السبت ١٦ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم طارق ثابت

هذا هو الطاهر وطار

أبدأ هذه الورقة بكلام الناقد المغربي نجيب العوفي متحدثا عن رحلة قادته للجزائر بدعوة من الجاحظية يقول: في كلّ زورة لنا إلى الجزائر، يتضاعف تقديرنا وإكبارنا لنجلها ورمزها الإبداعي الكبير؛ الطاهر وطار؛ رمز الصمود والتواصل والعطاء... وأنا عائد إلى بلدي قال لي مدير الأمن بمطار هواري بومدين:
 أين كانت إقامتك في الجزائر؟!

قلت:
 في الجاحظية، 8 شارع رضا حوحو...

قال مبتسما:
 آه عند الطاهر وطار؟
 نعم .!

ويضيف العوفي:«وأنا جالس في طائرة الخطوط الجوية الجزائرية، جاورني في المقعد شاب جزائري مع جزائرية؛ ذاهبان إلى مراكش.تجاذب معي الشاب أطراف الحديث، وسألني عن جهة الدعوة، قلت له:
 الجاحظية!

قال على الفور:
 الطاهر وطار؛ هل ما زال يضع البيريه؟

قلت:
 نعم»،

ثم يكمل الناقد المغربي كلامه مناجيا الطاهر وطار «مولانا الطاهر وطار: طوبى للجزائر بك، وطوبى لك بالجزائر، وطوبى لنا جميعا من المحيط للخليج؛ بشخصك الكريم، متجوّلين في رياض إبداعك، قاطفين من ثمارك اليانعات الرّائعات.»

هذا هو الطاهر وطار الذي رحل عنا بعد أن قدم عدداً من المجموعات القصصية والروايات المهمة ، والتي رصدت ـ في قالب فني سردي إبداعي متميز ـ الكثير من جوانب النضال الوطني، هذا النضال وما أصابه من الفساد والقهر والانتهازية السياسية، والظلم والتخلف، وتناولت ـ بالنقد المر، الساخر ـ مفاصل مهمة من مشاهد الحياة السياسية والاجتماعية والتاريخية المعاصرة في الجزائر.

هذا هو الطاهر وطار الذي أسس لفن الرواية المكتوبة بالعربية برفقة الراحل عبد الحميد بن هدوقة بعد الاستقلال، وليصبح بعد رحيل بن هدوقة المبكر أهم كاتب معرب بالجزائر طوال النصف الثاني من القرن العشرين.

هذا هو الطاهر وطار الذي على الرغم من أنه تلقى ثقافته الأولى في إطار إسلامي تراثي ، من خلال مدارس جمعية العلماء المسلمين، وكذا جامع الزيتونة في تونس ، إلا أنه صار ماركسياً يسارياً فيما بعد.

هذا هو الطاهر وطار الذي على الرغم من يساريته ، فإنه لم ينقطع عن مكونات ثقافته الأولى، التي تأثرت ، بالإضافة إلى تعليمه ، بمكانة أسرته الدينية والاجتماعية ذات الجذور الأمازيغية، حيث كان شديد الارتباط بخصوصية المجتمع الجزائري وتاريخه النضالي ومكوناته التراثية ، بخاصة اللغة العربية.

هذا هو الطاهر وطار الذي كان شديد التمسك باللغة العربية والدفاع عنها؛ حيث كان من أشد الأصوات المعارضة لتيار الثقافة الفرنكوفونية ، الذي هيمن على الساحة الأدبية في الجزائر قبل الاستقلال وبعده ، وحتى أواسط الثمانينات من القرن الماضي، حين بدأت الأصوات الروائية والشعرية التي تكتب بالعربية تكتسب زخماً وتفرض حضورها على الساحة الثقافية الجزائرية والعربية.

هذا هو الطاهر وطار الذي أسس جمعية الجاحظية في عز التحول السياسي الذي عرفته الجزائر بعد حوادث أكتوبر 1988 تحت شعار بارز «لا إكراه في الرأي»، وهذه الجمعية هي التي كانت في سنوات «الجمر» مع العقل والحوار والأدب الرفيع، واستطاعت أن تضم معظم الكتاب الجزائريين وأن تؤسس مجلات رائدة كـ«التبيين» و«القصيدة» و«القصة»، وتنشئ جوائز مهمة كجائزة مفدي زكريا للشعر المغاربي قبل17 عاما، و مؤخرا جائزة الهاشمي سعيداني للرواية الجزائرية، فكان الكاتب الوحيد الذي دعم الأدباء الشباب من خلال نشره لأعمالهم عبر جمعية الجاحظية، و كان له الدور البارز في التأسيس للفعل الثقافي وتشريف الأدب الجزائري المكتوب باللغة العربية.

هذا هو الطاهر وطار الذي حينما أسس جائزة الرواية أردها أن تكون توأم جائزة ’’مفدي زكرياء’’ للشعر، و بعد أن كان مقرّرا أن تحمل اسم جائزة الطاهر وطار للرّوائيين الشباب تحول اسمها إلى إسم الهاشمي سعيداني دليلا على تواضعه ووفائه للرجل، وقد صرّح آنذاك أن تحميل اسم الرّاحل لجائزة أدبية خاصّة بالشباب هو نوع من التكريم و الاعتراف بنضاله الثقافي و السّعي إلى حفظ اسم الرّاحل من النسيان.

هذا هو الطاهر وطار الذي كان قد ذكر أن قيمة جائزة الرواية المقدر بما يقارب النّصف مليار سنتيم سيكون من تمويله الخاص؛ فأي كاتب قبل وطار فعل هذا وأي كاتب بعده سيفعل؟
هذا هو الطاهر وطار الذي كتب ينعى نفسه قبل نحو أربع سنوات ، في تقديم موقعه على الإنترنت: "هذا موقعي وهذا مزاري ، أعددته بنفسي كي أقترب منكم أكثر فأكثر، أشعر وأنا أنهمك في إعداد هذا المزار ، أنني أعد قبراً شبيهاً بقبور الفراعنة ، الغاية منه أن نتواصل مع الآخرين عبر الزمن، إنني عندما أكتب أفعل ذلك لأتوحد مع الكون بكل ما فيه، ستتعرّفون عليّ شيئاً فشيئاً ، فليس من السهل ملء هذه الفراغات..."


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى