الخميس ٣ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم لمى نور الدين محمد

على قيد الأمل...

 نحن نحب الحياة، لا لأننا تعودنا على الحياة، بل لأننا تعودنا على الحب.-
«نيتشه»

ما فائدة الصراخ فهي ليست هنا، إنّها هناك.. هناك في تلك القرية البعيدة عن الدنيا وعن العالم، والقريبة جداً من الواقع، هناك مكان عجنت «أمها» عجين الصباح، وكسرت الحطب للتنور.

يوم ربيعي آخر في سنة أخرى، في عمر لا يقترب من أي صفة نعرفها سوى أنّه «آخر»، ومنظر النيران المشتعلة في تنور أمها يُدفئ قلبها الوحيد، ويَحرق حزنها الذي اعتادت أن تخفيه.

هو يذلها بربوبيّة افترضها وأقنعها بها، وخوفها يذلها بذل آخر صنعه مجتمع قطيعي تافه يخفي عقده الكثيرة من خلال اجترار مشاكل الآخرين وبؤسهم. خاف خوفها من كلام الناس إذا، ومن حقارة الكثيرين الذين سيصطفون كما جرت العادة مع الطرف الأقوى، فصمتت واستمر صمتها طويلاً لدرجة أحست معها أنها قد فقدت حاسة النطق، وأحاسيس أخرى كانت لتكون جميلة.

حتّى أنه وصل من الوضاعة إلى حد وضع معه جهاز تنصت في هاتفها، وكاميرا مختبئة في جهاز التكييف، كان يتصرف تماماً كزعيم في ذلك البيت، يفصّل القوانين التي تناسبه، ويدق عرض الحائط بكرامتها إذا ما فرضت نفسها كبشريّة تمتلك أحاسيساً أو آراء مخالفة.

لم يكن عليها أن تقصقص من أجنحتها و حسب، و لكن وجب عليها تقنين وقع خطواتها على الأرضية حتى لا تنزعج أذن حاكم المنزل، ذلك الذي يظن أنه اشتراها، أو تكرّم عليها بهذا السقف و هذا العقد.

ومع الأيام أصبح عندها أصدقاء تلجأ إليهم وتشتكي لهم انكسار إنسانيتها فيحرضونها على إشعال تنور كبير يحرق الأخضر واليابس، يأكل الذل قبل الحزن.. تتخيل أنها فعلت، فتبتسم وتنام .
يوما بعد يوم يزداد الظلم والذل، ويكثر من حولها الأصدقاء، سعادتهم تحرضها، وثقافتهم تقويّها، والتنور الجهنمي يكبر ويكبر جداره كلماتهم وفي داخله حزن يحترق ولا يموت فيزيد من إصرارها.

الكلمة لها فعل السحر، و لها من الطاقة ما يبني التنور و يشعل فيه.. هذا ما اكتشفته عندما انفجرت في وجه زعيم ذلك البيت سابة و لاعنة، ثم وثقته بطلاقها و عودتها للحياة.

أنتم في كوابيسي، كما أنا في أحلامكم.. ظلمي لكم، فقركم، قمعي لكم، هشاشتكم، و أصوات أطفالكم.. كوابيسي التي تبدأ بتنور يحرق البشر، و تنتهي (بجراباتي) تقاوم الاحتراق.

أنا الزعيم "عباءة" لم أكن (أنتوي) رؤيتكم في عالم نومي، كما في عالم يقظتي، لكن ثورات البلاد التي لا تشبه بلادي قضت عالم نومي، و فتحت النار من مخيلتي على أجساد صغاركم الغضة، قبل أن تنطلق الرصاصات الحية من بنادق مرتزقتي، و كلابي.

في البداية قمت بإنشاء حساب على " الفيسبوك" تحت اسم " ثورة ضد الزعيم عباءة" متوقعاً أنني سألقي القبض على هؤلاء الخمسة الذين تسببوا في كوابيسي و قلقي، لكن الصفحة امتلأت..ملايين ..ملايين ضدي، أنا الزعيم "عباءة" أخاف أن أصبح بلا جرابات.. و أخاف من (الفلقة) حافي القدمين، و من ذلك الكابوس اللعين الذي ابتدأ بتنور يحرق البشر، و انتهى (بجراباتي) تقاوم الاحتراق.

تباً للفيسبوك (مالنا ) نحن و هذه الترهات و السخافات، شعب ( فاضي شغل ) يقعد كل يومه على الانترنت، و يريد أن نتشبه بالأجانب.. لم تعد سجوني تنفعني لا بد من قطع الكهرباء، وهذا على أغلب الظن الحل الوحيد الذي يضمن بقاء خيمتي.

الكلمة لها فعل السحر، و لها من الطاقة ما يبني التنور و يشعل فيه..هذا ما اكتشفته بعد كوابيس مريرة، و حساب (فيسبوكي) كنت أظنه سيقفر، لكنه عُمّر.

لم يكن الشاب "مارك" مبدع "الفيسبوك" ليتنبأ بأن مشروعه الذي بدأ كموقع تواصل اجتماعي سيساهم في تغيير التاريخ، و ما من أحد توقع ذلك أيضاً، فالغالبية كانوا قد(نفضوا أيديهم) ، و أُصيبوا بالإحباط من جيل الشباب المُغيّب، لكن ما حدث في تونس، مصر، و مايحدث اليوم في غيرهما من البلاد غيّر مفهوم الناس عن الشباب و عن الفيسبوك.

و بالرغم من كون (الفيسبوك) استُخدم كأداة في ثورات كان( تَنّورها) يُبنى منذ زمن بعيد، إلا أنه كان حلقة هامة تصل القاطرة بالمقطورة و تؤمن لهما الوقود.
و مع أننا سمعنا الكثير من (الفتاوي) التي تُحلل و تهدر دم و تُحرّم، إلا أننا لم نكن من الحظ بمكان لنسمع (فتوى) شكر إلى ذلك الشاب الأمريكي الذي ظللنا لسنين نرجمه و مجتمعه بألقاب العيب و الحرام.

الكلمة لها فعل السحر، و لها من الطاقة ما يبني التنور و يشعل فيه، إذا أتت من القلب إلى القلب مترفعة عن الحقد، و بعيدة كل البعد عن كراهية المختلف..هذا ما كشفه الفيسبوك، و وثقته قناة الجزيرة.

نحن المغتربون في جميع بقاع الأرض، و من جميع البلدان المسالمة الحنون، و من مختلف القوميات و الأديان و المعتقدات و الآراء.. يؤلمنا التعتيم الإعلامي في بلاد تضرب جذورها في عمق التاريخ كسنديان عتيق، يؤلمنا أننا نصطاد أخبار بلداننا من الفيسبوك بدلاً من أن نراها في إعلامنا.

سرتنا قناة الجزيرة لأنها كانت منبراً لصوت الأم الثكلى، و الشاب الذي شُلّ، كانت موجودة لتنقل إلينا أخبار حطب التنور الأخضر، و لتوّثق من الأمراض النفسيّة ما لم يخطر ببال.
(غنوا و ارقصوا و استعدوا) فنحن جاهزون يوماً لنكافح التزوير، و لنشهد بما وُثّق لنا على بركات الكرسي الذي أعمانا و العالم عن حقيقة مهلوسة.

نحن هنا في البعيد كلنا ألم مما شاهدناه في ليبيا، كلنا فخر باستمرار الثورة في مصر و تونس حتى لا تذهب دماء الشهداء هدراً.

نحن هنا في البعيد نشهد على يوم ربيعي آخر في سنة أخرى، في عمر لا يقترب من أي صفة نعرفها سوى أنّه " آخر"، نحمل في قلوبنا تراباً عزيزاً ننتمي إليه، و لا يغرينا سواه، منه صُنعنا، و رائحته في المطر تبقينا على قيد الأمل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى