الأربعاء ١٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٠
بقلم ياسمين محمد عزيز مغيب

جِرَاحُ الحُبِّ في زَمنِ التّناقُضَاتِ

مجروحةٌ هي لا تدري من أين تنزفُ؟؟

فكل ما فيها ينزفُ، فقلبها ينزف، وعيونها تنزف، وكل أعضاء جسدها تئن في صمتٍ قاتلٍ، فأضحى الكلُ ينزفُ بطريقته الخاصة به.

تشعرُ بعبرات تحاصرها حصار الأسرى، فلا هي ترحمها وتتساقط، ولا هي ترأف بحالها وترحل.

لا تدري من السبب بجراحها؟ وهل هو سبب واحد؟ أم هي عدة أسباب؟

هل اجتمع عليها العالم كله من بشرٍ وقدرٍ وضجرٍ وسهرٍ؟

لا تعرف كيف السبيل إلى التآم هذه الجراح؟

وقد صفيت للناس جميعا، ولكن ليس كل من صفيت لهم قد صفوا لها.

أتترك العالم كله وتحيا بعالمها هي لتقلل من الجراح التي تصيبها في مقتل؟

تشعر بفيض من الحزن يغشاها من أعلى رأسها حتى أخمص قدمها

حتى أقرب الناس لها، فقد أضحت لهم شيئا عاديا، مع أنها شيئا مميزا جدا للآخرين.

ماذا تفعل عندما ترى نفسك بعين من تحب ليس لك قدْرٌ، مع أنك بعين البعض الآخر نجْما صعب المنال؟

ينظرون له ويرفعون رؤوسهم يتمنون سقوطه في أي لحظة، ليتمتعوا بالقرب منه ولو بالنظر إليه.

ماذا سيكون رد فعلك عندما ترى تهافت الغرباء عليك رغبة في إمتلاك فؤادك، مع أن من تحب يسعى للإفلات من فيضان حبُكَ العارم؟

غريب حال هذه الدنيا فحقا كما قيل ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.

وما الحل لهذه المعادلة الصعبة حتى تبقى ذا قيمة في أعين أحبابك؟

هل تسجن نفسك داخل أسوار الصمت؟ لعل صمتك يحرك فيهم مشاعر كان قد وأدها القرب والتعود والتملك وحب التغيير؟

وهل التعود على الجمال يُفقد الجمال رونقه وبهجته؟

وهل العين تحتاج لرؤية القبح حتى تتمكن من التمييز بين الجميل والقبيح؟

أيمكن لكل من يهواه قلبنا أن يهوانا قلبه؟ أم أن هذا مستحيل من المستحيلات؟

فيتضح لي أنه قدر يجعل كل الممنوع مرغوب، وكل الموفورمنفور، فمن يتوسل قلبك إليه كي يشعر بك، يزداد قسوة، ومن تهجره لعدم رغبتك فيه، يهرول إليك ويكون رهن إشارة أصغر أصابعك، تترجاكَ عيناه أن ترافق دربه.

وحينها تجد نفسك تردد قول الشاعر:

يا من هــواه أعـــزه وأذلنـــي
كيف السبيل إلى وصالكَ دلني
أنتَ الذي حلّفتني وحَلِفــتَ لي
فحلفت أنك لاتخون فخنتنـــي
فلأقعدن على الطريق واشتكي
كشبيه مظلوم وأنت ظلمتنــي
ولأدعون عليك في غَسق الدُّجى
يبليلكَ ربي مثلمــا أبْليتنـــي

لا أدري هل أصبحت قاعدة في الحياة؟ وهل معنى ذلك أن من نحب علينا ألا نبُوح لهم بهذا الحب حتى نحافظ عليهم؟

وإذا هزمتنا جوارحنا، وباحت بما تَكِنُ، هل ستكون النتيجة ضياع من نحب وفقدهم للأبد.

ماذا نفعل بهذه الدنيا المليئة بالتناقضات؟

فقد يبخل عليك من تحب بكلمة ثناء تنتظرها على جمر، مع أنك تستحقها بل وتستحق أكثر منها بكثير، في الوقت الذي يُثني عليك الآخرون بما تستحق وبما لا تستحق من أجل نيل رضاك.

حقا إنه مجتمع التناقضات، ولا سبيل للعيش فيه دون أن تتأقلم معه.

إما رضوخا أو ثباتا، ينتابك صراع داخلي، أيهما أجدر بأن تُكمل حياتك معه، من تحبه ولا يُنزِلُك قَدْرك؟؟ أم من يُقدّرك ويهواكَ؟؟ مع أنه بالنسبة لك مجرد إنسان عادي، لم يؤثر فيك من قريب أو بعيد.

تخاطب نفسك قائلا : ماذا أفعل فهذا أحبه وهذا أريده؟

تجدها مسألة صعبة أصعب من معادلات فيثاغورث التي كانت تواجهنا ونحن طلبة، ونهرول مسرعين إلى معلمينا نلتمس منهم العون.

أما الآن فمن يعيننا بعد أن كاد الرأس أن يشتعل شيبا، وأضحى من العار أن تعلن للجميع أنك تتخبط وتفقد القدرة على السيطرة على زمام حياتك، بعد أن بلغت من الكبرعتيا.

في زمن أضحى الكل يدعي المعرفة، سواء كان يعرف أو لا يعرف، المهم أن يكون له الصدارة، ويكون ملجأ للاستشارة، حتى لو كان لا يمتلك أي مهارة.

وحينها تتمنى لو يعود بك الزمن للوراء لتسأل أهل الخبرة، بدعوى "أسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"

فيخبرونك بما قاله الإمام الشافعي رضي الله عنه:

إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا....
فدعه ولا تكثر عليه التأسفا....
ففي الناس أبدالٌ وفي التركِ راحةٌ....
وفي القلبِ صبرٌ للحبيبِ ولو جفا...
فما كل من تهواه يهواك قلبه....
ولا كل من صافيته لك قد صفا....
إذا لم يكن صفو الودادِ طبيعةٌ...
فلا خير في ودٍ يجيء تكلُفا....
ولا خير في خلٍ يخونُ خليله....
ويلقاه بعد المودة بالجفا....
سلامٌ على الدنيا إن لم يكن فيها....
صديق صدوق صادق الوعد منصفا....

وهنا ستجد ضالتك، وتعرف الإجابة عن كل الأسئلة التي كانت تؤرّق نومك، وقتها فقط ستنفض عن عينيك الغشاوة، وتبصر الدنيا من منظور جديد لم يسبق لك وأن رأيته من قبل...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى