصورة لمغلفها وأرجعت المغلف لمكانه في خزانتي ... خزانة الذكريات وحاولت أن اخلد للنوم ...

هاجس غريب جعلني أفيق في منتصف الليل لا ادري ما هو، هذا الهاجس اللعين ، ولماذا جاء الآن، لكني أفقت وبدأت وأنا أخال نفسي في الأيام التي خلت، وبدأت ابحث عنها ، أفتش حولي أو تحت السرير ، وانظر باتجاه الباب علها تدخل الآن ، ربما ذهبت وستعود قريباً ، ربما دخلت الحمام، أو ذهبت لتشرب الماء ، لكني اشعر بأنها لم تزل في أجواء المكان، واشعر أن أنفاسها لم تزل قريبة مني ولم تزل تعطر جو الغرفة القاتمة.

فجأة بدأت أضحك بصوت عالٍ جدا.. أضحك صوتي كل ما حولي مني ... كانت الأشياء تضحك لجنوني وحلمي في اليقظة ... كان الضحك يساعدني في محاولة إخفائي ما بي.

كنت أحاول التمثيل..وغيري يصدق.. وحتى أنت..أحاول التمثيل أمامك حتى في غيابك ... رغم غيابها إلا أن حضورها كان دائم وغير مستحيل ...

بحثت عنها ... ومرة أخرى قمت للخزانة ذاتها وأخرجت الصورة من مكانها وعدت لجنوني بمحاكاة الصورة :
إلا أنت..في عينيك أضيع ...إلا أنت..عجزت وفهمت في نفس الوقت أن الألم بدأ يأخذني..

الأيام التي فاتت ولم تمت، وبالذات الأيام الأخيرة التي قضيناها معاً، لم تزل تنخر أعماق ذاكرتي، تغوص عميقا في داخلي كالجنون.

هذه الأيام جعلتك جزء من حياتي ... صعب عليك أن تفهمي كيف من الممكن للإنسان أن يحمل تناقضات في داخله إلا إذا عشتِ المرحلة التي أعيشها الآن ... ما بين حبك حتى الجنون ... وبين الكفر فيك ... من شدة جنوني ... بدأت اصدق بأن قلبي لم يخلق إلا لحبك ، ولم يفكر بالنبض إلا لأجلك، و أنفضح بك ... وكم أنت تشبهين الفضيحة في داخلي .

لأن الحياة مليئة بالتناقضات ونعيشها بكل وقت فطباعنا تكون متناقضة بين رقة وحساسية وقسوة ، هل تذكرين ... ( كنت أحدث الصورة ) وأتذكر ردها على ذات الكلمات التي أقولها الآن لها :
أنا افهم بالضبط ما تتحدث عنه لأني أعيش التناقضات في حياتي ....... رغم أنها ليست بحجم ما عشته أنت من تناقضات ذلك أن ظروفك كانت أصعب ... لكن كل إنسان يحمل تناقضات بحجم الأحداث التي عاشها في حياته ، وكذلك فالإنسان يعيش تناقضات كبيرة جدا بداخله كلما حاول أن يصحح مسار حياته نحو الأفضل وهذه هي المعضلة المتصورة في الحياة.

هذه الكلمات رسخت بذاكرتي بصيغتها وقد أجبتها في وقتها : بأنها بالرغم من كونها تناقضات إلا أنها بنفس الوقت واقعنا وحياتنا ،والذي يظن انه من الممكن أن يعيش بدون تناقضات يكون غبياً، لأنه يرفض الحياة التي هي عبارة عن تركيبة من التناقضات، حتى في علم الاجتماع علماء الاجتماع لما نظروا لأي مجتمع على أنه نسيج من العلاقات المتناقضة .

أجابت وهي تندمج في معاني الحديث : لكن مع معرفة الناس أن حياتها تنضوي على مجموعة من التناقضات إلا أنها ترفض الاعتراف بها وتعتبرها نقيصة وانتقاص لقدرها، لذلك أتصور أن الحكمة التي تقول : (رحم الله امرئٍ عرف قدر نفسه)، لم تأتي من فراغ ، بل جاءت نتيجة رصد لحركة التناقض في داخل الإنسان التي ينكرها.

أنهيت حديثي مع الصورة ومع نفسي وبدأت اقلب بقية الصور والدفاتر الصغيرة التي أحتفظ بكلمات منها فيها، قصاصات ورق ، صور لأطفال كتب على خلفها عبارات ، وبدأت أمر عليها وشرط الذاكرة يسير معي، تستوقفني بعض العبارات لأربطها ببعض المشاهد والأحداث التي عشناها وكانت السبب في أن كتب أو كتبت أنا عبارة وجمعناها معاً،

بدأت احتار في كلينا... والعب مع الجرح ... وأسأل..أياً منا اشد جرحا من الثاني ... وأياً منا كان اشد قسوة في جعل حاضرنا الجميل ماضي مؤلم !!!

ولماذا تحولت الأيام لمجرد ذكرى عادية ... وغداً بعد جلاء بقايا الشوق في صدري تتحول لمجرد ذكرى عادية روتينية قد تخطر بالبال !!!

دوما كنت اشتاق لك ،ويزاد الاشتياق فيصبح أكثر من احتياج، وقد يصبح اجتياح .

اجتياحك لكل تفاصيل الحياة عندي ... كنت عندها أهرب لتفاصيلك المتبقية عندي لتصاويرك ، لخط قلمك في دفتر مذكراتي، لصوتك المخزن بذاكرتي، كانت تصاويرك تحدثني عنك وتبوح لي بعتابك لغيابي ... ما أصعب أن ابحث عنك فلا أجدك إلا في التصاوير الصغيرة.

ما أروعك ... تركت لي بعضك عندي ينقذني بغيابك ... وما أكثر قناعتي ... كنت في الماضي لا أكتفي بمجرد حضورك ، كنت دوماً أطمع بأكثر من قبلة منك تعبر عن حضورك ... واليوم وبكل جنون وحمق ، بل وسخافة أكتفي بالصور .

دوما كنت تقولين لي : وجع ... يسكنني الوجع ... يجتاحني الوجع
دوما كلامك كان ينتهي بالوجع ... حتى بعودة طيفك، جعلت كلامي ينتهي بذات الكلمة
ليته ذاك الوجع ما رجع.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى