الأحد ١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
بقلم داليا إيهاب يونس

لنصلح مراوحنا بأنفسنا..

دعنى أخبرك عن أسهل طريقة تعرف بها مستوى مكان ما من حيث التقدم والتأخر .. انظر لوسيلة تبريد المكان !

واسمح لى ان أضرب لك عدة أمثلة تؤيد نظريتى:

لو دخلنا إلى أى هيئة/جهة حكومية مصرية .. ستجد أن وسيلة التبريد الوحيدة هناك هى المراوح العتيقة .. سواء كانت مراوح السقف التى اسودَّت ريشاتها غباراً، أو مراوح صغيرة توضع على مناضد تحدث ضجيجاً أكثر من ناتج هوائها .. أو مراوح يدوية مصنوعة من جرائد/ملفات تعطى نتيجة عكسية نتيجة حركة الجهد العضلى المبذول فيها والذى يولد – بطبيعة فسيولوجيا حركة العضلات – حرارة لا بأس بها !

ناهيك طبعاً عن عشرات المراوح المعطلة الأخرى ..

ولتجدن الحال أفضل قليلاً فى بيوت الطبقة المتوسطة ، حيث يحصر آل البيت على العناية بالمروحة اليتيمة التى يمتلكونها – من حيث الصيانة والنظافة – بما أنها أملهم الوحيد فى إطفاء لهيب الحر المصرى الذى صار شبه استوائى فى الآونة الأخيرة .. وطبعاً فكرة المكيف بالنسبة لهم فكرة خيالية – من الخيال العلمى – لو تكلمنا من وجهة نظر اقتصادية – كهربائية – تكنولوجية !

ثم نجد القفزة الهائلة فى وسائل التبريد – كما فى كل "الوسائل" الأخرى – عند القطاع الخاص جداً والجهات الأجنبية مصرية المقر ، فالوحدات الصغيرة منها مزودة بمكيف عديد الأحصنة يؤدى واجب التبريد وزيادة (مثل تنقية الهواء من الغبار والتلوث الشارعيّ) أما الوحدات الكبيرة فالتبريد فيها مركزي ، يوزع البرودة المحببة بنسب محسوبة ومتساوية – وإن كانت قابلة للتعديل – على جميع أجزاء الوحدة ..

الشباب يا سيدى هم مراوح الأمم .. وشبابنا – للأسف – من نوع مراوح الجهات الحكومية .. فمع كونهم شباب لا تعيبهم نقيصة عن غيرهم من شباب الأمم والدول الأخرى إلا أنهم يلقون أسوأ معاملة ممكنة ، إن لم يكن من المناخ العام للدولة القاتل للطموح ، فمن الأجيال السابقة التى لا تزيدهم إلا لوماً وتقريعاً وتثبيطاً .. فيتحولون – على كثرتهم – إما لطقات معطلة أو لطاقات سلبية هدفها إفساد المجتمع والتعبير عن غضبها بأى صورة حتى لو كانت مؤذية للمجتمع ولهم ..

والقلة التى تحاول توليد النجاح ذاتياً تفشل بسبب عامل التثبيط من الكبار كما قلت آنفاً .. وهذه الفئة بالذات تزداد نقماً على المجتمع الذى عض يدها الممدودة له ، فإن إخوانهم الأكثر سلبية يولدون غباراً ، فهؤلاء يولدون حرارة لا تطاق ، أما فى الدول النامية – بحق لا مجاملة – فإنهم يقدسون طاقات الشباب إلى أقصى درجة ويحرصون – رغم قلة مواردهم البشرية – على توفير كافة السبل لرعاية المراوح (طاقات الشباب) القليلة التى يمتلكونها ، لأنها أملهم الوحيد ..

ولن أضيف جديداً موضحاً لو تكلمت عن الدول المتقدمة ..

مراد القول هو دعوة لإصلاح مراوحنا بأنفسنا .. وألا ننتظر عامل الصيانة الحكومى الذى قد لا يأتى أبداً .. إن الغبار يضايقنا .. والضجيج يزعجنا .. والحر يخنقنا .. ولكننا لا نتحرك تعللاً بجهلنا لميكانيكية المراوح المعقدة ، كأن هذه المراوح ليست من أصلابنا ..! وكأننا لم نكن يوماً مراوح صغيرة تريد أن تدور دورتها الطبيعية فى الحياة ..!

الإنسان الميت فلسفياً هو الذى كفَّ عن التعلم أو الإنتاج .. ولهذا فنحن نعيش حالياً فى مقبرة كبيرة .. لا يتعلم فيها الكبار لغة التقدم .. ولا ينتج فيها الصغار إثر ما يلاقونه من إحباط ..

دعونا نحافظ على ما تبقى من المراوح .. ونتعلم صيانتها حتى لا يأتى يوم تثور فيه علينا ، وتتفكك مساميرها فتصير كل ريشة مروحة نصلاً حاداً يدور بلا هوية ليحصد رؤوسنا .


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى