الجمعة ١ تموز (يوليو) ٢٠١١
بقلم نادية بيروك

حراسة

الأحداث واقعية والحوار كذلك.

كانت القاعة تنم عن جو الامتحان وهيبته. كنت أحاول ضبط ما ألاحظه من انفلات. لا يبدو أن الممتحنين يدركون عمق وضعيتهم ولا أهميتها. جيوبهم مملوءة عن آخرها بأوراق تصغير وآلات حاسبة مبرمجة... مجمل الفتيات تحجبن بين يوم وليلة، ليضعن أجهزة التسجيل الدقيقة تحت غطاء رأسهن المحكم.

حان دوري لأنتزع منهم الهواتف النقالة، لأتحسس رؤوس الفتيات ولأزيل الأسلاك التي توصل آليات التسجيل. الآن جاء دور زميلي ليتفقد جيوب الفتيان وليلملم الأوراق الصغيرة المحشوة بالمقررات التي لم يحفظها ولم يراجعها أحد وليأخذ الآلات الحاسبة التي يحاول البعض إقناعنا بأنها عادية وغير مبرمجة.

وزعنا الأوراق أمام نظرات الغضب التي كانت ترمقنا واتخذ كل واحد منا مكانا مناسبا لمراقبة الجميع. الغش والتزوير والتدليس أصبحت أسلحة طلابنا اليوم. كل المعايير والوسائل غدت مكسبا وحقا.
شعرت أنني أحرس ذئابا مفترسة متأهبة. كان أحدهم يحاول وضع يده في جيبه ليأخذ ورقة تصغير، أسرعت إليه وانتزعتها منه وهددته باحتمال مغادرة قاعة الفصل إن هو أعاد الكرة. نظر إلي شزرا وأردف قائلا:

ـ يجب أن تنتبهي إلى نفسك. أم أنك لا تخشين شيئا!

صعقت عند سماعي لتهديد لم أتوقعه. لكني اتجهت صوبه وقلت له في هدوء وبرودة أعصاب:

ـ أنت من يجب أن يخاف، لأنك إن لم تكف عن الغش ، ستجد نفسك خارج قاعة الامتحان وسأحرص على كتابة تقرير عن حالتك بنفسي.

سكت وأطرق. لكنه كان كالعاجز. لقد نفذت أوراق التصغير ويبدو أنه لم يكن يتوقع حراسة كهذه.
لقد كان حظه أوفر في المادتين السابقتين.

اتجهت صوب إحداهن. كانت تنظر من بين تلابيب جلبابها إلى نقش على فخدها الأيمن. كان نقش حناء.اقتربت منها فإذا هي معادلات الرياضيات مكتوبة بإحكام. اتكأت تم همست في أذنها-:
"من غش فليس منا." أسدلي جلبابك على فخدك وإلا جعلتك تغادرين الفصل حالا.

احمر وجهها وأسدلت لباسها في مرارة.
كان الوقت يمر ببطء شديد، قلة فقط من كانت تعتمد على جهدها الخاص. كنت أنظر إليهم وأنا أتألم. أجيال بلا أخلاق، ترضى لنفسها علما فاسدا، ومناصب مغلوطة وتبغي بناء الغد؟! لم أعد أفقه من أمر أحوالنا شيئا. دق جرس الخروج، أسرعنا لجمع الأوراق وترتيبها في حين كانت النظرات نفسها ترمقنا في سخط عارم. وشوش أحدهم:

ـ يعتقدان أن باستطاعتهما تغيير الكون. العرب كلهم يعيشون بالغش وبالحرام. العرب كلهم بلا أخلاق! لن يختلف وضعنا نحن...

استغربت قوله لكنني أدركت أنها الحقيقة نوعا ما وأن تلميذي حاول التعبير عنها بأسلوبه الخاص. كم أكره الحراسة!

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى