السبت ١٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
بقلم سعود الأسدي

غمست خبـزي بملحـي

غَمَسْــتُ خبزي بملحي لستُ أغمِسُهُ
في ملح ِغيرى ولو في جُرْعَةِ العَسَل ِ
ملحي لجرحي ، وملحي لستُ أنثرُهُ
في جرح ِغيري ولا في دمعةِ المُقـَل ِ
وكمْ تألّمـتُ حتى صِحْـتُ من ألمي
يا مـَـنْ يـــردّ بآلامـــــي رُؤَى أَمَلي
سهــرتُ في وحدتي والليـــلُ يُؤنسُني
وَصْلا ً إلى الصبـح يأتيني ولم يَصِل ِ
هنــاكَ فـــي خاطـري ما بينَ أوديةٍ
سَرَحْــتُ فيها وديعــاً مثلمـــا الحَمَل ِ
رَعَـيْــتُ عُشبــاً وأزهـاراً مُفـَتـِّحَــة ً
مــن الخُـزَيْـمَـةِ والخافــورِ والنَّفـَـل ِ
ورحتُ أشـربُ من جُرْن ٍ بصخرتِها
سُؤراً وقـد يكتفـي الظمـآنُ بالسَّـمَــل ِ
وكـمْ غَزَلْتُ علـى شبّابتـي نغمــاً
كغزلِكَ " الأوفَ " في شِعْرِالفتى الغـَزِل ِ
غنّيت ُ" جفرا ودلعونا " علي شفتي
وصِـرْتُ ممّا يثيـرُ الوَجْـدُ كالثـَّمِـل ِ
حملـتُ شمشـاً وأمطاراً على كتفي
في الشـرْدِ والبَرْدِ أمشي غيرَ مُنتعِل ِ
كأنّني أحمـلُ الفصلين ِ في جسدي
صيفـاً شتـاءً ، وَحَمْلي غيـرُ مُحْتمَل ِ
زُوّادتـي خبــزُ طابــون ٍ وأرغفتي
ثلاثــة ٌ بــِإدام ِ الزيـتِ والبَصَــــل ِ
لكنَّ بي مثـلَ جـوع ِالذئبِ ينهشني
ماذا جَـرَى؟ أحملُ الضدّين في سَمِلي
سَمَلتُ عينـي إذا خانـَتْ بمِخـْـرَزِ من
يخونـُني ، وهـو يبـدو غيـرَ مُسْتـَمَل ِ
ولســتُ آخــذُ منــه جـِلـْـــدَ ثاغيةٍ
مـــن الشِّـــياه ِ ولو أهديتـــه جَمَـــلي
أعطيتُ غيــريَ مــن كـُنـّاشتي جُمَلاً
والناسُ تعرفُ إذ تُتـْـلـَى لهــمْ جُمَـلي
وكلُّ بيـــت ٍ تـَـرَى فيه مُعَلّقـــــــة ً
غَرَفـْتـُها من عميق ِالشعـرِلا الوَشَل ِ
وما انتحلـتُ لقولي قــوْلَ من سلفوا
وليــتَ للنحــل ِشهــداً غيـرَ مُنـْتـَحَل ِ
ولا رَحَلْتُ عن الأصحـابِ من ملل ٍ
فليس مثلــــيَ مَــنْ يُنتــــابُ بالمَلل ِ
ولا قبـِلتُ بأن أرضَــى مــودّة َ مَنْ
غَطّـى على ضِغـْنِهِ بالبَسْم ِ والقـُبَل ِ
ولا زَحَلـْـتُ عن الأثمار حينَ عَلـَتْ
قطـوفـُها فغـدَتْ في قبضَتـَيْ زُحَل ِ
يعــدو علـيّ ضعيـفٌ باتَ يلسعُني
مثــلَ البعوضــة ِتؤذي جبهـة َالبطل ِ
فإن ضَرَبْـتُ عليهـا الكفَّ أضحكنـي
ضَرْبــي لذاتي فيــا ويلـي من الزلل ِ
والنمْــلُ من سَبَلـي يمتـــارُ مِـيْــرتـَهُ
فإن مشيــتُ لشأنــي سَـدَّ لـي سُبُلي
ولســـتُ أدعسُـــه خوفـــاً لقرصتـِـه
بل من مخافـةِ قتــلٍ ليس مـن فِـعَلي
من يقتل ِ الناسَ يُقتـَـــلْ كنتُ أسمعُها
طفلاً فكيـف بهـا والعُمْـرُ في الطَّفــَل ِ
قال المسيــــحُ مقــالاً ليــــس يُنكرُهُ
إلاّ الـذينَ ابْـتُـلوا بالخِــطْءِ والخَطَـَل ِ
من يأخـذِ النـاسَ بالسيـف ِالحديد ِفلا
مناصَ يُؤخـَــذُ بالصَمْصام ِ والأسَل ِ
فما عَـــدُوٌ ببـــاق ٍفي الحيـــاةِ ولا
بـاق ٍ صديــقٌ وكلٌّ رَهْــنُ مُرْتَحَل ِ
فاشدُدْ على الجُرْح ِلايُرْجَى الطبيبُ ولا
ينجـو طبيــبٌ مــن الآفـاتِ والعِلل ِ
قد جـِئْـــتُ أمس ِطبيبــاً أشتكي نـُزُلاً
إذ هُـوْ بمنـزلـِـهِ يشكـو من النـُّزُل ِ
والعيشُ نَهْـرٌ وهـذي الناسُ رَغْوَتـُهُ
فإن دَهَى الموتُ طارُوا طـَيْرة َالحَجَل ِ
فلا الشجــــــاعُ بنــاج ٍحيــنَ يُدركُهُ
ولا الجبـانُ وقد يقضِــي من الوَجَل ِ
فاضْحَــكْ بسِـــرِّكَ هُزْءا بالألَى نَدَبُوا
حظوظ َ قـوم ٍ إذا صاروا من الهَمَل ِ
ونحنُ في السهل ِنَألو السيرَ كيفَ بنا
إذا مشينـــــا صُعُــــوداً قمّــة َالجبل ِ
صِرنا كـَسالــى حَزانـى ليس يدفعُنا
إلى العظائم ِِ ما فينــــــا مـــن الكسَل ِ
تـَبّـــــــاً لنا ولمـــن قادوا مسيرتنا
في الجَهْل صرنا جميعـًا مضربَ المثل ِ
صرنا عجائزَ ، عَجْـزٌ باتَ يُقعدُنا
فأُفَّ منّــي ومنهــــا أمـــة ُالتـَّــــــفـَل ِ
ومــا تجنّيـتُ في قولـي فأُنْكِــــرَهُ
فإنْ وَجَــدْتَ مقــــالا ًغيـــرَ ذا فـَقـُـل ِ
وما تشاءَمـْـتُ في قولي فلســتُ أرى
في الفأل ِفألا ًوكلّ الشُّؤم ِفي الفــَـأَ ل ِ
فالطـُمْ بكـَفــّيكَ يا ابنَ الخال ِمن أسَف ٍ
فإنَّ أسيـــادَنا أضْحَـــوا من الخَــوَل ِ
قد قلتُ ما قلتُ مــن قهــري ورُبّ فتىً
أدّى بــــهِ القهـــرُ للإذلال ِ والخبَل ِ
ولســتُ أبغـي بقولي حِكـْمَــة ً أبداً
إذ ليس يأتي المقالُ الفصْـلُ من قِبَلي
فكمْ حكيـم ٍأصابَ النـُّجْــحَ حين حَكى
قولاً سديـداً وأغْــرَى الناسَ بالعمل ِ
لكنَّ حكمتـَـــه بارَتْ وما نفعَــتْ
أبنــاءَهُ وارتمَــوا في وَهـْـدة ِالفشل ِ
وكمْ شهير ٍ تُغطّي الكونَ شهرتُهُ
لكـــــنَّ آبـــاءَه من جُمْـلــة ِ الخَمَل ِ
وقد عَـرَفْتُ بأنَّ الحِلـْمَ يَشـْنـَأُني
وأنَّ لــي أمّــــةً تأتـــــــــمُّ بالجُهُل ِ
فيـا لـَحُزْني وقد بانـتْ حقيقتـُهـا
وليس فـي وجهـِهـا شُرْشٌ من الخَجَل ِ
من خالَ يوماً بأنّ " الضادَ " تجمعُها
فافحَصْ له عقلـََهُ تعْثـَرْ على الخَلـَل ِ
وســوفَ تفنَى بأضداد ٍبهـا اجتمَعَتْ
لا مـــن عَــدُوِّ أتـى فـي زِيِّ مُختتِل ِ
وكلُّ ضِـد ٍّ لهُ من ضِدّهِ رَصَدٌ
فليت مَنْ وَضَعَتْ تـُنتابُ بالثـَّكـَل ِ
فلا تُعَجـِّـلْ بأن تفنَى فلســتُ أرَى
شيطانَها فيـكَ كي تَحْتـَثَّ بالعَجَل ِ
فذي فلسطيـنُ قد تكفيـــــكَ من مثل ٍ
وفي العـراق ِوفـي لبنــانَ من مثل ِ
أمّـا العــراقُ فمـا التــرياقُ نافعُـهُ
كــلاّ وقد لَدَغَـتـْـــهُ حَيّـــة ُ النِّحَل ِ
وبعـــدَ حيـن ٍ فإنّ الشــــامَ تتبعُــها
مصـــرٌ وقد اُغْـــرِقا في حَمْأة الدَّجَل ِ
وفي الخليج ِحـَزازاتٌ وما حَجَزَتْ
عنـّا الحِجازُ أذىً بالكـُتـْب ِ والرُّسُل ِ
ولا بحِـــجٍّ وحُجّاج ٍ لهــا وفـــــدُوا
من كلِّ فَــجٍّ عميـق ٍفـوقَ ذي رَمَل ِ
واليُمْـنُ أيقنـْتُ لا ياتيكَ من يَمَـن ٍ
أتْعِـسْ بربع ٍ ببابِ النّدْب ِ مُـتـَّصِل ِ
وفي الكويت كتاكيتٌ وما فتِئوا
يُزمجـرون كفعل ِالاُسْدِ في الدّغـَل ِ
والشمسُ في مغربِ الأشرار قد غربتْ
وعَـوْدُها لـم يُحَــدّدْ بَعْـــدُ فــــي أجَل ِ
والشـرُّ في أمّتي في أصل ِ جَبْلتِها
فظُـنَّ شــرّاً وعــــنْ خيـــر ٍ فلا تسَل ِ
مجموعُ أقطارِها صِفـْرٌ كما سُمِعَتْ
عن سعدِ زغلولَ قولا ًغيرَ ذي زَغَل ِ
عُــدّي رجالـَكِ عُــدّي جدّتي نطقتْ
من أقـرَع ٍ لِـمُصَــــدّ ٍ بئـسَ من رجل ِ
من حضرَمَوْتَ حُضُورُ الموتِ ليس لها
مَنجَــىً كمُحْتـَضَر ٍ قد بــاتَ في رَهَل ِ
والدهـــرُ عـا د ٍ وكمْ أعْــدَى عواديَـــهُ
من قبل ِعــاد ٍعلى الأقـــوام ِوالـدُّوَل ِ
 

مفردات :

 
الخُزيمة ( الخُزامى) : نبتة أزهارها متعدّة الألوان .
الخافور : نبتة تشبه نبتة الشعير.
النَّفَل : بقلة أزهارها متعدّدة الألوان تسمن عليها المواشي . الجرن : النقرة في الصخر .
السُّؤر : بقية الماء في الإناء .
السَّمَل: ( بفتح الميم ) الماء الرديء.
الثمِل : السكران .
الشرْد : حرارة الطقس مصحوبة بالجفاف .
سَمِل : ثوب بالٍ .
سَمَلَ فقأ عينه ومثله استمل .
كُنّاشة : دفتر صغير .
الوَشَل :الماء القليل .
انتحل : ادّعى ما ليس له، والنحل ينتحل العسل من الرحيق . الضِغـْن : الحقد.
زَحَلَ : ابتعد ،
وزُحَل : كوكب يضرب به المثل في العلو والمجد .
يمتار : يجمع ميرته أي مؤونته .
الطفَل : قبيل غروب الشمس بقليل .
الخِطء : الإثم .
الخَطَل : الحمق واضطراب المنطق .
الحديد : الحادّ . القرضاب : السيف القطّاع.
الأسل : الرماح . النُّزُل : الرشح إثر برد.
ألهَمَل : القطيع بلا راع ٍ . اتفلْ : ابصقْ .
التفَل : الفساد والنتن . الخوَل : الخدم من العبيد والإماء .
الخبَل : نقص العقل . الوهدة الأرض المنخفضة.
يشنأني : يكرهني .
الجُهُل : جمع جاهل من الجهل والجهالة
أي الطيش والسفاه، عكس الحِلْم
ومن صفات الحليم سعة الصدر والصبر والأناة
والتعقل والرويّة .
الضاد : المقصود لغة الضاد أي العربية .
مختتِل : مخادع من الختل أي الخداع.
النِّحَل : المذاهب والمقصود الطوائف .
حمأة الدجَل : وحل الكذب والخداع .
حزازات : عداوات . الرمَل : الهرولة والإسراع .
باب الندب : المقصود باب المندب .
الدّغَل:الشجر الكثيف الملتف .
جبلتها : طبيعة خلقها وتكوينها .
ينسب إلى سعد زغلول زعيم حزب الوفد
ورئيس الحكومة المصرية عام 1924 القول : إن مجموع الأقطار العربية صفر.
زغل : غشّ . الرّهَل : رخاوة الجسم في انتفاخ .
عادٍ من العدوان ، وعاد : قوم عاد من العرب البائدة .

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى