الجمعة ١٨ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١١
بقلم بوعزة التايك

النبش

أنبش في ذاكرتي فأسمع صراخ والدتي وهي تحاول إخراجي إلى الوجود وأسمع والدي يشكو لأمي قسوة الزمن وظلم المكان،

أنبش في ذاكرتي فأسمع المتظاهرين يرددون: " تسقط فرنسا، ليسقط بن عرفة، بن يوسف إلى عرشه"، أنبش في ذاكرتي فأسمع طفلة رباطية تسألني من أين أتيت باسم بوعزة وأسمع المعلم والتلاميذ يضحكون علي وعلى طريقة نطقي الفرنسية وأسمع المدير يسألني كيف حصلت على أحسن نقطة أنا البدوي، ابن سائق، الدخيل على مدرسة أبناء الأعيان بالرباط.

أنبش في ذاكرتي فأجدني أبكي لأن والدي عاقبني لقراءتي كتابا بالفرنسية عوض القرآن الكريم. أجدني أتوسل للخادمة " م " للسماح لي بالحلم بين نهديها. أجدني أترقب إطفاء الضوء للقيام بهجوم صاعق على جسدي فأنهكه وأرديه شهيدا فداء للحب المكبوت.

كلما نبشت في ذاكرتي أراني أترقب بشوق قدوم امرأة إلى بيتنا لأقبلها وأطيل في معانقتها وأراني مراهقا يافعا أجول بحي المحيط للبحث عن الكنوز المختبئة تحت المزابل.

أنبش في ذاكرتي ثم أتوقف قليلا للبكاء كثيرا على عائلة جاءت من منطقة زعير للسكن بدوار الدباغ بالرباط ربها كان يصارع النسور لمنعها من الاقتراب من فلذات قلبه. أتوقف قليلا للبكاء كثيرا على عائلة حملت معها جذورها وخبأتها بين ضلوع والدة كانت لا تنام إلا عندما تتعب النجوم.

أنبش ثم أتوقف عن النبش حتى لا أوقظ الموتى. أتوقف عن النبش حتى لا أصل إلى المناطق المحرمة فأصعق وأفقد ذاكرتي كما فقدت جسدي المثخن بكدمات زمن قاس لم يرحم لا ثدي أمي ولا قلب والدي رحمهما الله.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى