السبت ٢٦ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم نادية بيروك

الهروب

استيقظت باكرا مع طلوع الفجر، وخرجت كالمتسلل، قفزت من سور البيت كاللصوص، اتجهت صوب الشارع الضيق، وأنا أعدو كالمعتوه. لم أشعر بفداحة الموقف، لم أفكر في النتائج ولا في العواقب. كانت الريح تدفعني في قوة بعيدا حيث لا أدري بعيدا عن ضغط الأب وظلم زوجته، بعيدا عن هذا العالم الملعون. لم يعد قلبي يقوى على اجترار الألم

والعذاب، أصبحت صورة السعادة سراب مخادع يدق مخيلتي ليهينني ويسخر مني، غدت ابتسامة الأمل غضبا هائجا يغلق الأبواب المنيرة ويكشر في وجه اليأس ليزيده هما على هم وحسرة على حسرة. إن كلمة الحرية، كلمة ذات أبعاد لكنها لم تتحقق بعد، والغريب أنني اعتقدت في تلك اللحظة أن هروبي يضمنها لي، ظننت أن خروجي من دار القهر

والتنكيل إلى متاهات هذا الكون أرحم من البقاء وسط تلك النيران الجهنمية. لكن الأيام تمر في دقائق لتظهر الحقيقة المرة، لقد أدركت أن حياة البشر اليوم شبيهة بحياة البراري. أننا أصبحنا نعيش وسط أدغال موحشة، القوي فيها يفتك بالضعيف. أدركت أن القوانين لم تخلق لتحمي الفقير ولا لتدافع عنه وإنما وضعت لتكبله بسلاسل من فولاذ ولتشل لسانه وحركته. وجدت أن المجتمع لا يرحم، أن الناس قساة لا يتفهمون ولا يغفرون. أن المرأة تدان دائما وأن الرجل لا يعيبه شيء...

رأيت أطفالا يبحثون عن طعامهم في سلات القمامة المهملة وأطفالا يرفصون أشهى الأطعمة بأرجلهم. وذات يوم وجدت نفسي أعود أدراجي من حيث أتيت، حاملة الذل

والمهانة، طالبة من عدوي السماح وعارضة عليه رقبتي ليمزقها كما يحلو له. ووسط الظلام الدامس كانت دموعي تنهمر في صمت وحزن وكان قلبي ينفطر ألف مرة،

وعاودتني فكرة الهروب. لكنني قررت المواجهة وسلمت أمري لله، عازمة على الصبر

والصمود. فكنت أستيقظ كل صباح فأحمل قناعا شبيها بالأقنعة التي يحملها الجميع، لأمسي على الحقيقة التي يتهرب منها الجميع.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى