الثلاثاء ٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠
بقلم بان ضياء حبيب الخيالي

إليك

حينما كنت أصغر سنا 

كان للناس قامات أطول وأكثر استقامة.

كانت الحكمة أشد تعقيدا وفائدة والكتب أكثر ثقلا.

كان الحلم اكثر اتساعا وجموحا من ان يحدد بحدود المادية حينما كنت أصغر سنا
كانت الأرض تدور بأناة فتتوالى الفصول بألوانها دون ان تختلط بفصل أزلي هجين.
كانت الأرض تعني العطاء والسماء تعني الهبات والنماء وكل وظائفهما الثانوية تكرس سبب وجودهما الأساسي لم يك الجدب ولا الكوارث في قاموس اللغة قبلا... أو....هكذا أتذكر...!

عندما كنت أقل سنا كانت الساعات تقاس بالدقائق.... والدقائق شيخ وقور يتهادى بعصاه على اسفلت الشارع متبسما كنسائم الطريق... كانت الأيام تقاس بأفراحها والتواريخ تسجل بأعيادها...

كان الآباء أكثر حنوا والتزاما و الأمهات أكثر رقة وتمسكا بالعائلة.

كانت الشعارات أكثر صدقا والهتافات مرتجلة غالبا.

حينما كنت أصغر سنا

كان النشيد الوطني أقوى صوتا، ترافقه كلما صدح نبضات محبة ودموع ...

حينما كنت أصغر سنا

كان للموتى مدينة بعيدة، لم يتجولوا يوما بيننا و المكلف باختيار مواطنيها لم يك قد إكتشف روعة مدينتنا بعد... ليقيم فيها....!

حينما كنت أصغر سنا

كان القمر يبتلع الغيوم كل مساء ممهدا ليوم جديد، يلوكها ويغمزني متبسما
والسماء كانت مسرح كبير يحكي قصصا كل ليلة على سطح دارنا أبطالها نجوم وشهب،

لم يك يستضيف الشظايا والرصاص ولم تك لديه ميول الاحتفاظ برائحة البارود دون رائحة الورد والمحبة.

حينما كنت أصغر سنا

كانت السماء أكثر إتساعا وزرقة... والنهر المعافى يمتد بلا إنتهاء يحكي كل يوم حكاية عشقه للسماء، كيف إرتدى الوانها وغاب واياها بعناق لا ينتهي إلا بولادة شمس جديدة

حينما كنت أصغر سنا

كانت الشمس تزقزق في قلبي كل صباح والليل يد سمراء تأخذني لعالم متلألئ أكثر سحرا

حتى الغيوم كانت اكثر صفاءا وبهجة. 

كان للبرتقال طعم اخر، للخوخ لون اخر، للورد سحر اخر، للسنابل عطاء آخر، للمساء عطر آخر، وللحلم بهجة أخرى....

يوم كانت الأرض أكثر صلابة والماء أجزل نماءا ...

عندما كنت أصغر سنا

كان النهار أبيضا، لم يك يعاني من مزاج منحرف له هوس خلط الألوان ليكون أحمرا وأصفرا قاتما....واحيانا ليكون بكل هذا السواد!

عندما كنت أصغر سنا

كان الفجر يعني موت الأمس وولادة يوم جديد و الحزن كان... منطق الموتى فقط ....
كان القمريغني للجميع والسماء بحر ممتلئ قوارب فضية وطرق مفتوحة لمدائنها المتلئلئة

عندما كنت أصغر سنا

كانت البراكين والزلازل والعواصف أساطير يرددها أبله القرية نستمع اليه ونحن نلوك السكر ونضحك كثيرا حتى نشرق فيفرح لضحكنا ويركض فاتحا ذراعيه للريح فنطير بسرب خلفه وكلنا حياة، يباغتنا صوت أمي المتبسم دائما فنعود ادراجنا لمسرات أخرى

عندما كنت أصغر سنا

كان للعصاري صوت عصافير وطقوس اقتراب وموده.

كان الشاي شرابنا السحري وكان يرتشف ببطء ولذه.... أو هكذا أتذكر
يوم كنا نغفو ونصحو في حديقة الدار قرب اشجار الورد على نغمات حديث الجارة المسنة اوكركرات اطفال الزقاق.

عندما كنت أصغر سنا

كانت الطرق مرصوفة بالأشجار، لم تك مشاريع موت أو رهبة...
كانت الأنهار تعاني البطنة من ضجيج الحياة فيها وتفيض ولها للأرض التي تتلقاها مسرة كل ربيع.... يوم كان الربيع أكثر شبابا.

عندما كنت أصغر سنا كانت مدينتي الأكثر توهجا وسعادة، كان الأياب دوما أجمل من الرحيل و المنازل أكثر اتساعا و راحة.

كانت إلمباني اقل زينة وأعمق معنى، كالأمهات...

كان الهواء أكثر رقة وحنوا والرياح كائنات ضوئية ناعمة، أطفال صغار يتجاذبون اذيال ثوبي، يعبثون بذوائب شعري لنركض سوية ونضحك.

يوم كانت الحقول أكثر خضرة واتساعا و كل العصافير تعرفني

حينما كنت أصغر سنا

كان الصيف أقل جحودا و الشتاء اقل بردا وأكثر عطاءا

كانت مدفئة (علاء الدين)* فانوسنا السحري لمدائن السحر والمحبة

كان التلفاز يعلم من هو سندباد وكلنا اختبرنا مزايا بساط علاء الدين

عندما كنت اصغر سنا

كان( ابو النفط )* يتوسل ان نشتري ما يبيع ويبتكر اغاني جديدة وانغاما جديدة لعرض بضاعته الكاسدة كل مرة

لم تك الطائرات تحترق رغم انها من ورق.

حينما كنت صغيرة 

كانت النجوم أكثر اقترابا وصديقتي لم تك تحملق فيّ ببلاهة دون ان تفهم ما أريد
حينما كنت أصغر سنا كان يمكن للأبجدية بغزارة بحرها ان تصف مبلغ إفتقادي لزمني العتيق الجميل...

ما حيلتي والبحر يغور بعيدا في رمل النسيان يوما بعد يوم.

حينما كنت أصغرسنا كان يمكن ان أحتمل كل هذه القسوة....دون ان تكون معي....
لكنني كبرت الآن...!

مدفئة علاء الدين......نوع من الدفايات القديمة
ابو النفط............ بائع النفط الذي يبيعه وهوينقل الخزان بعربة يجرها حصان


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى