الخميس ٣٠ حزيران (يونيو) ٢٠١١
بقلم عـلـي الـخيـل

أناشيد الثورة .. أشعلت الحس الوطني لدى اليمنيين

تساهم الأغاني الثورية والأناشيد الوطنية بشكل كبير في صنع مسار الثورات على مر التاريخ وعامل مساعد على إنجاحها، من خلال الكلمات الثائرة المعبرة عن واقع الشعوب والألحان الحماسية التي تعمل على استنهاض الهمم ورد اعتبارها من الوهن والسبات العميق الذي حل بها، وإيقاظ الأحاسيس المرهفة ذات الطابع الحماسي وتحريك المشاعر الجياشة الراكدة وقيادتها إلى ميادين وساحات النضال السلمي للتغيير ضد الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة والمستبدة، التي سلبت الحقوق والحريات ونهبت الثروات الاقتصادية على شعوبها على مدى ثلاثة عقود من الزمن.

فكلما هبت نسيم رياح التغيير في الوطن العربي، نتذكر على الفور الاحتفالات بالأغاني الوطنية والثورية الخاصة بثورة 1962م باليمن التي هي امتداد لثورة 52 المصرية حيث كان للأغنية فيهما دور بارز في نجاح الثورتين من خلال تفردها بأغاني كتبها كبار المبدعين، ووضع موسيقاها كبار الملحنين، وتغنى بها أشهر المطربين في ذلك العصر وتميزت أغاني الثورة بموسيقى وألحان نالت شهرة وانتشاراً واسعاً ومنقطع النظير في ذلك الوقت ولازالت محفورة بالأذهان حتى الوقت الحاضر وحفظها الشباب منذ الستينيات وفي مقدمتها الأغاني الوطنية "لفنان الثورة والوطن أيوب طارش، و انا الشعب، ونشوان، وبرع ، لمحمد مرشد ناجي، وغيرهما من الفنانين العمالقة الذين اثروا في الساحة الوطنية، فضلاً عن أوبريت " الوطن الأكبر، وطني حبيبي الوطن الأكبر، يوم ورآ يوم أمجاده بتكبر" الذي لا يمكن الحديث عن الفن والثورة دون التطرق أليه لموسيقار الأجيال "محمد عبد الوهاب" الذي شارك في أداءه مجموعة كبيرة من المطربين كحليم، وشادية، وصباح، وفادية كامل، ووردة , إضافة إلى أغنية "انا الشعب لا اعرف المستحيل ، ولا ارتضي دون الخلود بديل" ووالله زمن يا سلاحي لكوكب الشرق أم كلثوم، التي صدحت بها في ثورة 52م وأصبحت أغنية أنا الشعب عنوان بارز على شاشات وإذاعات القنوات الإخبارية خلال ثورة الشباب المصرية في 25 يناير 2011م.

التاريخ يعيد نفسة:

المشاهد للأحداث ورياح التغيير في الوطن يرى أن التاريخ يعيد نفسه من خلال بزوغ فجر الثورات العربية الشبابية السلمية مع بزوغ فجر عام 2011م ضد الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة التي أثقلت على كاهل المواطن لسنوات طويلة، بسبب البيروقراطية اللعينة و الفجوة العظيمة بين النخبة بما فيها برلمانات و مؤسسات حكومية و عرقلة تفعيل القوانين ضد الفساد و شبه انعدام الإصلاحات, كل هذه العوامل أسقطت تونس في 14 يناير و كانت الصفعة الأولى في وجه الأنظمة المستبدة و تبعتها مصر في 25 يناير بسرعة جنونية لم يشهدها التاريخ , لأن سرطان الفساد يجري بعروق النظامين حتى تمكن من كل الهيكل التنظيمي الحكومي.

ثورة السلم والإبداع في اليمن:

جاءت ثورة الـ3 من فبراير السلمية لشباب اليمن امتداد لثورة الـ25 من يناير المصرية، إلا إنها مختلفة عنها بأسلوبها وخصوصيتها وسلميتها والتفاف شريحة كبيرة من المبدعين والفنانين الشباب الذين أعطوا ثورة اليمن زخمها ونقاؤها وتألقها ولفتت أنظار العالم وكذا ظهور كوكبة من المبدعين في ساحات التغيير في مدن اليمن ومشاركتهم في أداء أروع ما أنتجته الثورة اليمنية من الأناشيد الوطنية التي سجلت رقماً قياسياً وحققت نجاحاً ملفتاً وكانت رمزاً على صمود المناصرين طوال هذ الفترة في مختلف الميادين والساحات اليمنية والتي بلغت حسب إحصائيات اللجنة الإعلامية أكثر من 300 أنشودة ثورية جديدة المدعمة بالصور الفوتوغرافية والمشاهد الحية للجرائم التي يقترفها النظام بحق شعبه الأعزل الذي خرج يعبر عن رأيه سلمياً ومواجهته للرصاص الحي بيد عارية وصدور مفتوحة إضافة إلى الأناشيد الوطنية القديمة لعشرات من المبدعين والفنانين اليمنيين الشباب والتي خصصت لبثها قناة سهيل اليمن على مدار 24 ساعة.

لقد لمعت الأناشيد الوطنية والثورية باليمن بلون جديد مع ظهور كوكبة من مبدعي الكلمة الحرة والتعبير الصادق وسط تنافس حميم لأبرز الوجوه اليمنية والجديدة التي أبت ألا ان تشارك شعب اليمن في نضاله السلمي من وسط الميادين بهتافات موحدة من المهرة إلى صعدة ووحدة فيها الملايين من القلوب والأحاسيس وبشعار واحد "الشعب يريد إسقاط النظام " مهما اختلفت تلك الأصوات والألحان والأقوال فأنها تؤكد على تمسك مطلب الشارع اليمني بترحيل رموز النظام ومحاكمتهم على ما اقترفوه بحق الشعب بالإضافة إلى توصيل رسالة للعالم اجمع مفادها " الرحيل .. وترك الشعب يقرر خياره وتصحيح مساره وبناء دولته المدنية الحديثة".
واعتبر فنانون ونقاد أن الأناشيد الثورية والأغاني الوطنية اليمنية قد ساهمت في رفع الحس المعنوي والتوعوي والوطني لدى اليمنيين مع اختلاف شرائحهم وانتماءاتهم الحزبية والقبلية وكانت السبيل الأمثل لإيصال رسالة توعوية لعامة الشعب بأن الثورة سلمية رغم امتلاك الشعب اليمني أكثر من 60 مليون قطعة سلاح وكذا وقوف تلك الأناشيد الوطنية المدعمة بالصور والفيديو أمام المخططات والمؤامرات التي كان النظام يخطط لها لجر اليمن إلى حرب أهليه فضلاً عن توثيق تلك الجرائم ورفعها إلى المحاكم الدولية.

وأكد الفنانون والنقاد أن ثورة اليمن هي الأرقى والأنقى من حيث أساليبها وخصوصيتها ووسائلها وأدواتها وشبابها الذين يمثلون عصارة الأمة الفكرية والسياسية وهم الأمل المشرق لبناء دولة اليمن الحديثة.

وأوضح الفنانون والنقاد أن للأغنية الوطنية دورها الفعال والمؤثر في شحذ الهمم ورفع الروح المعنوية لدى الثوار والثائرين على الظلم والظلام والطغيان والاستبداد والجبروت, حيث كان للأغنية الوطنية تأثيرها الإيجابي الكبير في مضاعفة حماس الثوار و كانت كالصاعقة المدوية على النظام من خلال الكلمات المعبرة والحماسية وبالأصوات العذبة الصارخة ضد الظلم والاستبداد كأمثال " أغنية الفنانة القديرة فايدة كامل بعنوان" بإلارادة والعزيمة والجهاد، اليمن أشعلها ثورة على الفساد" والتي أطلت علينا من أرض الكنانة ومن إذاعة صوت العرب بعد ثورة 62م والتي ظلت وما تزال محتفظة بقوتها وروعتها رغم مرور أكثر من 48 عاماً على إنتاجها ولا أعتقد أن أحداً ينكر ذلك ناهيك عن أثرها ودورها الفاعل في نفس كل وطني غيور على وطنه, والتي ساهمت في رفع معنوية أبناء اليمن الذين هبوا لنجدة الثورة من كل سهل وواد وجبل ومن المدن والقرى لدرجة أن البعض عندما كان يسمعها يزداد فخراً واعتزازاً معتقداً أن الثورة اليمنية تتفوق على ثورات العالم الثالث .

والرجوع إلى دور الأناشيد والأغاني الوطنية نلاحظ أن الفنان الشعبي المتألق محمد الاضرعي يعتبر احد مفاتيح الثورة ونبضها الأول باعتبار الأضرعي كان ينادي للتغيير منذ سنوات ويقدم صورة من معاناة المواطن في الواقع الممتلئ بالفساد والعبث بالمال العام ونهب الثروات من خلال الكلمات المعبرة والألحان الساخرة التي وصلت صداها إلى كل بيت وأسرة في اليمن وهو يمثل نبض الشارع اليمني وله العشرات من الألبومات والأناشيد الوطنية والمسرحيات الشعبية التي جسدت في مجملها معاناة الشعب اليمني من النظام المستبد الفاسد وفي مقدمتها ألبوم انا الشعب وأناشيد " اليوم يا تاريخ قف، لوما الحكومة تعترف، وزيرها سارق جلف، من حين سكتنا له ألف، مابش وزير سبتمبري يدخل حكومة عسكري، وكذا هلل الشعب و وغور قائلاً، الفقر قد ضر ، المواطن في خطر، ودق ناقوس الخطر، وكذا يكفيك يا يمن البطالة و الركود، يكفيك يا شعبي وعود تتبع وعود، يكفيك يا شعب قوم وفك القيود ، لقد استلهم الاضرعي صيحاته من الثورات السابقة باعتبار ان الثورة لا تستنسخ ولكنها تستلهم لشحذ الهمم حتى جاءت اللحظة التاريخية التي أشعل الشباب فيها فتيل الثورة السلمية للتغيير، ثورة يا شباب الثورة ، ثورة والطرق سلمية، ثورة خالدة يمنية، وجمهورية من قرح يقرح، كما قام إتحاد شباب الوحدة بتدشين الألبوم الثاني لفنان الشعب والثورة محمد الاضرعي من وسط ساحات التغيير بعنوان أيش عاد تشتي مننا ، ضيعت كل أحلامنا، دمرتنا ضيعتنا، وكذا لا للمبادرة الخليجية ، وارحل ما بتفهمشي ،لا عاد تعيبط ياعبيط، وكان أخرها زفة الحكومة التي أهداها الفنان الاضرعي بمشاركة الفنان المتألق عبد القوي حيدر للشعب مشبهاً بذلك الحكومة بالعروس أثناء مراسيم الزفاف إلا أن زفة الحكومة تدعوها لرحيلها إلى غير رجعة وتشكيل حكومة انتقالية ،وبنوع من السخرية لأنها أثقلت على كاهل المواطن وجرعته الأزمات " ساعة التغيير ذلحين، والجماهير ثائرين، يا حجاب الله ياسين، ياحكومة يا قلة الدين أقطبي نفش بحين...".

ولمعت مع الاضرعي كوكبة من نجوم الإنشاد ومبدعي الكلمة أمثال ..الفنان عبد العظيم بأنشودة " كافي ياعلي كافي ، لا توقعش قذافي، ويا شبان بلادي يمن الخير ينادي، وقدمت فرقة أطياف مأرب للمبدع عصام الحميدي ارحل .. الليل يا ثوار، ردوا بصوت الدار، ارحل علي ارحل، المجسدة التراث البدوي لمأرب والمصحوبة بالرقص الشعبي الفلكلوري ، ولايمكنا ان نغفل الفنان الشعبي الثائر فهد القرني والذي قدم زفة الحكومة من مدينة تعز الحالمة بأسلوب جديد وكلمات معبرة، إضافة إلى أنشودة خاصة بقناتي الجزيرة وسهيل تعبر عن وفاء شباب الثورة وتقديم الشكر لقناتي الجزيرة وسهيل التي ساندت الثورات العربية ووقوفها مع الحق ومع الشعوب المظلومة ومنها اليمن للفنان المبدع عبد القوي حيدر والذي يقول مطلعها " حيو الجزيرة حيوها سهيل، ....، وكذا أبريت يحيي فيها الجنود الشرفاء الذين ساندوا الثورة بعنوان " الشرف والتحية للجنود البواسل، أكثر الناس خدمة واضعف الناس مدخول".

إبداع الشباب:

لقد أبدع الثوار والشباب في مختلف الساحات من خلال إنتاج مقاطع فيديو يظهرون فيها زخم الثورة وجمالها وجبروت النظام وجرمة ومزجوها بأغاني وأناشيد ثورية وتناقلتها وسائل الإعلام وبثتها الفضائيات، يقول يقول بعضها "لا تفاوض لا حوار.. الرحيل هو الخيار" و هلا يازحف الثوار ،ثورتنا سلمية، لا تفاوض لا حوار، يرحل مية بالمية للمنشد حسين صوفان ، ولقد صارت كلمة "ارحل" قاسما مشتركا بين أغلب تلك الأغاني الوطنية إلا أننا لا يمكنا أن نغفل دور ثنائي الإنشاد اليمني الهادف الشاعر ماجد الجبري، والفنان أمين حاميم الذي لهم العديد من الأناشيد الوطنية الحماسية وفي مقدمتها" كبرنا على صمتنا فانتفضنا ،على الصمت والخوف والانكسار ،نفضنا غبار القلوب وعدنا ،يمانون في الصبر والانتصار ، وكذا أنشودة البداية ثورة ثورة، بالشعوب الحرة لصاحب أجمل صوت إنشادي ومؤذن الثورة في ساحة التغيير بصنعاء الفنان المبدع صالح المزلم .

وعندما نتحدث عن أغاني الثورة لا نستطيع أن نغفل أبداً أوبريت " أغضب" فان الله لن يخلق شعوباً تستكين، من كلمات الشاعر العربي فاروق جويدة وأداء فرقة الخلود الفنية الذي يقدم صورة للمشاهد وللعالم عن المعاناة والظلم وقتل المعتصمين سلمياً في ساحات التغيير مستخدماً الكلمة المعبرة واللحن القوي ممزوجاً بالصور الحية للشهداء ومناظر الدماء المؤثرة وكأنك تشاهد منظراً في غزة وليس في اليمن والذي يدل على بشاعة الجرم الذي اقترف من النظام بحق المعتصمين في جمعة الكرامة بصنعاء وإطلاق الرصاص الحي على الصدور العارية وهم يؤدون الصلاة، وكذا أبريت "الجيش" لمجموعة من المبدعين الشباب كخالد زاهر، وعمار ومحمد جعدان، وكذا العزي المسوري، وجميل القاضي والذي يقول "يا جيشنا الحر أعيدوا لي صلاحيتي ،انتو با تعيدوا للوطن هيبته ،انا مع الحر يفرح بحريتي، وداعي الخير يلبي لي دعوته ، بالإضافة إلى أنشودة العهد والوفاء للشهداء الذي يقول مطلعها ، عهداً يا شهدا الثورة، إنا على درب الثوار، تحيا صنعاء وعدن الحرة، ورجال الوحدة الأحرار للمبدعين محمود كازم، جميل القاضي، ويتفاعل مع جميعها المعتصمين في ساحات التغيير وترددها الجماهير التواقة إلى التغيير و الحرية والحياة بكرامة .

وهناك العديد من الأناشيد الثورية والأغاني والوطنية التي كانت لا تقل في دورها عن القذائف الصاروخية ولا يتسع الحديث لذكرها والتي صدحت بها الملايين بمختلف المشارب والاتجاهات واشتعلت بها الساحات والمسيرات والمظاهرات والقاعات والطرقات في المدن والقرى والعزل وعلى وسائل الإعلام المختلفة وفي رنات الجوال وفي وسائل النقل والمواصلات وفي في كل أنحاء اليمن مع اختلاف معانيها وكلماتها وتغير وتعدد أصواتها ولهجاتها إلا أنها تجتمع من حيث الهدف .

كما لا يمكن أن ننسى الشعر الشعبي ودوره المؤثر والبطولي في مجرى الأحداث اليومية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية باعتبار الشعر الشعبي في اليمن من أكثر الفنون الفلكلورية أهمية ومنه جاءت الأغنية والأنشودة بمختلف ألحانها والأمثال والزوامل الشعبية والحكم اليمنية التي انفردت بخصوصيتها وساهمت في رفع الوعي الشعبي بأهمية الثورة السلمية ونجاحها وواجهة الشعراء رموز النظام بالكلمة الشجاعة والقصائد التي ألهبت حماس المعتصمين وشعرائه كثر ولا يسعنا الحديث عنهم ويحتاج إلى موضوع متفرد بالشعر الشعبي ودوره في إلهاب الحماس لدى الجماهير.

.................................// انتهى


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى