الثلاثاء ٢٦ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠
بقلم نجم السراجي

عنق الزجاجة ينتظر!

الجزء الأول

تقف مبهورا أمامك 
تتمسك بثوب عريك!
فارق بين الصعود إلى الأفق والصعود إلى الهاوية!


شاعر أنت !
رقة مشاعرك تقودك إلى عمق لاوعيك، تلامسه ، تتحسسه، تتفاعل معه ، تكشف خفاياه ... فرويْد الإنسان الذي حلل النفس البشرية وتعامل معها بإفراط ودراية ترك لك هذه المهمة فقط لأنك شاعر مرهف الحس !
سلكت دربهم ...
تُوجِس خِيفة على نفسك،
ذاتك التي عريتها من قيمك وفكرك لازالت تبحث عن طريق ، تتعقب الأنوار الخافتة ، أصوات الفجر المهزومة ، دقات أجراس الكلمات المتوعدة بالعقاب والثواب لتقف مبهورا على صدر مدينتك التي رفضت مضاجعة حكامها!
تتسارع / تتباطأ / خطاك وأنت تسلك درب القصائد التي لا تخطئ هدفها والتي تعرف طريقها وهي في رحم الأفكار وبعد ولادتها ،وتعرف مكانها المرسوم لها / فوق التل / الآمن من الأخطار فمن القصائد ما يخيف صاحبها ويرعب المكان فتطردها الطرقات لتنزوي وتتقيأ فكرها المتمرد المشبوه في أي ركن تصادفه

تتسارع خطاك ، تساورك الشكوك والمخاوف ويؤرقك التفكير ، وأكثر من سؤال يراودك يجعلك في حيرة من أمرك ، فبين الوفاء والخيانة وبين الخوف والثبات خيوط الوهم أو اليقين،
ولأنك تهاب المواجه لتعود إليك تمسك ذاتك تجلدها ، تترنح في تيهها ، تتقلب، ترائي، تداهن فتنتفخ أوداج رقبتك/ المعرضة للقطع / وتتسع مسامات جلدك وتنحني أمامهم طائعا تسبقك رائحة خوفك ...
/ أرعبوك / ربما نصائحها شلت يمينك ! امرأة... تسلل إليك ليلا من تحت فراش الزوجية عطرها ،
 طرق بابك ،

فتحت ،
قبلتها بحرارة المحروم وعدد المرات التي كررتَ فيها كلمة " الثورة "،
تكورت بين فخديها تلعق عرق الشهوة والخيانة،

آويتها في روحك كما كنت تأوي تلك القصائد المتمردة وتكورها في قلبك !
كنت متمردا ، تقرأ عن الثورات وتكتب عنها وتؤويها دون التفكير بعواقب الأمور :
حين كتبت عن ثورة الحسين سجنوك بتهمة الرجعية وحين كتبت عن ثورة جيفارا سجنوك بتهمة الشيوعية وحين رسمتها عارية قالوا : فاجر عربيد ... وفي كل مرة يزداد رصيدك من حصة التصفيق...
كنت لا تهاب السجون ! ربما لخلوها آنذاك من قنينة الجعة الفارغة وعنقها الذي يلوح به ضابط السجن الجديد :
ـ عنق الزجاجة هذه دواء المعاندين ...

لا أظنك ستقاوم كمن قطع العهد وعشق القضية فحين المواجهة وقبل المرور من ذلك الممر الأظلم الطويل ستجد لنفسك مبررا ينقذك من عنق الزجاجة الذي أخاف مؤخرتك الثقيلة /فضح أمرك/ لولاه لأصبحت قائدا مناضلا يقسم برأسك الثوار...
في السجون الانفرادية تخصص أعناق الزجاج للمعاندين، لكل إستٌ معاند عنق يفتضّ بكارته ويحظى بدفء أحشائه ثم يُُرّقم ويـُحفـَظ / ضابط الأمن الجديد يحب الأرْشـَفـَة والترقيم/
لكلمة الضابط وقع على مسمعك تتحسس منها / ترهبك /
راودتك فكرة بلهاء ، ساءلت نفسك: 
من المنتصر في معركة التحقيق سوى الموت ؟

من صمد في التحقيق حتى آخر نفس يموت شهيدا لنرجسية تحيله إلى حضن مجد وهمي ، ومن يستسلم لعنق الزجاجة أو يخصى على كرسي التعذيب يموت كمدا مطعونا في الشرف والكبرياء ، ومن اعترف على رفاقه يتبعه العار ويموت بعريه ،
ما بين السجين وكرسي التحقيق هو الموت أو البحث عن اقل الخسائر!
حسمت أمرك ...
غشيك الليل واتخذته جَمَلا !*

حاملا رحالك باتجاههم / لست أول من ينزلق /
انزلق قبلك الكثير من "المناضلين" و"الثوار" فأدمنوا الليل واللذات وتبعتهم أنت لتدمن ليلهم ، فالليل احمر هناك في تلك الديار تسقيه كؤوس الدعارة ودماء السجناء.
نزواتك هي تفسير لساديـَّتك / ولأنك تخاف / عليك أن تعادل خوفك بالإحساس بالقوة من خلال الرغبة بالسيادة ..

هل عددت فضائحك ونزواتك الجنسية وكم مرة تعريت وكم سرقت وكم قصيدة كتبت؟
كتبت يوما عن " عيد الحب الفالانتاين " قدمت لك وردة حمراء دليل الحب وطلبت أن تصفح عنها / هم أخذوها عنوة إلى بيت زوجها / رفضت تسليم نفسها إليه لأنها تحبك أنت وتعشق أفكارك ، صارحَته بحبها لك ، كان بإمكانه أن ينتقم لكرامته ويطأ بكارتها بإصبعه ويعيدها مكسورة / حسب العرف / إلى أهلها ، لكنه لم يفعل ، احترم صراحتها وأعادها إليك زنبقة بكرا / رفضتها / قلت انك لا تشم وردة مرت على انف غيرك / مقولة سبقك إليها " الحجاج "
وحين أعلنت تمردك وكتبت قصائدك بأفكارها المجنونة قلت :
ـ الجنون هو قمة الفلسفة
آثرت حينها أسرار / التصوف والعرفان / فتغنيت بالكأس والعشق الإلهي وتبعت دروب " الحلاج " وأنت في طريقك إلى سر التوحد فضحك عريك وأنت تسرق حضنها / جارتك الحبلى / تعريتَ أمامها ، ضاجعتها على سريره / كان صديقك /

لم تكن المرة الأولى التي تتعرى فيها ! 
تشدقت بعدها بولائك إلى منظـِّري " الثورة الجنسية " وطالبت بتغيير جذري في العلاقات بين الجنسين كما هو الحال في العالم الغربي المتحضر ، فضحتك فطـْرتك وحركة يدك اللاإرادية التي حاولت أن تغطي بها عورتك التي كشفها الطبيب في عيادته وهو يفحص جهازك التناسلي المصاب بمرض "السيلان " من تلك الفاتنة التي فرضت عليك ربع مرتبك لليلة بين فخذيها .

دوي يؤرقك ، يعصف برأسك يضغط بكل الاتجاهات ، يمنع عودتك إليك، فتغيب و
تسبت كما العظايا في وحشة أيامك / حصار ذاتك / وربما تقرر الاستغناء عن راسك أو حرقه كما حرقت كتب قادة الثوار! أو ركنه في قبو الدار مع ما ركنت من أشياء لتخرج بدونه لا تفكر بأمر ولا تشغل فكرك الأبله بقضية الثورات ! لكن كيف يمكنك الاستغناء عن الثورات وأنت بحاجة إلى ثورة داخلية وانقلاب على ذاتك تغسل به ما تبقى من أفكارك الثورية وتطرد سفاسف الإنسانية والمستضعفين من ذهنك ؟!

طغيت واستعنت بملذاتك عليك !
معصمك لم يعد يخشى القيود، مؤخرتك لم تعد تخشى عنق الزجاجة وأيامك كالبحر تكتم الأسرار وأسرارك كثيرة.بعدد وجوهك التي تراها كل يوم في مرآتك الجديدة في بيتك الجديد الذي يحتاج إلى أكثر من فاتنة وأكثر من سيلان وأكثر من امرأة حبلى تتلذذ بعريك وفحولتك وأكثر من وجه بلا حياء فنقطة الحياء هجرت جبهتك وأسقطتها الأيام ورائحة المكان كما هجرت أنت بيتك ورحلت ... وحين تذكرتها يوما وزرتها في بيتها الذي ولدتك فيه رفضَتِ النظرَ في وجهك ، ذهبت إلى غرفتك القديمة ،نظرت في مرآتك القديمة ، رأيت وجهك القديم / أفزعك / عدت إليها طفلا خائفا كما كنت تفعل سابقا ترتمي في أحضانها ... / لم تجدها /
وقفت مبهورا أمامك ثانية و أسرعت إلى مرآتك الجديدة تتأبط ثوب عريك ليعود هو يتأبط جرحه ونزفه
فارق كبير بينك وبينه


محطة قطار.. فرانكفورت. 



أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى