الثلاثاء ٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٠
بقلم محمد أسعد قانصو

الوحل!..

..كنّا صغارأ وكان الوحل صديقنا! طيّعا, طريّا, نبني به قصورنا وقلاعنا, نرسم على صفحته البنيّة صورنا, نكتب به أسماءنا ونحفر أحلامنا, نلوّن به وجوهنا وأيدينا في انهماك اللعب البريء.

وحلنا النقيّ يا أحبتي كان يلوّث ثيابنا, ولكنّه لم يخدش طفولتنا, أو يشوّه نقاء فطرتنا..
عشنا مع الوحل الأليف بدايات العمر, لم نر إلا صورته الجميلة, لم نشمّ إلا ريحه الطيّب.

تقدّمت بنا السنون وأدركنا معها أنّ العلاقة بالوحل قديمة, منذ البداية الأولى جبلتنا يد القدرة تراباً بشراً سويّا, أدركنا السرّ وازددنا بالوحل إعجاباً وقربا, وتواصينا به خيراً ساعة عرفنا أنّه مصدر الخير ونهاية المصير..

لم يتغير الوحل إذ تغيّرنا, ولم تتبدل صورته حين تبدّلت صورنا, بقي الوحل وفياً ينتظر الأصابع الصغيرة العابثة, بقي هناك يستحمّ قرب السواقي, يترنّح في الحقول المزوَاجَةِ للشمس!..

أصدقائي: توحلّنا اليوم بغير التراب وأمسى وحلنا عارا, مُزقاً طائفية هشّة, أبنيةً من سراب الانتماء, طقوساً من التعصّب البغيض, رقصاً على أوتار التبعيّة والانطواء, دمىً تتحرك بالظلم تحييّها أكفُّ البسطاء, جهلاً ومراسيم بكاء..

في حنايا الوحل الخصب تنبت الورود, يؤُتي النخيل رُطباً جنيا, تستقيم السنابل لتحمل ذهبا..

في توحّلنا المخيف تجدب الأرض, تمنع السماء, ويجفّ المداد فلا يقطر حبّاً ولا ينظم شعرا..

في توحّلنا المقيت يعترينا الضعف ونصبح أمةً نهبا, ويستحيل الوطن سراباً والهجرة جسراً للمجهول..

حبذا لو نستعيد وحلاً يعيد إلينا جمال جبلّتنا, ونمسح عن وجوهنا وحل خطايا اقترفناها بأيدينا!..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى