الاثنين ٢٧ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
بقلم عبد الجبار الحمدي

أمسك حرامي

كان يركض لاهثا!! خلف تلك العربة التي يجرها حصان هرم، إلا أن أرجله التي جدحت ألما من وطأتها على صغير الحجارة، وعثرات لم تحسب، كان ذلك بعد أن شاهد زوج نعل على قارعة الطريق، فقفز من العربة ليلتقطها، وما أن وضع يده عليها، حتى سمع صوت ينادي أمسك الحرامي، فترك الفردة الثانية مكانها، وحمل الأخرى وركض بسرعة للحاق بالعربة، التي ابتعدت عنه، لم يستطع أن ينادي على ذلك الأسطى الذي يعمل عنده، فقد قفز منها دون أن يشعر به، كما أنه لا يمكنه أن يجعله يتوقف لسبب تافه مثل هذا، وإذا حدث فسيعمل السوط على ظهره بدل الحصان، الذي أمست ضربة السوط عنده كوخز إبرة، تطبع وتعلم أنه لا يمكن أن يقدم أو يؤخر في صهيل أو هز رأس عن تعبير غضب، أو استخدام عنجهية قد تودي بصاحبه بأن يسلخ جلده أكثر بلسعات السوط الأجرب، والسوط بدوره فقد عقله من كثرة رفع وخفض ودوران بيد الأسطى، حتى أختل فما عاد يميز بين الحيوان والإنسان، كان سعد في تلك الأثناء يجري، بعد أن وضع ذيل ثوبه بداخل فمه عاضا عليه بقوة، لكأن طعم ثوبه من بلل لعاب عمل كوقود دافع له، ولعله لأول مرة يتذوق الثوب الذي يلبسه، فهو لم يفعلها من قبل، فوجد انه يحمل الكثير من المرارة والرائحة التي تسللت إلى بطنه وجعلته يحتقن حَنَقا على الحياة، أخرج الثوب من فمه، وأمسك بالنعال بين أسنانه، لإمساك ثوبه بيديه، والذي ما أن رأى من يخطف عليه يضحك، نظر إلى نفسه فشهق، حيث رأى أن عورته ظاهرة للناس، اسقط فردة النعل تلك، توقف بسرعة، وعاد لالتقاطها قبل أن يمسكوا به تلك الصبية الذين يجرون خلفه، كان صاحب العربة قد شارف على الوصول الى الجسر الصغير الذي يؤدي إلى سوق الباعة، وهذا يعني عليه أن يتوقف، استبشر سعد ثم لعن الجسر، لقد استبشر انه سيركب العربة وكأن شيء لم يكن، ولعن الجسر لأن هذا يتيح للصبية اللحاق به، قال في نفسه: ماذا عساي أن أفعل؟ هل ارمي فردة النعل هذه! أم أستمر بالجري في الزحمة القادمة، وهي كفيلة بضياعي عنهم، حسبها بعقله الطفو لي أن هذه هي الفرصة، دفع بنفسه بقوة، حتى خطف من جانب العربة، شاهده الأسطى نادى عليه سعد توقف!! لما نزلت لم نصل بعد؟ ماذا حدث لك؟ وسلخ ظهر الحصان بضربة، أحسها الحصان إنها ضربة معلم قد استشاط غضبا، صهل مع هزة رأس تطاير بها المخاط واللعاب على وجوه وثياب مارة، تطايروا بدورهم من أمامه خوف دهس، لعنوه وصاحبه على فعلةٍ حقيرة، لم يكترث الاثنان، وهم يسمعان التقريع والشتم، فكلاهما مستغرب عن سبب التقريع والشتم، وأصبح سعد يجري خوفا من الصبية والأسطى، أما الحصان فيجري خوفا من ضربة معلم قوية، رغم ان جلده قد نبتت عليه، حراشيف عمر فعكرته طبقات فوق بعضها البعض، والأسطى يحاول أن يمسك بسعد خوفا من هرب، فهو أمانة عنده بعد أن أخذه من بيت فقير يعلمه الصنعة، وخاف أنه قد هرب نتيجة قسوته عليه وضغط العمل، أما السوط فبات كريشة طائرة مروحية، لم يعد يميز نفسه، هل هو واحد ان هناك من يشاركه في الدوران؟ غاص سعد بين تلك المجاميع، التي تلاطمت الأنفاس والوجوه مع بعضها البعض، وأصوات الباعة المتجولين، والمارة أصحاب التسوق اليومي، ترك الأسطى عربته وراح ينادي سعد يا ولد أين أنت؟ تعال إلي لا تخاف، فقط أخبرني ما الذي حصل؟ لم يكن هناك أي جواب، وفي تلك الأثناء كان الصبية قد لحقوا بالعربة، وتوقفوا عندها، وصعد عليها أحدهم ليرى أين صاحبها، فقد اعتادوا على رؤيته كل يوم حين مروره عليهم، إنه هناك... صارخا بعد أشار من ركب فوق العربة، ليس بعيدا.. هيا نذهب إليه، لابد أنه يعرف الولد، وقفوا إلى جانبه وهو ينادي على سعد .. يا .. سعد، والذي ما أن أطل برأسه ورآهم مع صاحب العمل حتى جن جنونه، وقال: لقد حصلت المصيبة، ماذا أفعل؟؟ بالتأكيد سيدق رأسي وسيشبعني طنا من الضرب، ما العمل؟ ماذا افعل؟؟ كان ودون أن يشعر سعد رجل بالقرب منه يراه وهو يرفع رأسه ويخبئه، وممسكا بفردة النعل تلك، وأنفاسه في صعود وهبوط، اقترب قليلا، ولاحظ أن هناك من ينادي عليه، لكنه يخاف أن يظهر نفسه له، احتار في أمره!! اقترب أكثر منه فأمسك به قائلا: ما الذي تفعله هنا؟ ومما أنت هارب؟ راوغ سعد بشدة للإفلات من قبضة الرجل، إلا أنها كانت قوية وهو متعب، فصرخ .. أتركني، ماذا تريد مني؟ لم أفعل شيئا لك، ولم أسرق اي شيء، انتبه من التفت نحو صراخه، وهو يبكي محاولا الإفلات، لست لصا أتركني، ماذا تريد مني؟ وما أن رأى صاحبه الأسطى، حتى صاح أرجوك يا أسطى، خلصني من هذا الرجل، تجمعت الناس حوله، وأحاط الصبية به، فقال الرجل: هل تعرفه؟؟ أجاب الأسطى أجل، انه يعمل معي، شكرا لمساعدتك، أمسك بيده، وسعد يصرخ لم أفعل شيء؟ لقد وجدته مرميا على قارعة الطريق فقفزت لالتقطه، ثم بعدها سمعت هؤلاء ينادون علي.. أمسك حرامي، كما أني لست لصا، ففزعت، وهربت جريا لألحق بك، لكنك كنت تسير بسرعة، فلم ألحق بك، فقال له: أرني ما الذي التقطته؟ مد سعد يده وقال: هذه، ماذا؟؟؟ إنها فردة النعل التي.. لكنها واحدة، وأين الأخرى؟؟ قفز أحد الصبية قائلا: إنها معي ها هي، فبعد أن رأيناه يلتقط تلك الفردة، صرخ أحدنا مازحا أمسك حرامي، فرأينا أنه هلع وهرب، وكنا قد شاهدنا أن هذا النعل قد سقط من العربة، التي كان يركب فيها هذا الولد معك، ولمنا صاحبنا على فعلته، لذا قررنا أن نركض ورائه لنعطيه فردة النعل الأخرى، والتي تركها هاربا فزعا من صراخ صاحبنا عليه، لكنه كان كالغزال، فلم نستطع اللحاق به، حتى أمسكت أنت به، قال الأسطى: شكرا لصنيعكم وما فعلتم، وتحول إلى سعد ليقول له: أما أنت يا سعد فلا أدري ماذا أفعل بك؟! أن هذا النعل أنا الذي اشتريته، هدية ومكافأة لك عن الجهد الذي تبذله معي، وكنت قد خبأته تحت مقعدي، ويبدو أنه سقط دون أن اشعر به، ورأيته أنت، فظننت انه قد سقط من أحدهم، وحصل ما حصل، ضحك من تجمهر على سذاجة وبراءة سعد، وعطفوا عليه حين رأوه يمسك بزوج النعل فرحا سعيدا، وهو يقول شكرا لك يا أسطى.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى