السبت ٢٦ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم نادية بيروك

العاشق

أصبح يحبها إلى درجة الجنون، لم يعد يقوى على فراقها لحظة واحدة، لقد غدت حياته

وصديقه، ومحبوبته وأهله، وكل شيء جميل كان يتغنى به يوما ما في هذا الكون الملعون.

إنه يلثمها في شوق وحنان، ثم يقبلها بكل جوارحه كأنه يحضن عزيزا أو قريبا طال غيابه، فعاد بعد أن ثملت القلوب من انتظاره. لقد ظلت وفية له حتى بعد إفلاسه، حتى بعد أن هجره الأهل والأحباب، إنه لازال يذكر كلمات صديقه أحمد حين ناشده أن يرد إليه نقوده التي أعارها إياه حتى لا تحجز السلطات ممتلكاته:

 صدقني يا رفيقي! إن المبلغ الذي تطلبه مبلغ ضخم وأنت كما تعلم دفعت أموالي كلها في المشروع الأخير...

أدرك حينئذ عبد الله أنه لن يسترد ما ضاع منه. لذا لجأ إلى زوجته ليلى، لكن هذه الأخيرة أصرت على الطلاق بعد أن استحوذت على جميع المجوهرات والحلي وكل النفائس التي كانت بحوزتها والتي أهداها إليها عبد الله يوما. ورغم ذلك، طرق جل الأبواب الموصدة التي فتحها يوما لكنها لم تفتح في وجهه، ولا طيبت خاطره. و بين يوم وليلة وجد نفسه صفر الجيوب من كل شيء. إلا من قنينته الغالية التي كانت تتكوم معه تحت الجدران

وفي الساحات العمومية ومؤخرة المواخير، التي كانت تتمسك به، لا تغادره إلا لماما لتعود إليه وكلها شوق للثم شفاهه الجافة. وجد عبد الله في هذه الزجاجة القذرة ضالته

وسلواه لقد كانت الزوجة المخلصة التي عزته وكفكفت دموعه. كانت الصديق الذي مده بقوة الحياة والرغبة في الهروب من مساوئ الماضي وإحباطاته. كانت السكين الحاد الذي تحاشى رقبته ليطعن أحشائه ويشوش أفكاره. فكيف لا يقع طريح هواها وكيف لا يعشقها وقد ساعدته على نسيان همومه. لكنها كانت تحته أحيانا على الانتقام لتقلب عليه المواجع...

وهكذا كان، وإذا به يجد نفسه يوما مطبقا على أنفاس زوجته السابقة ليلى حيث اختبأ في حديقة "فيلاتها" بعد أن سم الكلاب وقتل الحارس، وقطع حبل الهاتف.

 استحلفك بربك يا عبد الله، اتركني وسأعطيك كل ما تريد، مجوهراتي، أموالي كل شيء! لكن، أبقي على حياتي!!.

 أكنت رحمتني حين طالبتك بإنقاذي من الضياع والإفلاس؟ وأنا الذي أنقذتك من الفقر والجوع؟ أكنت وقفت بجانبي أيتها الخبيثة؟ أتطلبين مني أن أبقي على حياتك وأنت قتلتني ألف مرة!... ألف مرة! ولم تشفقي علي؟..

لم يشعر عبد الله بتصرفات ولا بفظاعة مواقفه. لكنه أحس بقنينته المخلصة وهي تهوي على رأسها بكل قوة ... فتنهمر الدماء من كل جانب لتغطي وجه زوجته من رأسها إلى أخمص قدميها ولتسقط بذلك طريحة الأرض، وهي غارقة في يم من الدم الدافق وسط ثوبها الأنيق ومجوهراتها اللامعة، أدرك حينئذ عبد الله أنه القاتل أنه الجاني.

رغم ذلك، كان يشعر أنه المقتول أنه المجني عليه وأحس الجريمة وهي تمشي في عروقه، فاستحت الخطى إلى مكتب صديقه أحمد وهو عازم على نزع مفاصله.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى