الخميس ٣١ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم نادية بيروك

لم يكن حبا!

لم تنم كلثوم تلك الليلة، كانت تفكر بعمق في المأزق الذي وقعت فيه. لقد طلبها صالح للزواج رسميا من والديها، إنه شخص لا يمكنها أبدا رفضه، إنه صديق العائلة، سمعته جيدة، يملك شقة جاهزة وسيارة فاخرة، عمله مضمون وأخلاقه حسنة... حتى الآن كانت ترفض كل من تقدم إليها بحجة أو بأخرى. لكن صالح شخص متميز وهو يحبها. ولكن ماذا ستفعل بأحمد، بحبيبها الذي رفضت العالم كله من أجله؟ كيف سيكون وقع الأحداث على نفسه متى علم أنها لا تستطيع رد الخاطب الجديد؟ لاشك أنه سيغار عليها غيرة حمقاء ثم يطلبها على الفور للزواج! هذا ما سيفعله حتما! أو على الأقل هذا ما كانت تظنه كلثوم.

انبلج الفجر فقامت كلثوم من سريرها وهي عازمة على مقابلة أحمد ذلك اليوم. تناولت طعام الفطور في دقائق ثم خرجت مدعية أنها تود شراء بعض الحاجيات. استقلت سيارة الأجرة وسرعان ما أغرقت وسط دوامة تفكير لا تنتهي:

 متى ستطلبني للزواج؟

 قريبا يا حبيبتي.

 لكن أحدهم تقدم للزواج مني.

 أو لا تستطيعين رفضه؟

 طبعا أستطيع، ولكن إلى متى سأظل أرفض كل شخص يتقدم إلي، سأتخرج قريبا

ولن أجد ذريعة لأرفض هذا و ذاك.

 عندها سأتقدم للزواج منك على الفور.

تبتسم كلثوم ابتسامة مطمئنة وهي تعتقد أنها ستتلقى الرد نفسه.

وصلت إلى مقر عمله حيث انتظرت مع الزبناء، عندها تذكرت أول لقاء لها معه، لقد كانت العيادة أول خطوة نحو حب لم يكن لأحد منهما أن يتوقعه. وأخيرا وصل دورها لتدخل كمريضة من مرضاه

والحقيقة أنها كانت كذلك فعلا.

 آه، أنت؟ هكذا قال.

 كنت أحسبك ستسعد للقائي!

 اسمعي يا كلثوم!

 اسمع أنت، لقد جئت لإخبارك بأشياء هامة وأريد الجواب حالا!

 حسنا! تفضلي.

جلست كلثوم وهي تنظر إليه نظرات غريبة، لقد كان شخصا أخر لا عهد لها به، إنه يناديها بتحفظ،

وينظر إليها بحساب، ليس هذا أحمد. لكنها غالطت نفسها وهي تقول:

 سأتزوج يا أحمد! لقد تقدم إلي شخص من العائلة لا أستطيع رفضه؟ متميز ولا يعاب.

 حسنا، أتمنى لك حظا سعيدا، بالرفاء والبنين؟

 ماذا؟ ماذا قلت؟ وحبنا يا أحمد!

 أي حب تتحدثين عنه؟

 أحمد! كيف نسيت الذي مضى؟ ألم تقل لي يوما أنك من سيتزوجني وأنك تحبني...

 كان هذا في الماضي؟

 ماذا تقصد؟

 أنا لا أتزوج امرأة عرفتها فيما مضى!

 تقصد أنني لست أهلا للزواج منك؟

 تماما.

انتفضت كلثوم انتفاضة الوحش الكاسر، لم تشعر بشيء لكنها أحست بكفها الصغيرة وهي تصفع خده في مرارة. عندها صرخ أحمد في وجهها:

 لولا حرمة هذا المكان لصفعتك الصفعة نفسها!

 لم أكن أعلم أنك خسيس النفس، دنيء ومنحط، إن شخصا مثلك لا يستحق أن يحب. لم أكن أعلم أنك ...

لم تستطع كلثوم متابعة الحديث، انحبست عبراتها في حلقها وانفجرت دموعها في سخط وحزن مر.

 لا وقت للبكاء. يمكنك الانسحاب لدي زبونة هامة أنتظر قدومها ولا أريدها أن تراك هنا.

 هكذا إذن! اظهرعلى حقيقتك أيها النذل؟ كم أنا آسفة، آسفة لأنني أحببتك. أنني وثقت بك. بل نادمة على كل لحظة قضيتها رفقتك.

قالت كلثوم ذلك ثم خرجت كالمعتوهة حتى أنها اصطدمت بسيدة فاتنة كانت تريد الدخول إلى الطبيب، إلتقت النظرات في حيرة واستفهام. لكن كلثوم لم تقل شيئا لقد علمت أن السيدة هي الضحية الجديدة

وقد تكون الزوجة أوالخطيبة في المستقبل من يدري؟ فليس لامرأة ذكية ومتعقلة أن تقع فيما وقعت هي فيه؟

لم تكن لها القدرة الكافية على مناداة سائق سيارة الأجرة، لذلك فضلت الرجوع ماشية إلى البيت، إن حالتها لم تكن تسمح لها بالركوب مع أي شخص كان ولا حتى سائق سيارة أجرة، كانت دوامة الذكريات قد طاردتها كمجرمة آثمة:

 إني أحبك أكثر من نفسي! لا بل أكثر من ... لا أدري لكني أشعر أنني لا أستطيع العيش بدونك.

 متى سنلتقي.

 في الموعد ذاته!

 أتشتاق إلي؟

 أشتاق! إني أذوب شوقا إليك؟

 عندما ستتزوجني قد تنس لهفتك هذه؟

 بل عندما أتزوجك سأصبح أكثر شغفا بك.

عندها صرخت كلثوم صراخا مزعجا دون أن تنتبه للمارة:

 كاذب! كاذب! سافل!حقير!

عندئذ اقترب أحدهم وهو يقول:

 ماذا بك يا كلثوم؟

التفتت إليه في دهشة لتجد وجها كانت حتى البارحة تتحاشى رؤيته، لكنها تشعرأنها لا تود فراقه إلا بالموت.

 صالح أنا؟

 أعرف، أعرف كل شيء؟

 ومع ذلك طلبتني للزواج!

 لقد أحببتك ومازلت أنتظر ردك.

 إني موافقة على الزواج منك.

 و أحمد؟ ألا تحبينه؟

 لم يكن حبا؟ إن الطبيب لا يمكنه التعلق بمريضه إلى درجة الحب!

 هل أنت متأكدة؟

 أجل، فهل مازلت ترغب في الزواج مني؟

 نعم

 فليكن ذلك غدا.

 بل الآن إذا شئت. ابتسمت كلثوم وهي تتمتم: - لم يكن حبا!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى