الأحد ١٥ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم هيثم نافل والي

لا مبالاة

الإهداء

إلى أخي في البرج وصديقي المهندس حسام شذر مع التحية .

يدخلُ المهندس حسام منزلنا ضاحكاً كعادته، بعدَ أن قطعَ مئة وسبعين كيلو متر، ليصلنا .

 ما هذه المفاجئة الجميلة يا عزيزي، قلت ُ له مرحباً .

 لقد اشتقتُ إليكم كثيراً ، ولا أخفيكَ سراً ، جئتُ لآخذه معي دونَ شك !.

أسهبتُ مفكراً قليلاً، ثم قلت، أجلس الآن، ولدينا وقتٌ طويل للحديث، أهلاً وسهلاً بك ، أجابَ وهو يبتسم : وبك أكثر .
أنقضى نهار السبت سريعاً، وكأنه يركض، فالأحاديث الشيقة معه لا تنتهي، شربنا القهوة وأكلنا الكعك المحشو بالتمر والسمسم، ثمَ نهضَ فجأة وكأنه تذكر شيئاً، وقال : علي بالمغادرة الآن، فلا أحبُ القيادة ليلاً !.

قلتُ له، نعم أنا أقدر ذلك، ولكن يمكنك البقاء إلى الغد، ثم ترحل، فلما العجلة؟. لا شكراً يا صديقي، ولكنك لم تقل لي بعد ، هل يمكن لي أن آخذهُ معي؟.

أجبته وقد أحمر وجهي كلون سرطان البحر خجلاً ، هل فكرت بالموضوع جيداً ، قبل أن تطرحهُ عليّ هكذا، دفعة واحدة، سريعاً كالرصاصة ؟.

لقد فكرتُ ملياً بالأمر وقررت، ولا داعي للتأخير أرجوك، وكما قلت، أحبُ أن يكون معي وبصحبتي، سآخذه ولن أجعله يحتاجُ شيئاً، سأعتني به أكثر من نفسي ولن أهمله، هو يأمر وأنا أطيع، ماذا تريد أكثر يا رجل ؟ أوعدك بأنني سأصحبه في أكثر من رحلة ، سأتنزه معه ولن أتعبه أبداً ، سأحمله على صدري ، ليأخذنني الشيطان إن لم أوفي بوعودي، ما عليك إلا أن تدعوا لي بالتوفيق ، وتجيب بكلمة نعم ! هل هذا كثير عليك؟ .

ما هذا يا ربي، أنت تحرجني جداً، فأنت صديقٌ عزيزٌ على قلبي، وأحبك كثيراً، وأثقُ بك دون شك، ولا أحب أن أرفض لك أمراً، لكنك تطلبُ شيئاً، هو ليسَ للإعارة أو للبيع، غريب طبعك هذا يا حسام، لاحظ بأنني سأكون قلقاً وقد لا أستطيع النوم، فأنني لم أتعود أن يكون بعيداً عني، ما هذه الورطة !.

أجاب قائلاً وهو يحركُ يده عالياً وكأنه يصيد بعوضة، لا تكن بخيلاً يا رجل، فأنه سيكون بحمايتي وتحت رعايتي شخصياً، لا تقلق من ذلك أبداً .

أنا متأكد من ذلك قلتُ له، لكنني مازلتُ متردداً يا صديقي !.

لا تتردد، أردفَ، سآخذهُ وأرده بنفسي، أوعدك بذلك، أقسم لك بشرفي يا رجل، ما هذا، أنه لا يصدقني، اللعنة على الشيطان !.

قلت وبدا التوتر علي واضحاً أمام إصراره البغيض، لا ناقصة، لم تبقى إلا هذه، طبعاً سترجعه بنفسك، توعدني بذلك، أنه شرطي الوحيد، هل أنت موافق ؟.

أجابَ بطرف لسانه، ضاحكاً كالذي أكتشفَ عظماً في السمك قبلَ أن يلتهمه ! نعم موافق، هيا إذن، هيأهُ للسفر، فقد جعلت له مكاناً مناسباً في العربة، تصور، بجانبي شخصياً، لا تحمل همْ يا رجل، أنها بضعة أيام فقط، سيكون بعيداً عنك، ما هذا الإفراط بالدلال، أنك ستفسده بأفعالك هذه !.

وأنا أفرك فروة رأسي حقداً بريئاً، قلت، فوضت أمري إلى الله، أنا موافق !. فيصرخ كالطفل، لقد أقنعته !.

يعود المهندس حسام لمدينته، ليتركني وحيداً أصارع القلق الذي ينهشُ فيّ كوخز الإبرة، أتقلب على السرير ليلاً وكأنني نائم على جمر، أعدُ الدقائق، وأتحدث مع نفسي كالمجنون، بصوتٍ مسموع:

لقد كانً خطئي ، نعم ، خطئي ، ما كانَ علي أن أوافق ، إذن أجني ما زرعت ، أه يا ربي متى سيعود ، لقد اشتقتُ إليه كثيراً، ثم تلمع عينيا، فتترقرق الدموع ، وأنا أتثاءب لأحاول النوم !.
بعدَ عشرة أيام بطيئة على قلبي، أتصلَ حسام وهو عصبي المزاج، ليقول، ما هذا يا رجل ؟ أنا لم أتوقع أن يكون الموضوع هكذا، لقد أتعبني جداً، ولم يجعلني أنام بسلام منذُ أن حلَ هنا، لقد فقدت السيطرة عليه، أرجوك خلصني منه، فقد فشلت في ترويضه وكأنه نمر، أنه صعب جداً، لم أستطع التعامل معه أبداً، تصور يا رجل، بالرغم من خبرتي الطويلة في الحياة، وكثرة قراءاتي وثقافتي العريضة لم أجد معه طريقة تجعلني أتفهمه أو حتى أقدر ما يقول، أعذرني يا رجل إذا قلت، أنه حقود ومراوغ ولا يستحق العطف، سأبعثهُ لك عن طريق البريد المسجل، لا تقلق، سيصلك سليماً معافى، لن يتضرر، أنا أتعهد بذلك !.

 جنَ جنوني ونسيت نفسي فقلت، ماذا تقول ؟ لا يمكن لك أن ترسله هكذا، أنه سيموت حتماً، سيختنق، بل لن يصل أبداً، سيعدم هناك تحتَ الرفوف وبينَ سواعد العمال، أرجوك يا رجل، ودون شعور، بدأت أردد كلماته، لا تفعل ذلك، تذكر وعدك، سترجعه بنفسك، لقد كانَ هذا شرطي الوحيد، هل نسيت ؟ سأبعثه بالبريد يقول ! ماذا لن يتضرر يقول ! كنتُ أهذي، كالمصاب بالحمى !.

إذن اتفقنا، يضحك وهو يقول، سأكون عندك غداً، لا تحرق أعصابك كالورق يا رجل ، لقد كانت مجرد فكرة، فأنه مازال هنا يتمتع بالدفيء والهدوء وهو بجانبي !.

بعدَ نفاد صبري وأصبحت كالسمكة التي تمَ شواءها على نار هادئة، يدخلُ المهندس حسام بأسنان ضاحكة، يهزوا أكتافه وكأنه يرقص، ويقول، خذ يا رجل ما هذا، أنه كتابك أعمدة حكمتك السبعة للورنسك، سالمٌ من أي خدش أو جروح، أنظر له نظيفاً كالمرآة كما أخذته، لقد صرعتنا، بل قتلتنا دونَ أن تشعر، ما هذا، أعوذُ بالله، لن أطلب منك بعد ، كتاباً، عملتها قصة يا رجل ؟!.
لم أكن أسمع ما كانَ يقوله، وتركيزي كان قد أنصبَ على الكتاب وأنا أراهُ ثانيةً يلمع أمام ناظري كالذهب ، تلقفتهُ بشوق، قبلته وحضنته كما يحضن الأب أبنه، بعد طول غياب، وقلت أعدك بأنني سوف لن أجعلك تكون بعيداً عني بعد اليوم ما حييت، وسأكتب هذا قصة، وأهديها للمهندس وسترى، أوعدك بذلك.

ملاحظات للكاتب

نرجو أن تكتب علامات الترقيم ملاصقة للكلمة التي تسبقها هناك العشرات منها في النص غير ذلك، لا داعي لوجود النقطة بعد علامات الاستفهام والتعجب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى