الجمعة ٨ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم رندة زريق صباغ

جوليانو خميس....عذراً لروحك

لا أخجل من هويتي.. فلا زالت قيد التأليف

لكنني أخجل من بعض ما ورد في مقدمة إبن خلدون!

لن أشير بالبنان ولا بالسبابة- كما إعتدنا لنبعد المسئولية عن أكتافنا- نحو إسرائيل متهمة إياها بالوقوف وراء إغتيال المخرج الفنان فلسطيني الدم والهوى جوليانو خميس...

ولن أُلمّح إلى أن فئات فلسطينية متطرفة متهمة بالوقوف وراء، أمام أو قرب من قام بهذه العملية الدنيئة...

ما يهمني هو سخرية التاريخ -وسخرية من يدوّنه بدمنا منذ عقود- جرّاء توافق مواقف وأهداف الأعداء بالتخلص من شخصية مبدعة، مثقفة ومتميزة...

جوليانو المعروف جداً لدى الإسرائيليين المكروه من طرف المتطرفين منهم...

جوليانو المعروف جداً جداً لدى الفلسطينيين المكروه من طرف المتطرفين منهم...

جوليانو لم يكن واحداً من مئات ولا حتى عشرات المبدعين
جوليانو كان واحداً لا مثيل له...

فلا عربي، فلسطيني، يهودي، مسيحي -في آن معاً- إختار أن يترك تل أبيب ليعيش ويحيا في أقسى المناطق ليكمل نهج والدته اليهودية التي ناضلت لأجل مستقبل فلسطيني أفضل ...سوى جوليانو خميس.

حين طلب منه أن يلقي كلمة كمخرج مسرحية الكراسي خلال إفتتاح مهرجان المنارة المسرحي اكتفي بالصعود متأخراً والنزول سريعاً بعد أن وضع سبابته في فمه مصدراً صوتاً عالياً، كمن يقول لنا:"أعمالي تتحدّث عني"...وفعلاً فإن أعماله وأفعاله وواقع حياته الفعلي تحدّث عنه وعن نقاء روحه، عظمة سلوكه ورقي أفكاره ومشاعره...لكن للأسف فإن الإعلام الفلسطيني تحديداً لم يعطه حقه في حياته ولم يلق الضوء بما يكفي لسيرة ونهج حياته العظيم المتميز، كان الحد الأقصى هو تغطية أعماله المسرحية أثناء عرضها كأي عمل مسرحي آخر...

ترى هل كان كل ذلك بسبب أمك اليهودية التي لم يشفع لها تاريخها النضالي بحق الفلسطينيين؟ والتي قضت عمرًا غالياُ مع والدك الشيوعي المناضل صليبا خميس الذي لامه البعض أيضاً لإرتباطه بزوجة يهودية؟

لا أذكر أمسية تكريم لشخصه ولمبادئه النادرة كونها تحولت إلى أفعال وليس مجرد كلمات وتنظير شفوي أراد من خلاله الحصول على منصب أو كرسي أو منصب...لم أسمع عن ورشة أو محاضرة كانت سيرته فيها العنوان والفحوى...

أما بعد موتك فقد تهافت الجميع على الشجب والإستنكار وبث التقارير إضافة لبث فيلمك الرائع أولاد ارنا...

لماذا يا ترى؟

في خضم التفكير بالموضوع إذا بخبر اقتحام طيارة إسرائيلية للفضاء السوداني يحتل عناوين الأخبار...لتأكِّد إسرائيل من خلاله للجميع أنها لا تتنازل -في الوقت الحالي على الأقل- للتخطيط للتخلص من شخصية فنية مسالمة وأنها تهتم بمن وبما هو أكبر، أخطر وأعقد من عمليات اغتيال وتصفية، خاصة مع تزامن هذه الجريمة مع موقف غولدستن المخزي والمثير للاشمئزاز..

ها هو جوليانو خميس ينضم لقافلة شهداء الحرية الفلسطينيين الفنانين المبدعين في الرسم، الشعر،الأدب، الكاريكاتير،الغناء، الإخراج والتمثيل...لكن المهزلة هنا أن اليد الآثمة عربية فلسطينية.. ليضع هذا الواقع ملحاً وخلاً على الجراح...فأن يقبل شخص بإغتيال فنان وأب مقابل مبلغ من المال إنما هو النذالة والحقارة بعينها....عمل يجعلك تعيد النظر في أشياء كثيرة ومفاهيم مختلفة...

لا أتحدث عن جلد الذات لكن عن محاسبتها بهدف التغيير نحو الأفضل والوصول بأبنائنا لضفاف مستقبل أجمل وأنقى نبنيه بأيدينا اليوم...فلا مكان بعد للانتظار...

ها هي الشعوب العربية تثور مطالبةً بالحرية والكرامة وحق التعبير عن الذات ليجلجل هذا الإغتيال كبركان يطرح تساؤلاً :ترى أين نحن الفلسطينيون مما يجري حولنا؟ بماذا نطالب؟ما هو مفهومنا للحرية والثقافة؟ما هي الجهة المستفيدة من هذا الإغتيال الفني،الإنساني،الطائفي السياسي في آن...؟!

وها أنا أقف مثلكم خائفة من مستقبل قاتم...من غد غامض ومن مصير مشئوم لا محالة...
أقف معتذرة للمغدور، لروح والديه، زوجته وأولاده ...

أتراك يا جوليانو بنيت أحلاماً على رمل؟

أتراك منحتنا أكثر مما نستحق وحاولت تعليمنا ما لسنا أهلاً لإدراكه؟

كيف تغاضيت عن عدم جاهزيتنا الكاملة للحرية ولتقبل الأخر؟

ألم تعي يا جوليانو أن مصائبنا ليست فقط بسبب الامبريالية والصهيونية؟

كيف لم تعط تهديدات وصلتك قبل فترات حقها في الخوف والحذر؟

ألم يكن عليك الإنتباه أكثر لمستقبل أسرتك الصغيرة التي تنتظر توأماً في الطريق سيرون الضوء بغياب أبيهما بعد أشهر قليلة؟

هل جعلك هدفك السامي تنسى أو تتناس أن أخوة يوسف لم ينقرضوا بعد؟

لا زالوا أحياء يرزقون يا جوليانو...بل وباتوا أكثر شراسة، دناوة وحقارة...أخوة يوسف وأولاد عمه اليوم لا يكتفون برميه بالبئر بل رموه من علٍ وعاثوا فساداً بجثته...

أكيدة بأنك رأيت كل ذلك فينا وأدركت ـمه لا يمكنك الترميم بل يمكنك البناء من جديد...وهذا ما قضيت عمرك تقوم به مكملاً مسيرة والدتك...لكن للأسف فلا زالت مجتمعاتنا غير جاهزة لمثل هذا النهج الحياتي المعطاء،المحب،المعطاء بلا حدود...والأهم لسنا مهيئين لتقبّل الآخر حتى لو كان قريباً مقتنعاً بالنضال لمصلحتنا...فطال الزمان أم قصر تظهر يد غادرة آثمة تغدر به وبمسيرته.

عذراً صليبا خميس ...

عذراً ارنا مر...

عذراً جوليانا...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى