الجمعة ٢٥ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم نادية بيروك

اللعنة المميتة

تمت عملية حقن الدم على أحسن ما يرام، تهلل وجه أمينة وهي تتلقى النبأ بعد يوم مشحون بالتعب والانتظار الرهيب.

 إن زوجك الآن في حالة جيدة لقد تجاوز مرحلة الخطر.

 ألا يمكن أن...

 معذرة يا سيدتي، الزيارة في الوقت الراهن ممنوعة، يجب أن يرتاح المريض أربعة وعشرين ساعة، يمكنك زيارته في الصباح.

عادت أمينة إلى بيتها وكلها رجاء وأمل، تفكر في الغد القريب فتتهلل أساريرها المقطبة.

 كيف سيكون رد فعلك يا إبراهيم متى علمت أنك ستصبح أبا؟

كانت أمينة تكاد الطيران فرحة وسعادة. ها قد نجا زوجها الحبيب من الموت المحقق بعد الحادثة التي كادت أن تؤدي بحياته. وها هي حامل بعد سنوات طوال من تناول العقاقير وحرق الأعصاب في علاجات مستمرة ومعقدة.

توقف سائق "الطاكسي" قرب المستشفى المركزي، حيث نزلت أمينة وهي تسرع الخطى مطالبة السائق بالانتظار إلى حين خروج المريض بعد أن تسلم إبراهيم تصريح خروجه. اتكأ على كتف زوجته التي ساعدته على السير حتى سيارة الأجرة، كان إبراهيم طوال الطريق صامتا شارد الذهن وكانت أمينة تحمد الله على سلامته و تدعو له بطول العمر. وصلا إلى البيت بعد مسيرة نصف ساعة، استلقى إبراهيم على سريره في إرهاق و ضعف بينما اتجهت أمينة صوب المطبخ لتحضر طعام الغذاء.

تمر الأيام رتيبة عادية فيشفى إبراهيم من سقمه وكله حيوية ونشاط. إنه يعمل بكل قوته وبكل ما أوتي من صحة حتى يوفر لابنه غدا ما حرم هو منه لسنوات طوال. لقد كان سعيدا وكانت الحياة وقتها تبتسم له بملء شدقيها.

أما أمينة لم تعد تستطيع المشي من هول الحمل. إن هذا هو شهرها التاسع وهذه هي فرحتها الأولى. ما أعذب هذه اللحظة وما أفظعها! ذات مساء عاد إبراهيم من عمله، فأبلغه الجيران أن زوجته نقلت إلى المستشفى حتى تلد هناك. أسرع إبراهيم إليها وكله شوق لمعرفة حالها.

 من فضلك ألا تعلمين مقر قسم الولادة بهذه المستشفى؟

 أجل سيدي، إنه في الطابق الثاني على اليمين.

 شكرا.

أسرع إبراهيم إلى حيث أرشدته تلك السيدة التي كانت تحمل رضيعها، صوب مكتب الطبيب واستفسره عن زوجته أمينة:

 زوجتك في حالة خطيرة، لقد ولدت في طريقها إلى هنا ولقد ارتأيت أن آخذ عينة من دمها ودم المولود حتى أجري لها عملية في الرحم، على أية حال، يمكنك الانتظار، قد نحتاج إلى أخذ عينة من دمك أنت الآخر.

 ماذا تقول يا حضرة الطبيب؟ لقد كانت في وضع طبيعي؟

 أجل! لكنها أصيبت بنزيف داخلي وهذا ما غير الوضع.

 ما العمل يا دكتور؟

 إن الآجال بيد الله، ثم إن العملية بسيطة ولن تكون هناك ردود، لا تقلق، فبعد ساعتين يمكننا الحصول على الفحوصات اللازمة .

 حضرة الطبيب؟

 ما الأمر؟

 ألا يمكنني أن أرى زوجتي أرجوك؟

 ستراها من النافذة الزجاجية لن تدخل إليها مفهوم.

 مفهوم، شكرا.

أرشدته الممرضة إلى مقر زوجته، فهاله مظهرها: لقد كانت في غرفة العمليات، وكانت تتنفس عن طريق التنفس الاصطناعي. وكان ابنهما في الغرفة المجاورة يبكي في مرارة ولا أحد يكترث له.كم تمنى أن يحضن ولده بين يديه ولكنه لا يستطيع. بقي يقلب بصره بين الحجرتين وقلبه يتمزق. بعد مرور ثلاث ساعات، جاء الطبيب وهو ممتقع اللون، فطلب عينة من دم إبراهيم. عندها سأله هذا الأخير:

 متى ستجرى العملية؟

 لا أدري، ينبغي أن أتأكد من دمك أنت أيضا، هناك ثمة أشياء غريبة اضطرتنا إلى إعادة فحص الدم مرات عديدة. على أي، ستظهر الأمور على حقيقتها بعد ساعة من الآن.

حضر الطبيب هذه المرة وإمارات الفزع بادية على محياه:

 ماذا يا دكتور؟.

 انتم مصابون!

 مصابون! بماذا؟ ما الذي تهلوس به يا حضرة الطبيب، أفصح لقد أثرت مخاوفي؟

قاده الطبيب في حزن إلى غرفة مجاورة ثم دعاه للجلوس، كانت نظراته تحمل الهم كله:

 لقد أصبتم باللعنة المميتة، أحدكما قضى على الأسرة بكاملها!

 مازلت لم أفهم مرادك بعد!

 أنت، أنت وزوجتك وابنكما، مصابون جميعا بداء فقدان المناعة المكتسبة.

 ماذا تقول؟ أأنت متأكد من صحة أقوالك؟ مستحيل ! هذا مستحيل أنا مخلص لزوجتي وهي كذلك و،
كلانا يحتاط و يقي نفسه. فجأة ضرب إبراهيم كفا بكف :

 آه تذكرت الآن!

 ما الذي تذكرته؟

 منذ حوالي ثمانية أشهر أجريت لي عملية حقن الدم، أنا متأكد أن هذه العملية كانت سبب نكبتي، ليتني مت قبل أن أصيب زوجتي وابني... ليتني مت! قال إبراهيم ذلك، ثم انخرط في بكاء مر يتفتت له الصخر. عندها دخل ممرض إلى القاعة وهو يصرخ في فزع.

 حضرة الطبيب، الجنين لفظ أنفاسه وأمه أيضا.

عند سماع إبراهيم هذه الأبناء السيئة، نهض كالمعتوه ثم خرج يجرجر أذيال اللعنة المميتة وراءه والخوف يعصر فؤاده.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى