السبت ٣٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠
بقلم بشرى المطلق

عينٌ على ليلها

 إهداءٌ إلى روحِ الجَنوب التي لا تعرفُ عنّي إلا وِحدَتي، ولا أعرفُ عنهَا إلا صَالِحَة ..
هذه هويتي؛ قبّليها كلّ ما زرتِ الحرم ...

أيقونة تمّ اختراقها، ابتسامتها المعلّقة على شفتيها؛ محفوفة بالتأمّلِ، ونومُها؛ حزنٌ يقظ
..

(خصائص)

 كيفك؟

أملكُ الآن مزاجًا قاتمًا، يُعييني الخروج منه..
أملكُ سخرية مريعة، ليس عليّ حرجٌ حين أضحك على وجعٍ ما؛ على الأوجاع كلّها..
أعرف جدّا كيف يكون الألم شوكا؛ طعناتٌ مقصُودة أو أقدار مكتوبة،..
لكنني عشتُ قريبا حالة عزاء، كنتُ أصافحُ البكّائين، أمتصّ ارتجافهم وأسنِدُهم إليّ ليتخفّفوا منّي - أنا المعنيّة بكلّ هذا المَاء -

سهل جدا أن نبتسم، الأمر الصّعب حقّا هو كيف نبكي، ليس البكاء الشكلي؛ أن نفرز دمعتين وشهقة
ونحِبسَ أنفاسنا لنحمرّ، بل ذاك البكاء الطويل الذي نغسِل فيه أرواحَنا من الحُزن والفجيعة، فنخرجُ مِنه (بِنا) كَما ينبغي أن نكون..

الفجيعة؛ يسوؤني أن أكتب إليكِ أنني لا زلتُ أحمل جنينها بين عطفيّ..
الفجيعة ذاتها التي يبكيها الكلّ عندي ويعتمرون أحاديث عرسٍ حين أخرج لهاتف عزاء وارد .
لا لوم، أعرفُ أن لقاؤهم الأول بعدي كان لأجلي، أن عروسهم التي كانت ستُتم شهرها الأول بعد أيام؛ جمعتهم لعزائها.
لا ألومهم ، لكني أودّ كذلك أن أعرف عن حال العرس الذي لم أحضره؛ الذي لم يتم..
كيف كان؟! لتُقبض فرحته قبل أن تُبصر، لتكون فاجعته بكلّ هذا الاتساع !

يسوؤني أيضا أن أكتب إليكِ أنني ما عدتُ أعبأ بالآخرين كما أهتم لكفّ عينيّ أن تهمي ورأسي عن الالتفاف يمنة ويسرة/ والقبض بشدة على كفي خشية أن تسقط لشدة ارتجافها.
وأني لا زلتُ أكمّمُ روحي عن الذوبان فأُخفِق، تتهاوى على شفتيّ بعض الكلمات قبل أن تلتقطها، بعضها يخرج على هيئة منحنية؛ تشبه الأنين دون أن تقصده، تنكسر نظراتي، أتنهّد، أنتفض، أبتلعُ غيثي فأغصّ به، وأوقظ هدوء المحزونين حين أخرج بغتة.

كيفك! ما المسئول عنها بأعلم من السائل !


(تهيئة)

أزعمُ أنّي إذ أكتبُ إليكَ؛ أحادثك، ولستُ سوى حُجرة..
كنتُ حزينة وحييّة؛ تشتتني الحيرة، وأمرَّرُ إليكَ عبر تهنئة، كنتَ تُهيئُ أهلَك لتستقلّ، وتُنظمني لسكنٍ دائم، تعبؤني بك؛ بساطًا أخضرًا، جدرانا بيضاء، رفوفا ترتّب عليها أحلامك، كنتَ تنمو كلّ ما ولجتَ، وأتسع كلّما غادرتَ، أدّعي أنني خالية؛ أفتحُ النوافذ لأتنفس، وألتمس على إثركَ كلّ الأصواتِ وأبادلها النداء، كنتَ سرّا لا أبوحُ به لأحد، لا أكشفُ عن انتظاركَ، لا أملّ منه، كنتُ أستوحشُ إذ تغيبَ، ولا أهدأُ بالكلام..

ولمّا امتلأتُ بكَ فرط سعادة؛ نسبتك إليّ –لأولِ مرّة- على استحياء:
"صاحبي"

يا صاحبي لقد صرتُ متحفًا..
أُزارُ حين يكون في العيون حزنٌ يوشِكُ أن يذوب، أو لتُعلّق فيّ-على عجلٍ- تهاني العيد..
لم أخبركَ أنني تشرّبتُ أحلامك، فأصبحتُ ملوّنة بما هو لائقٌ لاستقبال الزوّار..
البساط قلبته؛ خشيتُ أن يجفّ وقت أحوج ما أكون فيه إلى أكسجين ..
تنفّستُ مرتين، ليلة فقدتُك، ويوم توقيع الإخلاء، وكان الهواءُ عطرك، الأرضُ كفنا، والسماءُ أنت..

البابُ ضيّق؛ لم تكن تعلم، وكنتُ أحبّه إذا يأتي بك،
لن أقول لكَ أنّه مُغلق؛ .. لأنني خلعته

كنتُ أفضيتُ إليكَ:
" كيف أختصِر الكلام؛ وأنتَ تعلمُ أنّه لا يمكنُ تنظيم الوجع
الحديثُ الطويل ينبئ عن ذكرى؛ لكنه ليس انكسارا أبدًا..
أنا أُغضي حين أُحمّلُ كلمتين الأسَى كله، وأنصرفُ قبل أن أسمع دويّهما في القلبِ القريب "

ممم،
زارتني أختُك


تحديث:

أنوءُ بحِملِ ذاتي لأفترشها في المحطة القادمة، دون أن أقصدَ نحتَ أصابعي على الأرض، أشبَه ما أكونُ بحفّارةِ أثر، تحذرُ أن يراها من خلفها؛ لفرطِ ما هي مُسرعة وأنفاسها مُتقطّعَة..

أبادلُ الاتّكاء بين قدميّ وهي تحدّثني: " الأثرُ يبقى، أمّا الحُزُن فينتهي عند أول خطوة جديدة" كنتُ أنظرُ إليها وأبتسم، وقد عهدتُني مُجادِلَة؛ لا أكادُ أحتفظُ بلساني هادئا؛ حين تُمسُّ أشجاني ورؤاي خَلوة.. كانت ترجو أن يكونَ صَمتي وإنصَاتي تبَاشير زرعٍ، وكنتُ أجيبُ رجاءَها وأرفعُ عنهَا يأسها، دون أن تلحظَ جِراحَ قدمي..
قالت لي بحَزم: عليّكِ أن تبدئي الآن، فوقفتُ ونظرتُ إلى عينيها.. كانت تنتظر شيئا.. ولأنني لا أحملُ فراسةً تُلهمني ما عليّ فِعلُه، ضمْمتُها إليّ؛ فأنّت.. كانت مُهشّمة وتوشكُ أن تقع ..
همسَت: أحتاجكِ ..، قاطعتها: ولو كنتُ مبتورة القدمين!

تعثّر:

صدّقيني يا عمّة أيامي الروتينية هذه اعتدت عليها، أيّ تغيير بسيط قد يخدشني، يجعلني أكثر حساسية تجاه الحركة
البارحة حين قررتُ مصارحتكِ؛ كان القرارُ ساحقا؛ أودى بكلّ الوصايا بالنسيان؛ التي لحِقت عبارات العزاء

 عمّة كيف قلبك؟

لا تسأليني عن الحبّ، إن كنتُ أحببته؟ الحبّ يفضحُنا في حالِ أخفيناه، أمّا هو فكان روحا ملاصقة، يُرهقني بملازمته؛ وأستمتع به كجنين يتخلّق في قلبي..
كان سرّي المخبّأ عن فضول الآخرين، كنتُ أحتفظ به، وتكشفُ بسماتي عنه، كنتُ (عيّارة) وكان يرفعُني كلّ ما زلَلت، كنتُ طفلة وكان رجُلا، كنتُ أتّسع حين أخلو منه أوقات الصلاة، وكان يخلّف فراغا أبحثُ عنّي إثره، كنتُ أحبّــه.

ويوم ابتدأ عمله وانتشرنا، أصبحنا أسرة تهيئُ لأجلِها الولائم.. وكانت الوليمة الأولى؛ يوم ضحكتُ لفرط انتشائي بنا وانزلقت من فمي: "رجُلي" فطربتُ لها وقد كانت تملؤني كُلّي..

ويومها يا عمّة؛ لم أخرج إلا وتاج فرحتي فجيعة..
وكان هو .. ابنكِ، .. بداية سعادة وانتهاء الفرح، أول فجيعة وآخر الحياة، كان هو يا عمّة هامةُ عباراتِ الصغار؛ حين ألوذ بهم عن البكّائين " صح رجلك مات" "خلاص ما صرتِ عروس"


عمّة ...
عمّـة ..
كنتِ يا عمّة الوجعَ الذي يحِضن وجَعي، ولمّا غفيتِ؛ كنتُ أصغرُ من أن أحتويني، لياليّ المئة التي وعيتُ فيها عليّ؛ منحَتني آبارا وأفرغتُني فيها، ...
الآن يا عمّـة نَضِبـت...

على حَافّة الوجعِ وعلى امتداده؛ ها أضمّ كفيّ إلى قلبي وأسألكِ أن لا أكون رديفة الذّكرى.. احضُنِيني يا عمّة.


تمتصني أمواج هذا الليل
في شرهٍ صَموت ..
وتعيد ما بدأت.. وتنوي
أن تفوت ولا تفوت ..
فتثير أوجاعي وترغمني
على وجع السكوت..
وتقول لي: مت أيها الذاوي...
فأنسى أن أموت..

عبد الله البردوني


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى